الوعي بالهوية

كيف يمكن أن نستسيغ توصيفا نقديا للرواية يقرنها بجغرافيا بشرية وثقافية غير موحدة، من مثل توصيف “الرواية المغاربية”، مع الوعي بأن هذه المقولة لا تجد تحققا لها في الواقع، إلا إذا قمنا بتجزئتها، فنتحدث مثلا عن الرواية في المغرب أو الجزائر أو تونس؟ وما هي المداخل الممكنة التي تجعل من الحديث عن الرواية هنا مجديا على الصعيد الثقافي؟
أعتقد أن افتراض وجود تقاطعات في التخييل وفي المسارات، وتشابه في الأقدار والاختيارات، كفيل بجعل أي تحليل يعتمد هذه المقولة مقبولا، اعتبارا من فهم منطلق مبدئي مفاده أن الرواية بما هي الشكل الأكثر هيمنة على المشهد الثقافي في هذه البلدان، يستند في العمق على مرجعيات مؤسسة للذهنية الجماعية.
في هذا المستوى أتفهم ذلك السجال النقدي المواكب لتبلور الظاهرة الروائية المغاربية بما هي حاملة لجوهر لغوي (عربي/ فرنسي) يستثير سجالات لا تنتهي، بين النخب الثقافية والسياسية، يمتد من هوية النصوص ومدى انتمائها للمجتمعات الحاضنة، إلى طبيعة المتلقين المستهدفين.
من هذا المنطلق أعتقد أن الثنائية اللغوية المبنية على التناظر ارتكزت تدريجيا على مبدأ الهوية، حيث أضحت الرواية في هذا النطاق الجغرافي حيزا مثاليا لإعادة التفكير في الخصوصيات التي تم تجاوز تعريفها البسيط في العمق العربي، لصالح أبعاد لغوية وتاريخية وإثنية متعددة، مما جعل من الرواية حقلا لإعادة رسم حدود الوعي بالذات ومساءلة حدودها واستعادة المنسي أو المتلاشي من عناصرها، أذكر في هذا السياق أن التفكير في الأصول الأمازيغية والأندلسية والمتوسطية واليهودية والرومانية بات اليوم بالغ التأثير في إعادة رسم حدود الاعتراف بالتعدد ورفض هيمنة تنميط واحد.
في نقاش جمعني بمثقفين وكتاب مغاربيين على هامش معرض الكتاب بالجزائر تولد تدريجيا ما يشبه قناعة لدينا بأن البحث عن الهوية، هو ما يمكن أن يفسر تطور الأساليب الروائية في هذا الشق من الوطن العربي، حيث تتماثل مسارات الإنجاز والتراكم داخله على نحو لافت؛ بدأ بالانشغال الروائي بمرحلة الاستعمار وما نضحت به من قضايا سكنت الذاكرة والمتخيل الجماعيين، إلى ما استتبعته من خطاب مواجه، متمثل في حركات المقاومة وتنظيمات العمل الوطني، ثم مسارات أعطابها وإخفاقاتها، لتنفتح بعد ذلك على موضوعات أكثر إغراقا في مساءلة تجارب الدولة الوطنية، والاحتراب المطرد بصدد الأيديولوجيا، ومفاهيم الدين والحرية والقيم الاجتماعية، بمستويات متفاوتة في هذه الأقطار المتجاورة والمتنائية في آن. ومن ثم لم يمثل الوعي بالهوية إلا بوصفه اكتشافا لقدرتنا على استيعاب اختلافنا، في جغرافيا سياسية أنهكتها شروخ عاطفية تجافي منطق التاريخ.