النفط مقابل طبع الكتب في العراق

استوقفتني تغريدة النائب ماجد شنكالي حول مشروع اتفاقية النفط مقابل التفاح مع لبنان والتي أشار فيها إلى أن هذا المشروع لم ينجح، فلجأوا إلى النفط مقابل طبع الكتب.
في التغريدة تساؤل هو: هل المطابع العراقية غير مؤهلة لطبع مناهجنا التربوية أم أن الأمر مفروض علينا للحفاظ على ما تبقى من لبنان؟ أم أن في الأمر ما فيه؟
قبل أن أتحدث عن الطباعة والمطابع في العراق في لمحة تاريخية كنت جزءا منها، أقول إنني قرأت في اليوم ذاته الذي كتب فيه النائب تغريدته تقريراً في صحيفة لبنانية عنوانه “اتفاق الفيول العراقي: لا نية لبنانية للدفع وتنفيذ الالتزامات”، وما تضمنه التقرير يشير إلى صحة تغريدة النائب في البحث عن توجه جديد بدلاً من التفاح والخدمات الصحية التي كان قد أشير إليها سابقاً.
أعود إلى موضوع المطابع العراقية التي أصبحت في السنوات الأخيرة عرضةً للإغلاق والتصفية بسبب الطباعة في خارج العراق، رغم أن الطباعة من أعرق الصناعات في العراق وأن عمالها من أمهر العمال في المنطقة، لأشير إلى هذه اللمحة التاريخية التي كنت جزءًا منها.
◙ خلال السنوات اللاحقة تم طبع تلك المناهج في المطابع العراقية، وأسهمت تلك العملية في تشغيل المطابع وما يتبعها من صناعات تكميلية
أواسط الثمانينات وجه اتحاد الصناعات العراقي في ضوء توصيةٍ من عضو مجلسه الممثل لصنف الطباعة يومها الراحل فتح الله أسطيفان عزيزة، صاحب مطبعة الأديب العريقة، كتاباً إلى ديوان الرئاسة حول طباعة المناهج الدراسية خارج العراق وما تسبّبه من أضرار لقطاع الطباعة العراقي، يومها أمر ديوان الرئاسة بتشكيل لجنة برئاسة مدير عام الدائرة الإدارية بوزارة التربية وهو المسؤول عن مطابع الوزارة حينها مع ممثلين عن دار الحرية للطباعة، مثلها المدير العام عبدالحسين فرحان، وكان ينوب عنه في غيابه معاونه الفني جعفر القيسي، ومثل وزارة الصناعة ومطابعها سهام الأعظمي، إلى جانب ممثلين عن المطابع الحكومية الأخرى ومنها دار الجماهير، دار الثورة، مطبعة آفاق عربية، مطبعة جريدة العراق والمطابع الحكومية الأخرى التي لا أتذكر أسماء ممثليها للأسف، وكنت شخصياً ممثلاً لاتحاد الصناعات العراقي (القطاع الخاص الطباعي).
أجرت اللجنة على مدى عدة أشهر مسحاً شاملاً للطاقات الإنتاجية للمطابع الحكومية ومطابع القطاع الخاص، وأنجزت دراسة سريعة تضمنت توصيات تؤكد وبالأرقام إمكانية إنجاز طبع المناهج داخل العراق، وفعلاً تم خلال السنوات اللاحقة طبع تلك المناهج في المطابع العراقية، وأسهمت تلك العملية في تشغيل المطابع وما يتبعها من صناعات تكميلية، دفعت قطاع الطباعة إلى تطوير عمله بدعم من الدولة، وانتعشت اقتصاديات العمل في ذلك القطاع.
في الأيام الأولى للاحتلال، نهبت مطابع دار الحرية العملاقة وأيضا دار الجماهير ودار الثورة، ونشأت في السنوات اللاحقة مؤسسات طباعية جديدة بإمكانيات فنية حديثة، سواء في القطاع الخاص أو في جريدة الصباح الحكومية. ورغم ذلك عادت عملية طبع الكتب خارج العراق التي تسببت في تعطيل الطاقات الإنتاجية للمطابع العراقية، بل إن بعض هذه المطابع العريقة أغلقت أبوابها وسرّحت عمالها ومن بقي منها ظل يعيش على طباعة الصحف والأعمال الصغيرة على أمل أن يعاد طبع المناهج في العراق ليعاود الاستمرار في العمل. وقد سمعت فعلاً من بعض أصحاب المطابع أحاديث عن تلك الآمال التي ستطلق عليها المبادرة الجديدة رصاصة الرحمة إن كانت ستحدث فعلاً.