الوصول إلى سفينة الانقاذ حلم المهاجرين في المتوسط

لأن الوصول إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط أصبح صعبا على المهاجرين غير الشرعيين، أصبح هؤلاء يركزون على الوصول إلى سفينة الإنقاذ الإنسانية أوشن فايكينغ التي ستقلهم بدورها إلى الموانئ الإيطالية ليواجهوا مصيرا آخر يرونه أفضل من الموت والمعاناة في ليبيا.
سفينة أوشن فايكينغ- تمكن أبيل من وداع أعز أصدقائه والحصول منه على مبلغ الـ200 دينار ليبي الذي كان ينقصه لمغادرة ليبيا بحرا، وتكللت محاولته الثالثة بالنجاح فوجد نفسه على متن سفينة “أوشن فايكينغ”.
ويتذكر المهاجرون الذين نجحوا في الوصول إلى السفينة التي أنقذتهم في المتوسط أعمال التعذيب والتجاوزات وعمليات الخطف في ليبيا.
وأبيل (32 عاما) المتحدر من أبيدجيان عاصمة الكوت ديفوار، يحمد الله الخميس، على وضع سفينة “أس.أو.أس المتوسط” الإنسانية على طريقه بعد الإبحار منذ يومين دون هدف في قارب خشبي مع 66 مهاجراآخر.
وأبيل هو أصلا مصفف شعر، أمضى سنة ونصف السنة “يعمل عامل بناء أو في حراثة الحقول وفي كل شيء يرفض الليبيون القيام به”.
يقول وهو يتناول حصته الغذائية الصباحية إن “المهربين الذين نقلوني (من سواحل ليبيا) قالوا لي إننا سنجد سفينة في طريقنا”. ويضيف “للأسف رصدنا خفر السواحل الليبيون” الذين أوهموا الركاب الساعين لبلوغ أوروبا بأنهم ينقلونهم إلى مقار منظمة غير حكومية.
ويروي “لكن أبواب جهنم فتحت علينا عندما وصلنا إلى اليابسة”. ويضيف “أولا جردونا من كل ما نملك ثم اقتادونا عراة إلى منزل أنشأوا فيه ثماني زنزانات على الأقل يحرسها مسلحون. كنا أربعين شخصا في كل زنزانة في الصباح نحصل على قطعة خبز وفي المساء على كمية صغيرة من المعكرونة. واستمر الوضع على هذه الحالة لشهر ونصف”.
ويذكر “كنا نتعرض للضرب. فور دخول الحارس إلى الزنزانة كان على الجميع الوقوف احتراما وإلا نتعرض للتعنيف”. وفي نهاية المطاف دفعت أسرته “كفالته” بقيمة 350 ألف فرنك (حوالي 530 يورو).
وخلال محاولته الثانية قبل خمسة أشهر، وعد المهرب باستخدام زورق قادر على استيعاب 90 شخصا. وكانوا 158 شخصا بينهم العديد من النساء والأطفال في زورق مطاطي قديم طوله 12 مترا.
وأبحر القارب عند قرابة الساعة الثالثة صباحا. ويقول “على مسافة 200 متر تمزق قاع الزورق لأنه كان مثقوبا. ووجدنا أنفسنا في البحر.. وأنقذت أطفالا”. ويتابع “لكن لو وقع الحادث على بعد كيلومتر إضافي لكنا قضينا غرقا!”. ولأنه رفض دفع مبلغ 1500 دينار إضافي (950 يورو) للانتقال إلى زورق جديد خسر الـ2500 التي كان دفعها.
ويقول أبيل “هذه هي حياة المهاجرين في ليبيا”، وهو لا يؤمن رغم العذابات التي عاناها بـ”أن كل الشعب الليبي شرير”. ويبرز أحد أصابع يده اليسرى المشوه كليا بسبب جلسة تعذيب تعرض لها بعد أن تجرأ وطلب راتبه.
وعبر أبيل الصحراء لبلوغ ليبيا بحثا عن فرصة عمل. ولطالما حلم بعبور البحر بحثا عن “الكرامة”، لأن في هذا البلد الذي يشهد حربا “السود غير مرغوب فيهم”. وفي الأشهر الماضية “فقد الأمل” إلى أن جاء صديق مالي الخميس لقص شعره وأبلغه بأن زورقا سيبحر من ليبيا مساء ذلك اليوم.
ويقول وهو يبتسم اليوم “قلت لنفسي أن الرابط وثيق بين الحياة والموت وأن لا فائدة من دون مخاطرة”. ووضع في حقيبة ظهر صغيرة حمراء اللون غرضا واحدا هو آلة لقص الشعر آملا في أن يجد وظيفة في أوروبا لدى مصفف شعر.
ويؤكد أبيل أنه عندما يصل إلى أوروبا سيسدد مبلغ الـ120 يورو الذي اقترضه من صديقه، سيكون بذلك قد طوى صفحة تجربته الليبية.
ويقول عمران الشاب الباكستاني (30 عاما) وهو أيضا احد الواصلين إلى السفينة، “بالنسبة للسود وضعهم مثلنا لكن البنغاليين والباكستانيين هم الذين يتعرضون لأسوأ معاناة”. ويضيف “كل الباكستانيين الموجودين في الزورق كانوا سجناء خلال فترة بقائهم في ليبيا وتعرضنا جميعا للخطف”.
ويذكر أن معاناته بدأت “منذ وصوله إلى المطار”. ويقول “تم بيعي لشخص قام باحتجازي. كنا 35 إلى أربعين شخصا مكدسين في غرفة واحدة ولا يحق لنا الخروج منها. ثم باعني لشخص آخر قام أيضا باحتجازي. وهكذا الأمر طيلة فترة إقامتي كنت عبدا”.
من جهته يروي نعيم “يطعمونك ما يكفي لتبقى على قيد الحياة”. لكنه نجح “في الفرار” و”أخطأ” عندما ذهب إلى الشرطة. ويضيف “أعادتني الشرطة إلى الخاطفين وكان الأمر أسوأ من ذي قبل. لم أجد شخصا واحدا ساعدنا في ليبيا. لم أتعرف على شخص واحد رحيم في كل البلاد”.
محمد أرشاد، وهو يجلس بلباسه التقليدي، يقول إنه أمضى عامين في مدينة الخمس، ثم يشرح آلية طلب الفدية، “يأتون ضمن مجموعة ويمكنهم العثور عليك في أي مكان، في مركز العمل أو في الشارع”. ويتابع “يعصبون عينيك ويضربونك ويتصلون بذويك ويقولون لهم: إذا لم تدفعوا فدية سنقتله”، موضحا أن والده اضطر إلى اقتراض عشرة آلاف دولار من أقاربه وهذا المبلغ ثروة في باكستان.
بعد السودانيين شكل البنغاليون ثاني جنسية للمهاجرين عبر البحر لكن باكستان غير واردة بين الدول العشر الأولى
يقول الشاب أرسلان أحمد (24 عاما) من تحت كمامته “في حال لم نتمكن من جمع المبلغ المطلوب نتعرض للضرب بأعقاب البنادق. وأيضا للصعق الكهربائي أو للتجويع لعدة أيام وإذا أردنا أن نشرب فمن مياه المراحيض”. ويتابع “أعمال التعذيب والمعاناة التي تعرضت لها هي أمور أعجز عن وصفها”.
ومغادرة الباكستانيين لليبيا بهذه الأعداد أمر غير معهود. بعد السودانيين يشكل البنغاليون ثاني جنسية للمهاجرين الذين يحاولون الهروب بحرا لكن باكستان غير واردة بين الدول العشر الأولى بحسب تعداد المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ولم يمض على وصول أرسلان أحمد سبعة أو ثمانية أشهر إلى ليبيا عندما قرر من جديد المخاطرة والمغادرة بحرا من زوارة. ويقول بصوت خافت بعد صمت طويل “في المتوسط نموت مرة واحدة، أما في ليبيا فنموت كل يوم”. ويقولون إنهم فضلوا دفع مبلغ ألفي دولار “كحد أقصى” للخروج من ليبيا.
ويقول نعيم “قررنا الهرب بحرا رغم معرفتنا للمخاطر. لقد رأينا الموت عن كثب. لكن نجازف بعبور ونفضل الموت غرقا على البقاء في ليبيا”. وهو مقتنع بأن “أوشن فايكينغ” ستؤمن له “حياة جديدة” في أوروبا. ويقول مدثر غالب (40 عاما) “إنه أجمل يوم في حياتي”.
ويطلبون جميعا ضمانات بألا تعود السفينة إلى ليبيا. فبعد أن شعروا بارتياح بدأوا يحلمون بحياة جديدة أفضل في مالطا أو إيطاليا أو فرنسا. ويضيف عمران “في الواقع ليس مهمّا إلى أين سنذهب.. لأنني واثق من أننا في بلدانكم الأوروبية لن نتعرض للتعذيب”.