الهدنة تلوح في الأفق

الجميع في ترقب لما ستسفر عنه الجولة الجديدة من المفاوضات بين حماس وإسرائيل في القاهرة والتي تعلق عليها الآمال في التوصل إلى هدنة قبل شهر رمضان، وفيما تلوح المؤشرات الإيجابية في الأفق مع وجود ضغط تمارسه واشنطن على بنيامين نتنياهو من جهة، يتزامن معه ضغط من الدوحة على قادة حماس من جهة أخرى، لذا يمكن القول إن قطاع غزة يقترب من الخروج من عنق الزجاجة.
قادة حماس في الخارج أيقنوا مع مرور الأيام والأشهر بأن الأمور في داخل قطاع غزة قد خرجت عن السيطرة تماما، وأن طوفان الأقصى ارتد بنتائج عكسية وسيناريوهات أخطر قد يسجلها التاريخ على الحركة، وأن حرب الشوارع مهما حصدت من دبابات وفرملت تقدم جيش الاحتلال بريا وعدلت خططه، لن تجبر إسرائيل على التراجع مادامت تملك القدرة على السيطرة على الأرض بسلاح الجو وتملك القدرة على الاستمرار بتفويض وفيتو أميركي يعارض كل من يدعو إلى وقف الحرب، وأن الدور الإيراني في هذه الحرب كان أقل بكثير من سقف التوقعات، وأن مناوشات حزب الله الحدودية لا يمكن أن تتحول إلى حرب تفك الخناق عن غزة، وأن أعداد الشهداء فاقت بكثير أعداد الأسرى في السجون الإسرائيلية، وأن تحرير كل أسير يقابله مقتل شخص في غزة.
◙ قادة حماس في الخارج أيقنوا مع مرور الأيام والأشهر بأن الأمور في داخل قطاع غزة قد خرجت عن السيطرة تماما، وأن طوفان الأقصى ارتد بنتائج عكسية وسيناريوهات أخطر قد يسجلها التاريخ على الحركة
أيضا نتنياهو أيقن أن الصبر الأميركي قد نفد، وأن المهلة التي قدمتها إدارة بايدن لحسم الحرب قد انتهت، وأن استمرار الحرب يشوش على الرأي العام الأميركي في خضم معركة انتخابية بدأت قبل وقتها بكثير، وأن الفيتو الأميركي قد يغيب وتكون تداعيات ذلك أخطر مرتين من تداعيات طوفان الأقصى، وهو ما ستستغله المعارضة للقضاء عليه بما أنه سيصبح ضعيفا داخليا وخارجيا. أيضا يدرك نتنياهو بأن رأس الأفعى موجود في طهران وليس تحت أنفاق غزة، وأن مسألة القضاء على أيديولوجيا أشبه بمن يركض وراء سراب، لذلك فالأجدر أن يتجه إلى هدنة تكون مقدمة لنهاية حرب.
بعد اتفاق الهدنة سيسوق نتنياهو لنجاحه في استعادة الأسرى رغم الثمن الباهظ الذي تكبدته إسرائيل، وسيسوق لنجاحه في جعل ذكرى 7 أكتوبر يوما أسود في تاريخ الفلسطينيين بدل أن يكون يوما للنصر، بينما ستسوق حماس لنصرها المبين على الاحتلال وعلى نجاحها في تغيير معادلة الصراع وستجعل من يوم 7 أكتوبر يوما وطنيا شأنه شأن يوم القدس العالمي أو مهرجان “درع القدس”. حتى إيران وحزب الله والحوثيون سيسوقون لفوزهم ولإخضاعهم للعدو، لكن سيبقى الخاسر الأكبر هم سكان غزة وستستمر معاناتهم إلى ما بعد الهدنة والحرب بعد أن يسمح لهم بالعودة من خيامهم إلى ديارهم فلا يجدون مكانا للعودة ولا للعيش.
إظهار المرونة في المفاوضات من جانب حماس يعني أن يحيى السنوار ومن معه من القيادات التي تدير المعركة في غزة، قد وافقوا على أن يكونوا جزءا من التفاهمات الكبرى التي ستحدث وتفضي بانتقال الهدنة إلى مرحلة الاتفاق النهائي لوقف الحرب، لكن هل سيوافق السنوار على مقترح الممر الآمن الذي يعني خروجه من قطاع غزة كما خرج ياسر عرفات من بيروت عام 1982؟
من السابق لأوانه الحديث عن مستقبل غزة وعن شكل ومضمون الحكومة التي ستتولى ضبط الأمور، لكن ثمة إيحاءات تشير إلى أن السلطة الفلسطينية قد بدأت فعليا في الاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب، وأن لقاء موسكو ما بين الفصائل الفلسطينية قد يكون آخر فرصة لحماس لضمان بقائها في المشهد السياسي الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما سيمكنها من الانسحاب من حكم غزة بحفظ ماء الوجه بدل أن يقال إنها هزمت.