الواقع السياسي في العراق.. من يفكّ شفرته

لن يكون العراق بعيدا عن سيناريوهات المنطقة التي تغلي على صفيح ساخن بعد أن دخل مجبرا في صراع إقليمي قد يطيح بنظامه السياسي، وذلك هو الجهل السياسي المطبق.
الخميس 2024/09/26
هل اقترب حلم الولاية الثانية أم ابتعد

خلف كواليس السياسة ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق، تُبرهن الوقائع السلطوية ذات التكرار الممل أن المنظومة السياسية ليست على نسق واحد، وإنما فرق مشتتة، كل منها ينظر إلى الآخر بعين الارتياب والاهتمام بمصالحه التي تتقدم حتى على مصالح الشعب. والمفارقة في هذه اللعبة أن الطائفة والمكون الواحد لم يعودا يجمعان المتحالفين.

تعدد الزعماء ورغبة كل منهم في الوصول إلى رأس السلطة التي توزعت حسب نظام المحاصصة يجعلان من الصعب التوافق على السعي للوصول إلى تنظيم سياسي مستقر. يتقدمهم في التشظّي الإطار التنسيقي الحاكم، الذي يبدو أنه سيكون آخر نسخة للتحالف الشيعي لخوض الانتخابات، بعد أن أفرزت أولى تلك الأزمات والصراع على الحكومات المحلية في ديالى وكركوك واستمرار أزمة اختيار رئيس البرلمان خليطاً من التوجهات غير المتجانسة التي تزيد من حدة التوحش على السلطة.

◄ مصادر تتحدث عن أن الهزات السياسية كان الأقرب إلى نتائجها هو إقالة الحكومة، لكن ما كان يخفف الأثر هو أن الإقالة ستزيد من المأزق السياسي، خصوصا مع خلو منصب رئيس البرلمان

قد تكون العبرة بالحديث عن ذلك التحالف الذي سجّل مفاجأة من العيار الثقيل في عالم السياسة المضطرب بالعراق حين دشّن محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق، تحالفا مع بافل طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، وقيس الخزعلي، أمين عام حركة عصائب أهل الحق، وريان الكلداني، رئيس حركة بابليون، وهو التحالف الذي بات يُعرف بمحور الشباب، ما اعتبرته بعض المصادر محاولة من قبَل الحلبوسي للتقرب من الطرف الحليف لإيران بهدف العودة إلى منصب رئيس البرلمان مرة أخرى.

ويبدو أن تلك القوى بدأت تشعر بخطر قادم، خصوصا مع صعود اسم جديد لم يكن يُحسب له حساب على الساحة السياسية الشيعية، وهو رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، محاطا بمجموعة من الشخصيات السياسية التي انسلخت عن الإطار التنسيقي بحثاً عن عالم جديد في الخارطة السياسية.

خطيئة الإطار التنسيقي أنه لم يحسب حسابا لرغبة السوداني في ولاية ثانية، ونسي أو تناسى أن يقيّده بشروط تمنعه من الترشح حين اعتقد أنه سيكون مثل سابقه مصطفى الكاظمي، الذي كان ورقة مرور آمن للسلطة إلى بر الأمان في أحداث أكتوبر 2019.

تحديات المرحلة، التي كانت حواجز لاختبار عبور السوداني إلى بر الأمان، كانت مثالاً صارخا على أن البيئة الملوثة يصعب أن تنبت فيها شجرة مثمرة. لذلك كانت سرقة القرن الامتحان الأول الذي أظهر ضعف السلطة التنفيذية في مواجهة نفوذ حيتان الفساد.

لم تكن هذه هي الصدمة الوحيدة في عمر الحكومة، فقد تبعتها هزات متتالية أحدثت شرخا بين الشركاء، كانت منها قضية التجسس في مكتب رئيس الوزراء على شخصيات سياسية وبرلمانية نافذة، مازال التحقيق يكشف المزيد من أسرارها تباعا. وآخرها قضية اتهام رئيس هيئة النزاهة بالرشوة والتربّح من الوظيفة في صورة محترقة نتيجة الخصام بين الشركاء السياسيين، أو ضحية من ضحايا النظام السياسي الذي يلتهم كبيره الصغير.

◄ تعدد الزعماء ورغبة كل منهم في الوصول إلى رأس السلطة التي توزعت حسب نظام المحاصصة يجعلان من الصعب التوافق على السعي للوصول إلى تنظيم سياسي مستقر

هل اقترب حلم الولاية الثانية للسوداني أم ابتعد؟

تتحدث مصادر عن أن تلك الهزات السياسية كان الأقرب إلى نتائجها هو إقالة الحكومة، لكن ما كان يخفف الأثر هو أن الإقالة ستزيد من المأزق السياسي، خصوصا مع خلو منصب رئيس البرلمان يضاف إليه إفراغ منصب رئيس الحكومة، ما يضع العراق في حرج سياسي قد لا يجعله يستطيع الخروج من ذلك النفق المغلق. وهي من الضرورات التي دعت قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني إلى القيام بزيارة خاطفة إلى العراق لترطيب الأجواء ومنع الإقالة ومعها العملية السياسية. لذلك تم الاتفاق على تطويق الأزمة إلى حين الوصول إلى الانتخابات البرلمانية أو انتخابات مبكرة كما تطالب بذلك بعض القوى السياسية للتخلص من هذا المأزق السياسي ولتحييد طموح السوداني إلى ولاية ثانية. يتقدمهم في مطلب الانتخابات المبكرة نوري المالكي، الذي تعتبره بعض المصادر مغازلة للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر للدخول في تحالف واحد، وهي فكرة قد تدخل من باب “الأحلام” أو الصعبة في عقد مثل تلك التحالفات بين متضادين.

لن يكون العراق بعيدا عن سيناريوهات المنطقة التي تغلي على صفيح ساخن، ما يجعل هذا البلد كالأواني المستطرقة في التأثير السياسي، بمعنى أن استقراره يعتمد على نسب ازدياد أو انخفاض التوتر في المنطقة، وهو ما يجبر العراق على الدخول في صراع إقليمي قد يطيح بنظامه السياسي، وذلك هو الجهل السياسي.

9