اليد الإماراتية الممدودة لتونس تزعج تيار الإخوان في الجزائر

جدل كبير أثارته تصريحات أحد السياسيين في الجزائر والتي زعم خلالها أنه يمتلك معلومات مؤكدة عن وجود تحركات تقف وراءها دولة خليجية (يقصد الإمارات) لجر تونس وموريتانيا إلى تطبيع علاقتهما مع دولة الاحتلال الأمر الذي يستدعي حسب قوله أن تفتح الجزائر أعينها وأن تراقب بحذر ما يجري في المنطقة المغاربية.
ولم يمض وقت طويل حتى عاد هذا المسؤول مجددا ليتبرأ من اتهاماته الخطيرة وليتهم أطرافا “محسوبة على النظام المغربي” بتحريف تصريحاته، التي لم يكن القصد منها سوى تقديم “واجب النصح” للأشقاء في محاولة لاحتواء الموقف وما سيترتب عنه من ردة فعل سلبية إزاء تصريحات من المؤكد أنها تضر بعلاقة الجزائر مع أشقائها العرب أكثر مما تنفع، لما تحتويه من انزلاق خطير وتدخلات غير مسؤولة في سيادة الدول تأتي من حركة سياسية من المفترض أن يكون لها حد الأدنى من المسؤولية والحنكة السياسية، ذلك لأن فتح النار على الإمارات واتهام تونس وموريتانيا في سيادة استقلالية قراراتهما، أسلوب متهور لا يمكن إلا أن يزيد الطين بلة.
بعيدا عن أسطوانة التطبيع التي وظفها هذا السياسي كذريعة لمهاجمة الإمارات وتحركاتها نحو تونس، لا بد أن نذكر بأن ما تعيشه تونس اليوم من وضع اقتصادي حرج، ما هو إلا إفرازات لمرحلة "أخونة الدولة التونسية"
ربما لا يعلم صاحب التصريحات عبدالقادر بن قرينة أن تونس كانت بيتا مفتوحا لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد أن خرجت من لبنان في أحلك الظروف وفي الوقت الذي أدار الجميع ظهره للفلسطينيين لتستضيف منهم 8 آلاف شخص وعلى رأسهم أسماء من الوزن الثقيل كانت رموز الكفاح الفلسطيني المسلح ضد الاحتلال وهم أبوعمار وأبواللطف وأبوإياد وأبومازن وأبوجهاد. وربما لم يقرأ أيضا مقولة ياسر عرفات التي خاطب فيها الفلسطينيين قائلا “إذا ضاقت بكم السبل فاذهبوا إلى تونس فإن بها شعباً يعشق فلسطين”، وربما لم يسمع عن الغارة الجوية الإسرائيلية على مدينة حمّام الشط على ضواحي العاصمة التونسية، والتي اختلطت فيها دماء الشهداء التونسيّين والفلسطينيّين وراح ضحيتها 68 شهيدا وسقط فيها المئات من الجرحى.
ربما لم يسمع بن قرينة أيضا بالتنسيقية الوطنية الموحّدة لدعم المقاومة الفلسطينية وتجريم التطبيع والتي تضم 12 حزباً سياسياً و12 جمعية ومنظمة وطنية تونسية، وربما لم يستمع أيضا للمناظرة التلفزيونية التي جمعت الرئيس التونسي قيس سعيد بالمرشح نبيل القروي حين كرّر بصوت عال “التطبيع خيانة”، وربما كان بن قرينة بعيدا عن الشأن التونسي ذلك لأنه ليس على علم بأن البرلمان التونسي بصدد مناقضة مشروع قانون يجرّم التطبيع.
نريد من خلال كل هذا أن نذكر بن قرينة أن التونسيين كانوا دائما ولا يزالون سبّاقين لدعم القضية الفلسطينية ونصرتها، وأن الموقف الرسمي متطابق مع الموقف الشعبي وفي توافق تام وهو محصلة فهم السياسيين التونسيين وإدراكهم لرمزية القضية الفلسطينية لدى التونسيين.
وبعيدا عن أسطوانة التطبيع التي وظفها هذا السياسي كذريعة لمهاجمة الإمارات وتحركاتها نحو تونس، لا بد أن نذكر بأن ما تعيشه تونس اليوم من وضع اقتصادي حرج، ما هو إلا إفرازات لمرحلة “أخونة الدولة التونسية”. هي مرحلة دفن خلالها التونسيون مشروع ثورتهم التي نادوا فيها بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وتعايشوا مع الفوضى التي خلفها الإخوان في المشهد السياسي، وهي مرحلة صدّرت فيها تونس الإرهاب الى سوريا والمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا. ألم يكن من الأجدر تحذير التونسيين من خطورة المؤامرة التي تحاك ضدهم ومن خطورة الثورة المضادة التي تستهدف قوت الشعب البسيط من خلال اختلاق أزمات الندرة في المواد التموينية؟ أم أن دخول الإمارات على خط دعم تونس ومساندتها في أزمتها الاقتصادية أصبح أمرا يزعج تيار الإخوان ويفشل مخططاتهم للعودة من الباب الخلفي بعد إتمام مهمة إسقاط الدولة؟ أليس ذلك هو الخطر الأكبر على أمن الجزائر وحدودها؟
عندما تأتي صحيفة جزائرية بخبر مفاده مطالبة السفير الإماراتي بمغادرة الجزائر تم تنفي الخارجية الجزائرية في بيان لها ذلك وتؤكد على عمق العلاقات الثنائية مع الإمارات وتذهب الرئاسة أبعد من ذلك عندما تقيل وزير الإعلام في إجراء سريع، ثم تخرج صحيفة أخرى أياما بعد سقطة الصحيفة الأولى بمقال هجومي ضد الإمارات، ثم يأتي دور رئيس كتلة سياسية لها وزنها في المشهد السياسي الجزائري بتصريح خطير كان بالإمكان أن ينسف العلاقات بين البلدين، فإن هذا يستدعي طرح العديد من التساؤلات حول حقيقة من يقف وراء هذه الهجمات خاصة وأن غياب رد رسمي حيال هذه السقطة الجديدة يضع العديد من نقاط الاستفهام وينذر بوقوع هجمات أخرى في المستقبل القريب.