الوباء يعيد لثورة الغرافيتي مجدها في الطرقات

الغرافيتي يعود من جديد في متاجر وشوارع المدينة التي لا تنام جراء تداعيات الوباء الاقتصادية.
الأربعاء 2020/12/30
لا خطوط حمراء مع فن الغرافيتي

نيويورك - لطالما كان فن الغرافيتي جزءا من تاريخ نيويورك منذ أكثر من 50 عاما، غير أنه صار في ظلّ تفشي الوباء ينتشر في المدينة أكثر من أيّ وقت مضى، في ما يراه البعض مؤشّرا على الانحطاط وينظر إليه آخرون على أنه سمة من سمات الحيوية.

عند حلول الليل، يلقي رسّام الغرافيتي ساينوسليب نظرة سريعة على محيط متجر للسلع الفاخرة أغلق بعد تعرّضه للنهب على هامش التظاهرات التي اندلعت على خلفية مقتل جورج فلويد.

ويقول الفنان الأربعيني الذي يسترزق من فنّه لكن تحت اسم مستعار “لم نشهد أبدا فترة كهذه”.

وتشكّل واجهات المئات من المتاجر التي أغلقت أبوابها نهائيا جرّاء تداعيات الوباء الاقتصادية “دعوة” إلى الفنّانين، على حدّ قول ماري فلاجول القيّمة على متحف فنون الشارع في نيويورك (موسا). والأمر نفسه ينطبق على الجدران والشوارع والأرصفة التي تمثّل كلّها ركائز لهذه الرسوم، وصولا إلى عربات قطار الأنفاق التي طُليت 34 منها منذ مطلع ديسمبر. ويقول ساينوسليب “إنها نهضة الغرافيتي”.

وقد انتقلت الرسوم الجدارية من الشارع إلى صالات العرض اعتبارا من ثمانينات القرن الماضي وشهدت انتشارا واسعا في مطلع الألفية في سياق فنون الشارع التي لم تعد في أغلب الأحيان تقتصر على مخالفات قانونية وباتت تزدهر في أماكن مرخّص لها.

لكن منذ مارس، بدأت تنتشر هذه الرسوم الجدارية التي كانت مضبوطة حتّى فترة حديثة بشكل عشوائي في نيويورك.

ويقول ساينوسليب إن “الناس يريدون الإعراب عما يختلج في صدورهم”، مشيرا إلى أنه رأى أشخاصا في السبعينات من العمر يمارسون هذا النشاط، “فقد استولى عليهم الملل ويريدون ما يشغلهم”.

وقد أدّى تنامي حركة “بلاك لايفز ماتر” (حياة السود مهمّة) دورا في ازدهار الغرافيتي، مع كتابة شعاراتها ومطالبها على الجدران.

تنامي حركة "بلاك لايفز ماتر" (حياة السود مهمّة) أدّى دورا في ازدهار الغرافيتي، مع كتابة شعاراتها ومطالبها على الجدران

وفي مدينة لم تعد شوارعها تنبض بالحياة وغابت عنها مظاهر الحياة الاجتماعية، يشكّل الغرافيتي “وسيلة للتأكيد على الوجود في ظلّ الانطباع السائد بأن نيويورك قد ماتت”، بحسب قول فلاجول.

غير أن هذا الزخم الإبداعي لا يلقى استحسان الجميع. ففي يوليو، انتقد حاكم ولاية نيويورك أندرو كوومو ما وصفه بتقاعس رئيس بلدية المدينة بيل دي بلازيو، معتبرا أنه “مؤشّر إضافي على تدهور” ظروف العيش في نيويورك في ظلّ ارتفاع الجرائم وعمليات إطلاق النار.

وما زاد من حدّة الانتقادات تعليق برنامج “غرافيتي – فري نيويورك سيتي” الذي سمح بتنظيف نحو 15 ألف موقع في 2019، لأسباب مالية في مارس.

وتقول دارسي ويبير التي انتقلت مؤخرا للعيش في نيويورك “إنها حقّا قذرة. يقول البعض إنه فنّ، لكن هل هو مجاز؟ لا، لذا، هي أعمال تخريب”.

ويرى البعض أن الغرافيتي يعود بالذاكرة إلى السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عندما كانت المدينة تئن تحت وطأة الجرائم والصعوبات المالية.

ويلفت ساينوسليب إلى “العدد المتدنّي لرجال الشرطة في الشوارع”.

وتؤكّد شرطة نيويورك من جهتها في تصريحات صحافية أنها “تدرك ضرورة التعامل مع الجنح المتعلّقة برسوم الغرافيتي”، مع الإشارة إلى أن عدد الحوادث المرتبط بهذه الممارسات قد انخفض بنسبة 17 في المئة مقارنة بالعام الماضي.

ونفس الشيء في هيئة المواصلات في نيويورك (أم تي إيه) حيث كشفت الإدارة عن تراجع في الحوادث ذات الصلة بنسبة 35 في المئة.

ويقول ساينوسليب “منذ بداية الحجر الصحي، رصدتني الشرطة عدة مرّات، لكن لم يوقفني أحد”.

وفي تسجيل مصوّر نشر في مطلع نوفمبر، قال إريك آدمز رئيس بروكلين إنها ممارسات “تشوّه حيّنا وتكلّف أصحاب العقارات الآلاف من الدولارات لإزالتها”. ويلفت كين لوفيت مستشار المدير التنفيذي في هيئة المواصلات إلى أن الغرافيتي يستنزف موارد قيّمة “في وقت تواجه فيه الهيئة أسوأ أزمة مالية في تاريخها”.

ويقول برايس غراهام الذي يقطن حيّ تشيلسي  “كنت لأستغرب الأمر في مدينة أخرى، مثل أوتاوا في كندا حيث تعمّ النظافة، لكن ليس في نيويورك”.

6