الوصول إلى مناعة القطيع مستبعد مع تفشي المتحور دلتا

إصابة الأشخاص المطعمين بالمتحور دلتا يصعّب وقفه عبر اللقاحات والأجسام المضادة.
الثلاثاء 2021/08/31
التطعيم سلاح لمجابهة انتشارالفايروس

لا تساعد سرعة تفشي المتحور دلتا على الوصول إلى تحقيق المناعة الجماعية، وفق ما يؤكده الخبراء، ذلك أن المتحور الجديد يمكن أن يصيب الشخص الذي تم تطعيمه. وأمام عجز اللقاحات عن تحقيق نسبة فعالية تصل إلى 100 في المئة تصبح مناعة القطيع مجرد وهم.

واشنطن – يؤكد الخبراء والمختصون على أنه  من الوهم تحقيق مناعة جماعية بالاعتماد فقط على اللقاحات وإن كانت ما زالت ضرورية لاحتواء جائحة كوفيد – 19، في ظل انتشار المتحور دلتا سريع العدوى.

وكان يُنظر إلى المناعة الجماعية وهي نسبة الأشخاص المحصنين التي يتوقف الوباء بعدها على أنها الوسيلة الأنجع للخروج من الأزمة. لكن يبدو أن مثل هذا الأمر ربما لا يتعدى أن يكون وهماً، إذ يتوقف الأمر على التعريف المعتمد، وفق الخبراء.

وقال عالم الأوبئة ميرسيا سوفونيا لوكالة فرانس برس “إذا كان السؤال هو: هل سيسمح التطعيم وحده بتراجع الوباء والسيطرة عليه؟ فالجواب هو لا”. وأضاف أنه في الواقع “هناك عاملان يلعبان دوراً مهما: مدى شدة عدوى الفايروس وفعالية اللقاح في مواجهة العدوى. وهذا لا يكفي”.

ويعد دلتا المتحور السائد حالياً أكثر قابلية للانتشار بنسبة 60 في المئة من سابقه ألفا ومرتين من الفايروس الأساسي. ولكن كلما اشتدت عدوى الفايروس زادت العتبة اللازمة للمناعة الجماعية التي يتم الحصول عليها من خلال اللقاحات أو من خلال العدوى الطبيعية.

وأكد عالم الأوبئة أنطوان فلاهولت لوكالة فرانس برس أن المعادلة سهلة على المستوى النظري، ويسهل احتسابها انطلاقاً من عدد التكاثر الأساسي للفايروس (المشار إليه برمز R0))، وهو عدد الأشخاص الذين يصيبهم الشخص المصاب في حالة عدم وجود تدابير لتجنب العدوى.

وفيما يتعلق بالفايروس الأساسي (الذي بلغ عدد تكاثره 3)، قُدرت عتبة المناعة الجماعية عند نسبة 66 في المئة من الأشخاص المحصَّنين، وفق البروفيسور فلاهولت. ولكن “إذا كان عدد التكاثر الأساسي هو 8 كما هي الحال مع دلتا، فإن المناعة الجماعية تصل إلى 90 في المئة”، كما يقول.

الصورة
متحور الدلتا التحدي الأبرز

ويمكن الوصول إلى هذا المستوى إذا كانت اللقاحات فعالة بنسبة 100 في المئة ضد العدوى. ولكن الوضع ليس كذلك. فوفقًا للبيانات التي نشرتها السلطات الأميركية مؤخرا انخفضت فعالية لقاحي فايزر وموديرنا ضد العدوى من 91 في المئة إلى 66 في المئة منذ أن صار المتحور دلتا هو المهيمن في الولايات المتحدة.

ومن الممكن أن يكون هذا الأمر مرتبطاً بواقع تناقص فعالية اللقاح بمرور الوقت مع انخفاض مناعة لقاح فايزر من 88 في المئة إلى 74 في المئة بعد خمسة إلى ستة أشهر، ولقاح أسترازينيكا من 77 في المئة إلى 67 في المئة بعد أربعة إلى خمسة أشهر، وفقًا لدراسة بريطانية نُشرت مؤخرا.

وهذا هو ما يدفع مزيدًا من البلدان إلى التفكير في إعطاء جرعة معزِّزة (هي جرعة ثالثة في أغلب الأحيان). لكن كل هذه المعطيات تؤدي إلى معادلة رياضية غير واقعية، لذلك يقول سوفونيا إنه لتحقيق مناعة جماعية دون فرض أيّ قيود يتطلب “تطعيم أكثر من 100 في المئة من السكان”. لكنه هدف اعتبره أحد معدي لقاح أسترازينيكا وهميًا.

وقال البروفيسور أندرو بولارد من جامعة أكسفورد أمام النواب البريطانيين في العاشر من أغسطس “مع المتحور الحالي نحن في وضع لا يمكننا معه تحقيق المناعة الجماعية، لأنه يصيب الأشخاص الملقحين”.

وحذّر علماء من أن هدف الوصول إلى ما يعرف باسم “مناعة القطيع” من مرض كوفيد – 19 أصبح مستبعدا مع تفشي متحور دلتا واحتمالات ظهور سلالات أخرى في المستقبل أكثر فتكا خاصة بالنسبة إلى غير المحصنين. وقال عالم المناعة البريطاني البارز السير أندرو بولارد الذي أبلغ المشرعين في المملكة المتحدة أن فكرة الوصول إلى “مناعة القطيع” في عالم به متحور دلتا أصبحت “أسطورية”.

وقال أستاذ عدوى الأطفال والمناعة ومدير مجموعة أكسفورد للقاحات إن انتشار عدوى دلتا بشكل فعال يجعل من المستحيل على المملكة المتحدة وقف الفايروس بشكل فعال من خلال مجموعة من اللقاحات والأجسام المضادة”.

وأضاف أن المشكلة مع هذا الفايروس أنه ليس الحصبة. حيث مع الحصبة، إذا تم تطعيم 95 في المئة من الناس فإن الفايروس لا يمكن أن ينتقل بينهم”. وأشار إلى أن المتحور دلتا “يصيب الأشخاص الذين تم تطعيمهم. وهذا يعني أن أيّ شخص لا يزال غير محصن في وقت ما سيواجه الفايروس ولا يوجد أي شيء من شأنه إيقاف هذا الانتقال”.

يمكن الوصول إلى المناعة الجماعية إذا كانت اللقاحات فعالة بنسبة 100 في المئة ضد العدوى، ولكن الوضع ليس كذلك

ويخشى علماء من ارتفاع كبير في عدد الحالات في بريطانيا مع حلول الخريف ، بعد هدوء نسبي خلال فصل الصيف، وذلك بسبب متحور دلتا الذي أصبح السلالة المهيمنة على حالات كورونا في البلاد.

وقال بولارد “أظن أن ما سينتج عن الفايروس بعد ذلك هو متغير ربما يكون أفضل في الانتقال بين السكان الملقحين”. لكنّ الخطر يكون “أكبر” بالنسبة إلى من لم يتم تلقيحهم، وفق الدكتور بيتر تشين هونغ أخصائي الأمراض المعدية في جامعة كاليفورنيا.

وأشار إلى أن دلتا يتميز بإنتاج كمية هائلة من الفايروس وإذا كان الشخص غير المحصن قد نجا منه في العام الفارط فإنه لكن يستطيع الإفلات منه في حاليا. وتوقع أنه قد لا يمر وقت طويل قبل الحديث عن متغير جديد. لكن وفق هونغ فإن “أفضل ما يمكن أن يفعله الناس في الوقت الحالي هو أخذ التطعيمات لأنها تعمل بفعالية على منع دخول المستشفيات والوفاة.

ومع استمرار انتشار الفايروس في العديد من المناطق حول العالم يخشى العلماء من زيادة حدوث الطفرات.وأًصبح دلتا هو المتحور المهيمن أيضا على الحالات الجديدة في الولايات المتحدة. وتؤكد المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها إنه مسؤول عن أكثر من 90 في المئة من حالات الإصابة الجديدة بمرض كوفيد – 19.

وظهر دلتا أول مرة في ديسمبر من العام الماضي، قبل أن ينتشر في العديد من بلدان العالم، بما فيها الولايات المتحدة التي اكتشفت أول إصابة بها في مارس الماضي. ويحذر علماء من ظهور سلالة جديدة لفايروس كورونا المستجد تقاوم عمل اللقاحات الحالية، ما قد يعيد المعركة ضد الوباء عاما إلى الوراء.

ويأتي ذلك وسط تفشي متغير دلتا من الفايروس التاجي السائد حاليا في كثير من دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة التي سجلت معدلات مرتفعة لدخول المستشفى للأشخاص في الثلاثينات من العمر.

17