انتخابات الجزائر تائهة بين تحديات التنظيم وخطاب التغيير

تدخل الجزائر بعد عدة أسابيع مرحلة جديدة من مسار سياسي متقلب بين السلطات الجديدة والحراك الشعبي، بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة بعد قرار الرئيس عبدالمجيد تبون حل البرلمان مطلع الشهر الجاري. ورغم أن بعض الأصوات ترى في هذه العملية فرصة لتشكيل خارطة سياسية تكون فيها بصمة الجزائريين واضحة، يبدو الاستحقاق تائها بين تحديات التنظيم وخطاب التغيير.
الجزائر- يثير اتجاه الجزائر إلى عقد اقتراع تشريعي سابق لأوانه الصيف المقبل الكثير من الجدل، رغم التطمينات التي قدمتها السلطات للحراك الشعبي بأن هذه العملية لن تستثني أحدا وأنها ستحقق مطالب الجزائريين على النحو الذي يريدونه لبناء دولتهم الديمقراطية والقطع نهائيا مع الماضي.
ومنذ الإعلان عن موعد تنظيم الانتخابات التشريعية المبكرة، وحتى قبلها، أكدت عدة أحزاب سياسية في الجزائر أنها ستشارك فيما أعلنت أخرى أنها ستقاطع العملية لعدم ثقتها في العملية، وسط ترجيح المراقبين أن يكون للمستقلين حضور قوي في هذا الاستحقاق المزمع في الـ12 من يونيو المقبل.
أبرز التحديات أمام الانتخابات التشريعية
* عودة احتجاجات الحراك الشعبي ولو أنها بوتيرة أقل بسبب قيود الأزمة الصحية
* نسبة المشاركة في الاقتراع رغم القانون الانتخابي الجديد الذي يوفر فرصة للجميع
* تركيبة البرلمان الجديد حيث من المرجح أن تطغى عليه التحالفات بين الكتل الفائزة
وفي خضم هذا المسار الذي تريد من خلاله السلطات إثبات حالة القطيعة مع نظام عبدالعزيز بوتفليقة برزت عدة تحديات ليس من المرجح أن تساعد على نجاح العملية التي تراهن عليها السلطات، من بينها نسبة المشاركة وعودة الاحتجاجات.
ما الضمانات
يقدم قانون الانتخابات الجديد تسهيلات بصفة استثنائية لمختلف التشكيلات السياسية وخاصة الراغبين في الترشح بصفة مستقلة، حيث يشترط على الجميع جمع عدد معين من التوكيلات لدخول السباق دون تطبيق قاعدة إقصائية حول ضرورة الحصول على نسبة 4 في المئة من الأصوات في الانتخابات السابقة مع مجانية القاعات وطبع الملصقات بالنسبة إلى الشباب.
كما منح تسهيلات خاصة للشباب، من خلال شرط منح نصف عدد مترشحي القوائم الانتخابية لمن تقل أعمارهم عن 40 سنة، وتخصيص ثلثها للحاصلين على شهادات جامعية.
ويبدو أن هذا التوجه أوجد رغبات كثيرة في الترشح، خاصة بالنسبة إلى القوائم المستقلة التي ترى أن الاكتفاء بالتوقيعات لدخول سباق المنافسة عامل مساعد. ويقول مراقبون جزائريون إن “الأحكام الانتقالية التي جاء بها قانون الانتخابات نجمت عنها حمى انتخابات”.
ومن المستبعد فوز حزب معين بالأغلبية المطلقة في الانتخابات المزمعة، إذ ستجد نفسها في نهاية المطاف مضطرة إلى تشكيل تحالفات سياسية فيما بينها. ومع ذلك يعتقد البعض أن المستقلين قد يصبحون رقما صعبا في هذه التحالفات إذا ما كتب لهم النجاح في دخول البرلمان.
موقف الأحزاب
أكد رئيس حزب التجديد والتنمية أسير طيبي أن رفع حاجز العتبة من قانون الانتخابات الجديد وتطبيق التوقيعات الشخصية للوائح الترشيح على كافة الأحزاب السياسية والمستقلين سيضعان الجميع على خط واحد، ويحققان مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع بعد عقود من هيمنة أحزاب السلطة على المجالس المنتخبة والإقصاء المبرمج للأحزاب المستجدة.

أسير طيبي: نتوقع تشكل خارطة سياسية تترجم الإرادة الحقيقية للجزائريين
وقال طيبي في تصريح لـ”العرب” إن “القانون الجديد على ما يحسب عليه، فإنه ينتظر أن يحقق تحولا سياسيا هاما في البلاد، ويعيد رسم الخارطة السياسية بشكل يترجم الإرادة الحقيقية للجزائريين، وأن المرونة التي تبديها السلطة العليا لتنظيم الانتخابات في التعاطي مع شرطي المناصفة في اللوائح بين الرجال والنساء وحضور الشباب تدفع باتجاه التشجيع على دخول سباق الاستحقاق البرلماني”.
ولفت إلى أن القانون المذكور أرسى قواعد التمثيل الحقيقي للشارع وأنه يحفز الناخبين على الإقبال على عملية الاقتراع، لأن الآليات التي أتاحها تسمح بالحفاظ على إرادة الناخبين، عكس العقود الماضية التي هيمن فيها المال السياسي، لأن العمل كان قد سار على اختيار القائمة بمن فيها أو تركها بمن فيها، والآن بات الاختيار ممكنا بين أفراد اللائحة الواحدة، الأمر الذي سينهي مسألة البيع والشراء في الترتيب وفي اللوائح وفي الأحزاب.
ويبدو أن مسألة فرض جمع التوقيعات الشخصية على كافة الأحزاب والمستقلين باتت تلقي بظلالها على ما كان يعرف بـ”القوى التقليدية”، ولم يعد الانتشار الأفقي والتواجد في جميع المحافظات والبلديات كافيين لضمان تواجدهم في السابق، لأن النزول إلى الشارع لجمع تلك التوقيعات هو امتحان حقيقي وغير مسبوق لهؤلاء.
ولا يُستبعد غياب أحزاب كبيرة في بعض المحافظات عكس الاستحقاقات الماضية، لأن العملية تتطلب عملا ميدانيا وتعبئة قوية وقد يرسب هؤلاء في أول امتحان.
وكان حزب جبهة العدالة والتنمية الإخواني قد راسل الرئيس تبون من أجل تأجيل موعد الانتخابات، وبرر العضو القيادي لخضر بن خلاف الطلب بـ”صعوبة التوفيق في حملة جمع التوقيعات في ظل الأجندة الزمنية التي يستنزف منها رمضان شهرا كاملا تتراجع فيه وتيرة الأداء”، ليكون بذلك قد ظهر أحد أوجه ضعف التيار الإخواني.

منذر بودن: الاستحقاق البرلماني سيطوي صفحة الفرز في المشهد السياسي
ويرى منسق تيار المسار الجديد منذر بودن أن “الاستحقاق البرلماني سيضع الجزائر على سكة العهد الجديد، وسيطوي صفحة التخطيط والفرز للمشهد السياسي وتوزيع “الحصص” النيابية على القوى السياسية.
وقال لـ”العرب” إن “إرادة السلطة الجديدة والقوى السياسية والأهلية المؤمنة بالمسار الانتخابي لتحقيق التغيير السياسي ستتحدى جميع المعوقات التي يروج لها في بعض الأوساط السياسية، على غرار العزوف الشعبي والمال السياسي والاحتجاجات السياسية، بفضل عملية التعبئة والحشد التي يقوم بها فواعل المجتمع المدني”.
وأكدت معظم الأحزاب السياسية المحسوبة على التيار الوطني مشاركتها في الاستحقاق المرتقب، ومنها جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم في عهد بوتفليقة) والتجمع الوطني الديمقراطي (زعيمه السابق أحمد أويحيى المتواجد في السجن بتهم الفساد) والتحالف الوطني الجمهوري وتجمع أمل الجزائر والتجديد الجزائري.
كما أن تيار الإسلام السياسي سيكون حاضرا؛ فقد أعلنت معظم الأحزاب الإسلامية، وفي مقدمتها حركة مجتمع السلم وهو أكبر حزب إسلامي وحركة البناء الوطني الذي حل ثانيا في الرئاسيات الماضية ويقودها عبدالقادر بن قرينة وأيضا حزبا الجزائر الجديدة والإصلاح الوطني، أنها ستشارك وشرعت في ضبط قوائم الترشيحات ومنها من أبدى استعداده لدخول السباق الانتخابي بتحالفات.
على الضفة الأخرى تبرز أحزاب يسارية وعلمانية أكدت أنها لن تشارك في الاقتراع النيابي المقبل متعللة بأنه يخلو من قواعد المنافسة، من بينها حزب العمال حيث قالت الأمينة العامة للحزب إن “مقاطعة الانتخابات تأتي لعدم قدرة هذا الاستحقاق على تصحيح القرارات غير الاجتماعية المتّخذة من طرف الحكومة”.
ويعد حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية التشكيلة السياسية الثانية التي أعلنت مقاطعة الانتخابات البرلمانية. وقال في بيان الجمعة الماضي إن “مكان التجمع هو إلى جانب الشعب الذي تجند لتغيير النظام والسماح بتكريس البديل الديمقراطي، وليس في معسكر من يمتهن القمع ويزرع الرعب والفزع ويحشد المتطرفين على الجلوس، مرة أخرى، على كرسي ابتزاز بالأسوأ”.
تحديات كبرى
رغم تعهد تبون بضمان نزاهة الانتخابات بإسنادها لهيئة مستقلة تشرف عليها تجددت التظاهرات الشعبية في الذكرى الثانية للحراك الذي اندلع في فبراير 2019 رفضا لاستمرار نظام بوتفليقة، قبل أن تمتد المطالب إلى التغيير الشامل والجذري للنظام.
وسبق أن رفض الحراك الذي يتزعمه تياران، الأول يرفض كل مبادرات السلطة ويطالب بحل كل المؤسسات وعقد مؤتمر تأسيسي أما الثاني فيطالب بحل متفاوض عليه مع النظام قبل أي انتخابات، المسارات الدستورية المعتمدة للخروج من أزمة شغور منصب رئيس بعد استقالة بوتفليقة.
ومع ذلك تصر السلطات الجديدة على أن أغلب مطالب الحراك تحققت وأن التغيير بإسقاط كل مؤسسات البلاد خطر على الدولة وأن التغيير في كل دول العالم يتم من خلال انتخاب مؤسسات عبر الصناديق وعلى الجميع الانخراط في هذا المسعى.
وتبرز نسبة المشاركة كأحد أكبر الرهانات التي تنتظر الاستحقاقات النيابية المبكرة، خاصة بعد نسبة 23.7 في المئة في استفتاء تعديل الدستور والتي اعتبرت الأضعف في تاريخ البلاد. وبينما ألقت السلطات باللوم على الأزمة الصحية قال معارضون إنها رسالة تفيد برفض الشارع لخارطة طريق السلطة.
لا يُستبعد غياب أحزاب كبيرة في بعض المحافظات عكس الاستحقاقات الماضية، لأن العملية تتطلب عملا ميدانيا وتعبئة قوية وقد يرسب هؤلاء في أول امتحان
ويقول الصحافي المتخصص في الشأن البرلماني جمال فنينش إن نسبة المشاركة تمثل هاجسا وربما تكون ضعيفة مع انتعاش الحراك وتدهور المستوى المعيشي للجزائريين.
ولكن ليس ذلك فقط، بل إن خطاب أحزاب الموالاة (حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في عهد بوتفليقة والتجمع الوطني الديمقراطي) بات استفزازيا ومنفرا بعد أن أصبحت هذه الأحزاب تزعم أنها تمثل الحراك الشعبي، كما أن العزوف الانتخابي المحتمل يتغذى من شعور المواطنين المتزايد بأن البرلمان لا دور له ومجرد مؤسسة واجهة وموقع للترقية الاجتماعية.
ومن الرهانات المرتبطة بالاستحقاقات المبكرة تركيبة المجلس الشعبي الوطني الذي سيتمخض عنها، في ظل المؤشرات التي تتحدث عن تراجع كبير للأحزاب التقليدية التي سيطرت عليه لسنوات.