الهدايا العسكرية والمساعدات الطبية طريقة أردوغان الناعمة لخطب ود الدول الأفريقية

التقارب مع البلدان الأفريقية يمنح تركيا نفوذا في أجزاء أخرى من العالم.
الثلاثاء 2021/12/28
أفريقيا بوابة نفوذ واسع لأردوغان

استغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التباين العالمي في توزيع اللقاحات ليكون أحدث مدخل له نحو أفريقيا التي يشق طريقه إليها منذ سنوات مقدما الهدايا العسكرية والمساعدات، وها هو اليوم يقدم معونات طبية في ظل الأزمة الصحية العالمية ويدعو إلى تمثيل أفريقي دائم في مجلس الأمن بهدف تعزيز علاقاته مع قادة دول العمق الأفريقي لتكون داعمة له في تحركاته على مختلف الأصعدة.

تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن اللقاحات في تجمع تاريخي للقادة الأفارقة في إسطنبول خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، حيث نعت التباين في توفير اللقاحات بين الدول الغربية والدول الأفريقية بـ”الظلم العالمي”.

وقال في معرض حديثه “إنه لأمر مخز… فلم يتم تطعيم سوى 6 في المئة فقط من سكان أفريقيا”. وذكر أن تركيا ستشارك الدول الأفريقية 15 مليون جرعة من اللقاحات.

إن التباين العالمي في الوصول إلى اللقاحات هو في الواقع ظلم يجعل من عالمنا مكاناً أقل أمناً، كما هو واضح من ظهور المتغيرات الجديدة، وحالف الرئيس التركي الصواب في كلمته تلك، وكان أيضًا -كما هو الحال في أغلب الأحيان- يضيف بعض النقاط السياسية إلى رصيده، لأنه لم يدْع 16 رئيس دولة أفريقية إلى إسطنبول لمجرد تعزيز العلاقات الاقتصادية، بل دعاهم ليثبت من خلال العروض العسكرية والطبية أن أفريقيا ليس لها صديق أهم من تركيا في شمال البحر المتوسط.

وقد كان اهتمام أردوغان بالقارة الأفريقية واضحا منذ مدة طويلة، كما تجلى ذلك منذ مسكه بزمام السلطة؛ فعندما أصبح رئيسًا للوزراء لأول مرة في عام 2003 كانت لتركيا 12 سفارة في جميع أنحاء القارة، معظمها في الدول العربية، واليوم عدد السفارات التركية في قارة أفريقيا هو 43 سفارة، وارتفع مستوى التبادل التجاري أيضًا من أقل من 6 مليارات دولار عندما كان أردوغان رئيسًا للوزراء إلى 26 مليار دولار اليوم.

وفي السنوات القليلة الأولى من الاهتمام التركي بقارة أفريقيا كان تركيز تركيا على البلدان الأفريقية المسلمة التي تجاهلتها بقية دول العالم، مثل السودان والصومال، وعندما زار أردوغان مقديشو في عام 2011 كان هو أول رئيس دولة غير أفريقي يزور ذلك البلد منذ عشرين عامًا، ولكن بمرور الوقت مارست تركيا التبادل التجاري على نطاق أوسع في جميع أنحاء أفريقيا، إلى درجة أنها أصبحت هي الدولة التي يمكن للقادة الأفارقة اللجوء إليها لحل مشاكلهم.

وفي السنوات الأخيرة تمثل التعاون الأفريقي – التركي في شراء طائرات دون طيار مسلحة، وقال أردوغان أثناء زيارته الأخيرة للقارة “في كل مكان أذهب إليه في أفريقيا، يسأل الجميع عن الطائرات دون طيار التركية”.

مجرد إقامة علاقات مع البلدان الأفريقية منح تركيا نفوذًا في أجزاء أخرى من العالم أيضًا
مجرد إقامة علاقات مع البلدان الأفريقية منح تركيا نفوذًا في أجزاء أخرى من العالم أيضًا

ومنذ القمة التركية – الأفريقية الأخيرة في عام 2014 تحسنت سمعة الطائرات دون طيار التركية بشكل كبير وأظهرت أنقرة أن طائراتها المسلحة دون طيار من طراز “بيرقدار تي بي 2” يمكن أن تُحدث فرقًا حاسمًا في ساحات المعارك، حيث تم استخدام الطائرات دون طيار لمنع اجتياح العاصمة الليبية بهجوم من قبل القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ومكنت تلك الطائرات أذربيجان من تحقيق نصر مفاجئ على أرمينيا في حرب ناغورني قره باغ العام الماضي.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي أن الحكومة الإثيوبية تمكنت من قلب موازين الحرب التي كانت على وشك خسرانها في وقت ما بسبب الطائرات المسيّرة التي قدمتها تركيا ودول أخرى.

ولم تؤكد أنقرة أنها باعت طائرات دون طيار لإثيوبيا، لكن في الشهر الماضي وقع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد -الذي يخوض حربًا مريرة ضد منطقة تيغراي في البلاد- اتفاقية تعاون عسكري، وظهرت بعد فترة وجيزة الطائرات المسيّرة التركية “بيرقدار” في الصراع.

وليس من المستغرب أن تهتم الدول الأفريقية بشراء تلك الطائرات التي يتراوح سعرها بين مليون ومليوني دولار لكل طائرة، فهي ليست أرخص بعشر مرات من الطائرات الرائدة الأميركية “ريبر” فحسب، بل يسهل الحصول عليها أيضًا، حيث يقتصر بيع واشنطن لتكنولوجيا الطائرات دون طيار على الحلفاء فقط.

وفي إطار المصطلحات العسكرية تسمى التكنولوجيا التي تسمح للجيوش بزيادة قدرتها القتالية بـ”مضاعف القوة”، وبالنسبة إلى تركيا كانت الطائرات دون طيار عاملا مضاعفا لقوتها السياسية، مما أتاح لها الوصول إلى العديد من الحكومات، ولم تؤكد تركيا أسماء جميع الدول التي اشترت طائراتها دون طيار، لكن تلك التي ذكرت أنها اشترت أو أعربت عن اهتمامها بشراء طائراتها تشمل أوكرانيا وبولندا وألبانيا، وكذلك المغرب وتونس ورواندا، وقد تسلمت قيرغيزستان الأسبوع الماضي أول شحنة مخصصة لها.

وتكمن أهمية دبلوماسية الطائرات دون طيار لتركيا في الفرص التي توفرها؛ إن مجرد إقامة علاقات مع البلدان الأفريقية قد منح تركيا نفوذًا في أجزاء أخرى من العالم أيضًا.

Thumbnail

خذ على سبيل المثال التقارب التركي – الإثيوبي، حيث تعد أنقرة ثالث أكبر مستثمر أجنبي في البلاد، وفي الواقع ما يقرب من ثلث استثمارات تركيا في جميع أنحاء القارة يذهب إلى إثيوبيا.

وهذا التقارب التركي مع أديس أبابا يمنح أنقرة نفوذاً على مصر، وهي الواقعة على بعد عدة آلاف من الكيلومترات، وبدخول مصر في نزاع مع إثيوبيا حول مياه النيل يكون من مصلحة القاهرة ألا تنحاز أنقرة بشكل كبير إلى إثيوبيا، وينطبق الشيء نفسه على ليبيا، حيث تؤثر العلاقة الجيدة مع طرابلس على علاقة تركيا بفرنسا وإيطاليا، وكلاهما له مصالح اقتصادية في ليبيا.

وبهذه الطريقة يمنح تمدد النفوذ التركي عبر القارة الأفريقية أنقرة أيضًا ثقلا في شمال أفريقيا وأوروبا. وتركيا -التي لا تزال دولة ذات دخل متوسط وعالٍ- على الرغم من أنها تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو إلا أنه يمكنها توسيع نفوذها من خلال علاقاتها.

ولكن لتركيا ميزة رئيسية أخرى تفسر قيام العديد من القادة الأفارقة بزيارات إلى إسطنبول، وتلك الميزة هي سوابقها التاريخية في القارة، أو بالأحرى قلة سوابقها التاريخية في القارة.

وفي خطابه الافتتاحي الأسبوع الماضي عاد أردوغان إلى موضوع ناقشه من قبل، وهو أن على أفريقيا الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقال للمندوبين إنه لمن الظلم الشديد أن “تقرر خمس دول في الأمم المتحدة مصير العالم بأسره”.

وهذا هو الجزء من التواصل التركي – الأفريقي الذي يصعب على الدول الغربية فهمه؛ فالعديد من المظالم التي ارتُكبت في حق الدول الأفريقية من قبل الغرب غامضة بالنسبة إلى الدبلوماسيين الغربيين، أو تبدو كأنها من مخلفات الماضي، وقد حرص أردوغان على التركيز على تلك المظالم، وشجب الاستعمار عندما تحدث إلى البرلمان الأنغولي في شهر أكتوبر الماضي، وسلط الضوء على جرائم فرنسا الاستعمارية في القارة.

ولا يزال هذا الموقف هو مفتاح النجاح التركي في القارة السمراء، ومثل الصين، كان القادة الأتراك قادرين على شق طريقهم إلى أفريقيا ليس فقط بسبب هدايا التكنولوجيا والتجارة التي يأتون بها، بل بسبب كونهم ليسوا من ضمن الدول الغربية ذات التاريخ الاستعماري.

7