الهوة ما زالت عميقة بين الرأي العام والطبقة السياسية في لبنان

حزب الله عقبة أساسية تحول دون تشكيل حكومة تحظى برضا اللبنانيين.
الثلاثاء 2019/11/19
واقع غير مرئي لدى السياسيين

بيروت - أعاد انسحاب الوزير الأسبق محمد الصفدي من بورصة الأسماء المرشحة لتأليف الحكومة المقبلة المشاورات والأزمة الحكومية إلى المربع الأول، وسط حديث عن احتمال إعلان الرئيس اللبناني ميشال عون موعد الاستشارات النيابية كإجراء لإعادة تسمية سعد الحريري وتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة.

وكشف سعي الحراك الشعبي لمنع انعقاد جلسة مجلس النواب عن عمق الهوة التي تفصل الرأي العام اللبناني عن كل طبقته السياسية والبرلمانية؛ فما يبدو أن الطبقة السياسية برمتها تتخبّط في أزمة استحالة القبول برئيس وزراء وبحكومة لا تحاكي الواقع الراهن للبلد، وأن الخيارات تضيق أمام حزب الله في حال لم يقرر قلب الطاولة والسيطرة على الوضع الحكومي مباشرة.

يسعى حزب الله إلى إقناع رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري بتشكيل الحكومة المقبلة بصفته المخرج الوحيد الذي بإمكانه أن يتيح مرحلة انتقالية لا تحدث انقلابا على الواقع السياسي الذي يهيمن عليه حزب الله، وبصفة الحريري الشخصية المقبولة عربيا ودوليا والقادرة على تأمين شرعية حكومية للحزب نفسه في مواجهة الضغوط الخارجية الحالية والمقبلة.

ولا يريد حزب الله الذهاب إلى حكومة اللون الواحد التي تجمعه مع حلفائه برئاسة إحدى الشخصيات السياسية السنية الموالية له، وذلك لأن حكومة من هذا النوع، تضع البلد في مواجهة المجتمع الدولي، ناهيك عن أن كل مصادر التمويل العربية والدولية المرشحة لدعم لبنان في محنته الحالية، ستمتنع تماما عن توفير أي دعم لحكومة تابعة لإيران.

فشل تمرير خيار الصفدي حصّن الحريري بمزيد من الدفاعات التي أعادت تعويمه بصفته الخيار الأفضل والوحيد لهذه المهمة، كما زادت إصراره على تشكيل حكومة تكنوقراط

ونقل عن مصادر دبلوماسية في بيروت أن حزب الله قد تبلّغ من الموفد الفرنسي مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو أثناء زيارته الأخيرة إلى لبنان، مزجا أوروبيا دوليا بشأن ضرورة تشكيل حكومة ذات مصداقية وبأسرع وقت لإنقاذ البلد من كارثة اقتصادية كبرى، وأن الاتحاد الأوروبي ما زال داعما للبنان وغير نافر من وجود الحزب داخل مؤسسات الحكم فيه.

وكشفت المصادر أن الموفد الفرنسي أوحى للمسؤولين الذين التقاهم في لبنان أن الدول المانحة، وخصوصا تلك التي تعهدت بتقديم الدعم المالي للبلد وفق برنامج مؤتمر سيدر، باتت حذرة في التعامل مع لبنان، وأنها ستتراجع عن دعمه إذا تحول إلى دولة فاشلة، وأن المزاج الخارجي، وليس الأميركي فقط، بات يعتبر حزب الله عقبة أساسية تحول دون تشكيل حكومة تحظى برضا اللبنانيين قبل رضا المجتمع الدولي.

وأضافت أن حزب الله يسعى للبناء على هذا المعطى للدفع باتجاه تسمية الحريري من جديد لتأليف الحكومة. وقالت إن الحزب يستغرب رفض الحريري تشكيل حكومة تكنوسياسية كما رفضه ما قبل به الحزب من أن يكون الحضور السياسي داخل تلك الحكومة محدودا مقارنة بحضور التكنوقراط. ويشتبه حزب الله في أن تمسك الحريري في أن تكون حكومته خالية من أي وزراء سياسيين نابع من ضغوط أميركية في هذا الشأن تتناقض مع الأجواء الأوروبية، التي فهمت من الموفد الفرنسي، هدفها إخراج حزب الله من العمل الحكومي.

وكانت بعض الأجواء في العاصمة الفرنسية باريس قد حذرت، واستنادا على معطيات الموفد الفرنسي إلى لبنان، من ذهاب لبنان باتجاه الكارثة، خصوصا أن الإجراءات التي أعلنها النظام المصرفي اللبناني بخصوص قيود حركة الكتلة النقدية كما سقف السحب من البنوك، يكشف عن توجس لدى البنوك اللبنانية لم يستطع المؤتمر الصحافي الأخير لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة تبديده.

ويرى مراقبون أن إصرار الحريري على موقفه من مسألة أن تكون الحكومة التي سيشكلها من التكنوقراط حصرا كشرط لقبوله بالمهمة نابع من تجاربه السابقة مع الحكومات السياسية وطابعها البنيوي المعطل والمعرقل لأي إنجاز عملي. وأضافوا أن فشل تمرير خيار الصفدي حصّن الحريري بمزيد من الدفاعات التي أعادت تعويمه بصفته الخيار الأفضل والوحيد لهذه المهمة، كما زادت إصراره على تشكيل حكومة تكنوقراط، خصوصا أن هذه الصيغة هي الكلمة السحرية التي قد يمكن أن تهدّئ الشارع اللبناني المنتفض منذ أكثر من شهر.

Thumbnail

وترجّح مصادر دبلوماسية أن يكون موقف الحريري مستندا على معطيات جدية من قبل الدائرتين العربية والدولية الداعمتين لشخصه كمدخل من مداخل حل الأزمة الراهنة. ولا شكّ في أن وعود الدعم المالي الخليجي، لاسيما السعودي والإماراتي، باتت رهن تغير المشهد الحكومي اللبناني، وعلى نحو حقيقي واقعي يقنع المانحين بأن قرار بيروت ليس في طهران.

وتنتظر عواصم المنطقة تحولا مقنعا في لبنان قبل الموافقة على ضخ سيولة نقدية إلى داخل البلد، وستتّسق المعايير التي ستعتمدها الدول الخليجية هذه المرة مع المعايير التي تصدرها المؤسسات المالية الدولية ومع المزاج الدولي العام في التعامل مع لبنان.

ولفت المراقبون إلى موقف صيني بدا وكأنه رد على تلويح أمين عام حزب الله حسن نصرالله بالبديل الصيني كداعم لاقتصاد لبنان. وقال المدير العام لإدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا في دائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني تشينغ جيان وي “سنكون دائما أصدقاء وشركاء لدول الشرق الأوسط (…) لكن ليست لدينا النية أن نكون بديلا عن الولايات المتحدة في لبنان، وليست لدينا القدرة على ذلك”.

وفي خضم هذا المخاض الداخلي، يراقب حزب الله بقلق “انتفاضة البنزين” في إيران ويتابع بارتباك الانتفاضة الشعبية في العراق وبات مقتنعا أن من مصلحته القبول بحلول لبنانية ذاتية تعزل البلد عن تبعات ما يجري في العراق وإيران.

7