الوجه الآخر لـ"عمّي تبون".. رئيس يئد مطالبات الناس بالتغيير ويتطلع أن يكون قريبا منهم

الجزائر - تمكّن عبدالمجيد تبون، المرشح الأوفر حظا للفوز بالرئاسة الجزائرية في 7 سبتمبر، من تغيير صورته كأحد وجوه النظام إلى رئيس بوجه أبوي بالنسبة إلى الكثير من الجزائريين، لكن سجله في مجال الحريات يتعرّض لانتقادات كثيرة.
ويعدّ تبون (78 عاما) أوّل رئيس جزائري من خارج صفوف جيش التحرير الوطني الذي قاد حرب الاستقلال ضد المستعمر الفرنسي (1954 – 1962)، وتمّ انتخابه يوم 12 ديسمبر 2019 في اقتراع سجّل نسبة مقاطعة كبيرة ووسط الحراك الشعبي المطالب بإسقاط النظام بعد أن نجح في إسقاط الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وحاول تبّون استيعاب عداء المتظاهرين في الحراك الشعبي المؤيد للديمقراطية، مؤكدا أنه يسير على خطى “الحراك المبارك”، وشاكرا الشعب على إنقاذ البلاد من الانهيار الذي كانت ستمثله ولاية خامسة لبوتفليقة الذي توفي في سبتمبر 2021. وأصدر في بداية ولايته عفوا عن العشرات من سجناء الرأي. ويعتبر تبون أحد الخريجين الأوفياء لمنظومة السلطة التي تدير البلاد، حيث عاصر أغلب رؤساء الدولة.
بالاعتماد على ارتفاع أسعار الغاز، وعد تبون برفع الرواتب ومعاشات التقاعد ومنح البطالة، في مواجهة مطالب تحسين القدرة الشرائية
وشكل انتخابه نهاية العام 2019 بداية الهجوم المضاد الذي شنته السلطة ضد احتجاجات الحراك الشعبي، وخلال عهده تم حظر المظاهرات التي نظمها الحراك، كما تم تكثيف ملاحقات النشطاء المعارضين والصحافيين والأكاديميين، مستفيدا من القيود المفروضة على التجمّعات خلال جائحة كوفيد.
وبعد خمس سنوات على رأس البلاد، يصف مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف الجزائري حسني عبيدي حكم تبون بأنه “يعاني من نقص في الديمقراطية”، معتبرا أن هذا مؤشر ضعف للمستقبل.
وفي شهر فبراير الماضي قالت منظمة العفو الدولية “بعد مرور خمس سنوات على اندلاع الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، لا تزال السلطات الجزائرية تقيد الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي”.
وأوضحت المنظمة في تقرير يستند إلى شهادات معتقلين وعائلات ومحامين أن “السلطات الجزائرية صعّدت قمعها للمعارضة السلمية” منذ أن قضت على احتجاجات الحراك في أوائل العام 2020.
وقالت مديرة المنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هبة مرايف “إنها لمأساة أنه بعد خمس سنوات من نزول الجزائريين الشجعان إلى الشوارع بأعداد كبيرة للمطالبة بالتغيير السياسي وبإصلاحات، تواصل السلطات شن حملة قمع مروّعة، وأن مئات الأشخاص اعتقلوا بشكل تعسّفي”، مضيفة أن “صحافيين وناشطين مازالوا خلف القضبان”.
ويقول أندرو جي فاراند، وهو زميل أول غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط، “خلال السنوات الخمس التي قضاها كرئيس، بنى تبون إرثا متقلبا”.
"عمّي تبّون"
عندما وصل إلى السلطة وصف متظاهرون تبّون بأنه “رئيس مزوّر جاء به العسكر”، لكن مع مرور السنوات استطاع أن يكسب قلوب الكثير من الجزائريين ويغيّر صورته.
وحاول التقرّب من الشعب. وخلال مقابلة نشرت في نهاية مارس الماضي عبّر عن افتخاره بلقب يطلق عليه وهو “عمّي تبون”. كما أراد أن يظهر استقلاله عن الأحزاب التي فقدت مصداقيتها بعد دعمها اللّامشروط لبوتفليقة خلال ولاياته الأربع. ويرى عبيدي أن “الرئاسة تحوّلت من مؤسسة وهمية إلى مركز للسلطة الحقيقية”، بل أصبحت “الحَكَم وقطب وساطة بين كل الأطراف في السلطة”.
وتبون هو أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، ويصطحب في عدد كبير من تحركاته ونشاطاته قائد الأركان الفريق أول سعيد شنقريحة، وهو يعتبر أن الجيش الذي دعم سقوط بوتفليقة “هو العمود الفقري للدولة”.
وفي يناير الماضي دعا شنقريحة إلى الالتفاف حول مشروع “الجزائر الجديدة”، الذي يتبناه الرئيس عبدالمجيد تبون، وذلك في إشارة ثانية من الجيش في بداية العام الرئاسي تلمّح إلى دعم استمرار الرئيس لعهدة ثانية.
وأشاد شنقريحة في كلمة له من الناحية العسكرية الثانية بوهران غربي البلاد بما وصفه بـ”الخطوات العملاقة التي قطعتها الجزائر خلال السنوات الماضية”، داعيا “كافة الوطنيين المخلصين للالتفاف حول المشروع النهضوي للجزائر الجديدة”، وفق ما أورده بيان لوزارة الدفاع الجزائرية.
وأضاف الفريق أول “لإفشال كافة المحاولات المعادية التي تستهدف أمن واستقرار بلادنا، يتعين على كافة الوطنيين المخلصين بذل قصارى الجهود والحرص على تضافرها والالتفاف حول المشروع النهضوي للجزائر الجديدة الذي يقوده، بكل جد ومثابرة وعزيمة راسخة، عبدالمجيد تبون، رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، الذي بين بالأرقام في خطابه المرجعي والتاريخي أمام نواب غرفتي البرلمان، الخطوات العملاقة التي قطعتها بلادنا في السنوات الأربع الماضية على مسار التطور والتنمية”. وتابع “نحن في الجيش الوطني الشعبي واثقون كل الثقة من نجاح هذا المسعى الوطني المخلص الخادم للوطن والمواطن”. الحصيلة
من جهة أخرى يركّز تبّون على التحسن الاجتماعي والاقتصادي الذي حصل خلال حكمه. ويجوب البلاد منذ شهور لإبراز دوره في انتعاش “ثالث أكبر اقتصاد في أفريقيا” بعد “عقد من حكم العصابة”، في إشارة الى بوتفليقة ومحيطه.
وبالاعتماد على المداخيل غير المتوقعة في الموازنة بسبب ارتفاع أسعار الغاز منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير2022، وعد الرئيس المنتهية ولايته برفع الرواتب ومعاشات التقاعد ومنح البطالة، في مواجهة مطالب الطبقة الوسطى بتحسين قدرتها الشرائية.
وتخرّج عبدالمجيد تبون من المدرسة الوطنية للإدارة سنة 1965، وشغل منصب والٍ (محافظ) مرات عدّة خلال الثمانينات، وهو يعتمد في تسيير البلد أكثر على خبرته الطويلة في مختلف مراكز السلطة ومعرفته الجيدة بأجهزتها. وشغل لفترة وجيزة منصب وزير منتدب للجماعات المحلية في عام 1991 في ظل رئاسة الشاذلي بن جديد، قبل أن يختفي عن الساحة السياسية.
وأخرجه بوتفليقة بعد انتخابه في العام 1999 من عزلته وعيّنه وزيرا بحقائب مختلفة حتى العام 2002. وبدأت عشر سنوات أخرى من العزلة حتى عودته في 2012 إلى الحكومة، ثم أصبح رئيسا للوزراء عام 2017. لكنه أقيل بعد ثلاثة أشهر بعد تهجمه على رجال الأعمال الذين يدورون في فلك الرئيس ويستحوذون على كل الصفقات الحكومية، وأغلبهم اليوم موجودون في السجن بتهم فساد تتعلق بهذه الصفقات.
وتخلّى الرئيس التاسع للجزائر، الأب لثلاثة أولاد وبنتين، عن التدخين بعد إصابته بفايروس كورونا في أكتوبر 2020 ونقله للعلاج في مستشفى بألمانيا، حيث خضع لعملية جراحية في قدمه اليمنى في يناير. ويدخل عبدالمجيد تبون انتخابات السبت بثوب الفائز بولاية ثانية من خمس سنوات في مقابل المرشح الإسلامي عبدالعالي حساني شريف والمرشّح الاشتراكي يوسف أوشيش.

وتم استقطاب كل مؤسسة وطنية ذات أهمية واستغلالها كذراع لحملة تبون، بما في ذلك جبهة التحرير الوطني الحاكمة السابقة والأحزاب المتحالفة معها، والمنظمات الوطنية للنساء والمحاربين القدامى، والمجالس الوطنية للشباب والمجتمع المدني التي أنشأها تبون. ورغم إعلانه دخوله السباق الرئاسي كـ”مترشح حرّ”، إلا أنه يلقى دعم الأحزاب الرئيسية في البرلمان، من بينها حزب جبهة التحرير الوطني.
وعلى صعيد السياسة الخارجية فشل تبون في الاستفادة من الشعبية الجديدة التي اكتسبتها الجزائر لتعزيز أولويات السياسة الخارجية الرئيسية؛ الحصول على القبول في تحالف بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) في عام 2023، وحماية الفلسطينيين من العدوان الإسرائيلي، والدفاع عن الصحراويين، والحفاظ على مجال نفوذ الجزائر في منطقة الساحل.
ويقدم سجل تبون الكثير من الأسباب التي قد تجعل الجزائريين يرغبون في التصويت لإبعاده عن منصبه. لكن هذه الانتخابات لا تقدم سوى القليل من الأمل في تحول السلطة.