الهجرة والإسلام.. جدل سياسي وحقوقي مزمن داخل أوروبا

من أخطر ما يمر به ملف الهجرة داخل أوروبا المنظور التسييسي الذي ينظر من خلاله الشعبويون مع ربطها بالإسلام الجهادي والتطرف العنيف.
الأربعاء 2018/07/04
محمد بن امحمد العلوي

تنامي موجات الكراهية ضد المهاجرين من المسلمين في أوروبا لا يمكن فهمه في اتجاه واحد يكتفي بإدانة أصحاب الخطاب العدائي وربط ذلك بحملات انتخابية وغيرها، بل إن المشكلة تكمن في المهاجرين المسلمين أنفسهم ورفضهم للتأقلم نتيجة احتكامهم إلى فتاوى ونصوص إسلامية تعتبر إقامتهم في ديار الغرب مؤقتة، وذلك منذ قدومهم بعد منتصف القرن الماضي.

في الوقت الذي ترى فيه أنجيلا ميركل أن ألمانيا تتشكل بالطابع المسيحي، مع تواجد أربعة ملايين مسلم يعيشون ببلادها ويمارسون ديانتهم، مؤكدة أن هؤلاء المسلمين ينتمون لألمانيا ودينهم الإسلامي ينتمي لألمانيا، نجد العكس مع وزير الداخلية الألماني هورست سيهوفر، الذي استقال قبل يومين، ثم تراجع عن الاستقالة بقوله “إن الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا، فهذه الأخيرة تتميز بالطابع المسيحي؛ أحد الراحة، وأيام العطل المسيحية والطقوس مثل عيد الفصح وعيد الميلاد جزء منها”.

الهجرة مؤرقة أكثر من أي وقت للأوروبيين بمختلف تلويناتهم السياسية والأيديولوجية يمينية ويسارية، والأخطر عندما يتم ربطها بشكل تعسفي بالإسلام الجهادي المهدد لهوية وتقاليد وأمن الأوروبيين، فالمحافظة على الهوية والتقاليد الألمانية دفعت هورست إلى القول “إن المسلمين الذين يعيشون هنا ينتمون بالطبع إلى ألمانيا، لكن هذا لا يعني أن نتخلى عن تقاليدنا”، معتبرا أن المسيحية في قلب هذه التقاليد.

إن تدفق أعداد المهاجرين في العقد الأخير جراء الحروب الأهلية والمشاكل الاقتصادية، إضافة إلى تكاثر عدد القاطنين بأوروبا، جعلا أصحاب القرار الأوروبي يتعاملون بحدة مع هذه التدفقات وما تشكله من تحديات مستمرة على مستوى الهوية والأفكار والثقافة خصوصا في كل من فرنسا وألمانيا، ما دفع الأوروبيين في قمتهم يومي 28 و29 يونيو الماضي، إلى اتخاذ إجراءات داخلية في دول الاتحاد تحول دون تنقل المهاجرين بين دول المنطقة، وهو ما وصفه الاتفاق بأنه يقوض سياسة اللجوء والتنقل بحرية بموجب تأشيرة الشنغن.

ومن أخطر ما يمر به ملف الهجرة داخل أوروبا، المنظور التسييسي الذي ينظر من خلاله الشعبويون مع ربطها بالإسلام الجهادي والتطرف العنيف، فعلى سبيل المثال عزم حزب البديل من أجل ألمانيا اتخاذ إجراءات صارمة بخصوص ملف الهجرة واللاجئين، مؤكدا أن الإسلام ليس جزءا من ألمانيا.

وفي إطار صراع الإرادات بين أنجيلا ميركل، ومنافسيها ومنهم زعيم المحافظين البافاريين وزير الداخلية هورست زيهوفر، فقد حدد هذا الأخير مهلة للمستشارة، مهددا بإصدار أوامر مطلع يوليو الجاري تقضي برد المهاجرين المسجلين في دولة أخرى من الاتحاد الأوروبي عند وصولهم إلى الحدود في حال عدم اتخاذ تدابير بهذا الصدد على الصعيد الأوروبي.

وتود المستشارة بصورة خاصة وضع المهاجرين المسجلين في بلد آخر من الاتحاد الأوروبي في مراكز استقبال خاصة تخضع لشروط متشددة، مؤكدة أن حكومتها تريد الاستمرار في الحد من عدد المهاجرين الوافدين إلى ألمانيا، مشيرة إلى أن عددهم هذه السنة في تراجع بنسبة 20 بالمئة عن العام 2017.

وفي هذا المجال الملبد بغيوم عدم الفهم الطويل بين المسلمين والأوروبيين، لا بد من الاطلاع على التقرير العالمي 2018، الصادر عن هيومن رايتس ووتش، والذي يؤكد أن الأحزاب المتطرفة الشعبوية مارست تأثيرا خارجيا على السياسة الأوروبية خلال العام، والأسوأ من ذلك أن الأحزاب السياسية السائدة في العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي تتبنى عناصر من برنامجها المعادي للمهاجرين والأجانب واللاجئين والمسلمين.

ولاحظ ذات التقرير استمرار العنف ومشاعر العنصرية والكراهية تجاه الأجانب والمسلمين في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، وقد عانى المسلمون من العداء والتعصب على نطاق واسع، كما لا تزال معاداة السامية، بما فيها جرائم الكراهية، مصدر قلق بالغ.

ولهذا هناك من يشكك في نوايا الأوروبيين خصوصا في طريقة تعاطيهم مع ملف المهاجرين القادمين من سوريا وليبيا ودول أفريقيا، ويحاججون بأن سياستهم هي محاصرة المسلمين برفع منسوب التشكيك في نواياهم وربطهم بالإسلام الجهادي والهجرة غير المفيدة، وتقول الكاتبة في إندبندنت “إن الإسلام والمسلمين لم يعد مرحبا بهما في أوروبا، وإن تقنين ظاهرة العداء للإسلام أصبح أمرا متناميا في أوروبا منذ أقرت فرنسا قانون منع النقاب عام 2010”.

والواضح أن تصورات الأحزاب المتطرفة الشعبوية أضحى لها التأثير على السياسة الأوروبية خلال العامين الأخيرين بشكل خاص، حسب خبراء في العلاقات الدولية بأوروبا، بعدما تقوت داخليا بفعل خطابها العنصري المتطرف ضد المهاجرين والمسلمين، حيث أشارت “وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية” في تقرير في أبريل الماضي إلى أن العديد من جرائم الكراهية في الاتحاد الأوروبي لا تزال غير معلنة وغير مرئية، ما يترك الضحايا دون انصاف، وحثت الدول الأعضاء على تحسين وصول الضحايا إلى العدالة.

وفي تقريرها السنوي الصادر في يونيو أشارت “اللجنة الأوروبية لمكافحة العنصرية والتعصب” إلى أن الشعبوية القومية وخطاب الكراهية الذي يحض على كراهية الأجانب قد أصبحا سائدين سياسيا في المنطقة، وهو ما حذّر منه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين في سبتمبر قادة الأحزاب الشعبوية في أوروبا منبها إلى التأثير الهدام على المجتمعات جراء استخدامهم التعصب وكراهية الأجانب لأغراض سياسية.

سبب عدم الاندماج هو فقه الأقليات الذي أطلقه الفقهاء القادمون من الشرق الأوسط ومن شمال أفريقيا
سبب عدم الاندماج هو فقه الأقليات الذي أطلقه الفقهاء القادمون من الشرق الأوسط ومن شمال أفريقيا

وعطفا عليه، هناك أصوات متعقلة داخل الاتحاد الأوروبي تحاول التعامل مع ملف الهجرة والمسلمين بحذر وإنصاف وواقعية، فنائب رئيس المفوضية الأوروبية في بروكسل، فرانس تيمرمانس، قلق لكون قوة الشعبويين اليمينيين وقضية الهجرة العالقة لا تقودان فقط إلى أزمة حكومية في ألمانيا مثلا، بل تهددان أيضا تماسك الاتحاد الأوروبي كون الهجرة تلعب دورا محوريا في كل بلد عضو.

ونظرا للتشبيك الذي دأبت عليه الحركات الإسلامية منذ عقود والأدوار التي تلعبها في استقطاب وتوجيه أفواج المهاجرين نحو أوروبا لأسباب أيديولوجية ومالية وتداخل عملياتها على الحدود الرخوة للدول، نتفق مع  أوليفر شاربرودت أستاذ باحث في الدراسات الإسلامية  بجامعة برمنغام في المملكة المتحدة، الذي أكد أن هناك فعلا محاولات أوروبية للتحكم في المنظمات الإسلامية في أوروبا، ولكن هذا الخيار يقتضي استحضار السياق الدولي للشبكات الإسلامية، التي تحتفظ بعلاقات خارج أوروبا.

والمشاكل التي تطرحها الهجرة هي تدفق مسلمين بعقليات متشبعة بفكر تقليدي ومهيئين نفسيا ووجدانيا للتعاطف مع الخطاب الديني المتطرف، الشيء الذي يخيف العناصر المدافع عن التعايش داخل المجتمعات الأوروبية، وفي هذا الصدد يقول ستيفانو أليفي مدير ماستر الدين والسياسة والمواطنة بجامعة بادوفا بإيطاليا، “إن المسلمين التقليديين لا يفكرون في تأهيل أنفسهم في المعرفة الدينية، إضافة إلى الجماعات التي تظهر بشكل جلّي للجميع، ويرون أن الإسلام في أوروبا يجب أن يكون مختلفا عن الإسلام في مجتمعاتهم الأصلية”.

يقيس اليمين المتطرف مستوى علاقاته مع المسلمين المهاجرين الجدد والقدامى من ثنائية هوياتية تقول بنحن وهم، وتختبئ وراء تمييز عرقي وديني وثقافي يعطي الفرصة للخطاب المتطرف لتعزيز منطقه الإقصائي دون انتباه إلى أن اليمين الأوروبي المتطرف قد نجح في خطة استدراج المجتمع والمؤسسات الأوروبية إلى تبني مواقفه من المهاجرين بربطهم بالغرب والإسلام.

المشكلة التي تقض مضجع المسؤولين الأوروبيين هي لماذا أكثرية المسلمين لا تريد الاندماج؟ الشيء الذي يستغله اليمين المتطرف لتموقع سياسي وانتخابي داخل المؤسسات الأوروبية، وهنا يقول رضوان السيد، المفكر وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية، إن السبب هو فقه الأقليات الذي أطلقه الفقهاء في مطلع الثمانينات القادمون من الشرق الأوسط ومن شمال أفريقيا، فهم الذين اخترعوه معتبرين إقامتهم مؤقتة، والنتيجة هي أنهم صعبوا على المسلمين الاندماج، وليس العكس.

إن تواجد المسلمين من أفريقيا والدول العربية داخل ألمانيا وغيرها، يسائلهم جميعا حول مدى تحملهم مسؤولياتهم في التأقلم مع قوانين وأعراف وثقافة ومؤسسات البلد المضيف، الشيء الذي يؤهلهم للتأثير إيجابيا هناك، وهذا ما جعل رضوان السيد يعترف بأنه لأول مرة نرى أن المسلمين في أوروبا أصبحوا يهتمون بقضايا البلدان الأصلية.

13