الميثان وأكسيد النيتروز غازات منسيّة تهدد تحقيق أهداف اتفاقية باريس

الميثان وصل مستويات غير مسبوقة بسبب الانبعاثات الناجمة عن الزراعة، والوقود الأحفوري، وذوبان الجليد السرمدي.
السبت 2021/01/09
التلوث فعل بشري قاتل

جنيف ـ تعهد المجتمع الدولي من خلال اتفاقية باريس للمناخ بإبقاء معدّل ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض “دون درجتين مئويتين” مقارنة بقيم ما قبل العصر الصناعي.

وفي حين تركّزت الجهود على غاز ثاني أكسيد الكربون، حيث فُرضت ضرائب على الكربون واتُخذت إجراءات للحد من استخدام الوقود الأحفوري، تتراكم غازات أخرى مثل الميثان وأكسيد النيتروز في الغلاف الجوي، والتي تساهم بشكل كبير في الاحترار العالمي دون الاهتمام بخطرها كما يقول الخبراء.

أمّا الذي يُخشى منه، بحسب الدراسات، هو أن زيادة تلك الانبعاثات قد تؤثر على تحقيق أهداف اتفاقية باريس، وقال مدير منظمة تعقب نشاط الكربون الدولية بيب كانادِل لـ”سويس أنفو”، “بالفعل، كان غاز ثاني أكسيد الكربون دائما محور الاهتمام لكونه مسؤولا عن أكثر من 65 في المئة من الاحترار الناجم عن الغازات الدفيئة، بسبب طول مدة بقائه في الغلاف الجوي، أما الآن، وبعد أن اتفقنا على هدف صافي الانبعاثات الصفرية، فقد آن الأوان لكي نركز، أكثر من أي وقت مضى، على غازات الاحتباس الحراري الأخرى”.

من هذه الغازات، غاز الميثان هو صاحب التأثير الأكبر على المناخ بعد ثاني أكسيد الكربون، وينتج عن تحلل المواد العضوية في البيئات الخالية من الأكسجين، ويتكون بنسبة 40 في المئة تقريبا عن طريق العمليات الطبيعية.

صناعات تعدين الفحم والغاز الطبيعي يمكن أن تقلل من خسائرها المنتظمة من غاز الميثان دون مشاكل تذكر، وسيكون لهذا تأثير سريع على ظاهرة الاحتباس الحراري

أما نسبة الـ60 في المئة المتبقية، فمصدرها بشري وترتبط بالأنشطة الزراعية، وخاصة تربية الماشية، ومعالجة النفايات وصناعة الفحم والنفط.

ويضاف إلى هذه الغازات، أكسيد النيتروز الذي يُطلق عليه أيضا “غاز الضحك”، وينتج أساسا بفعل الزراعة المكثفة (التسميد) واحتراق الوقود الأحفوري وبعض العمليات الصناعية.

وعلى الرغم من وجود الميثان وأكسيد النيتروز في الغلاف الجوي بتركيزات أقل من ثاني أكسيد الكربون، إلّا أن أثرهما في الاحترار العالمي أعظم بكثير، فعلى سبيل المثال، نجد أن طاقة التسخين لغاز الضحك أعلى بـ265 مرة من غاز ثاني أكسيد الكربون.

Thumbnail

وكما هو الحال بالنسبة إلى غاز ثاني أكسيد الكربون، تتزايد تركيزات غازي الميثان وأكسيد النيتروز في الغلاف الجوي باستمرار.

والسبب الرئيسي لزيادة تركيز غاز أكسيد النيتروز، فهو الطلب المتزايد على الأغذية والأعلاف، وبمعنى أدق الاستخدام الكثيف والمتزايد للأسمدة النيتروجينية وتطوّر أساليب تربية المواشي، كما أوضحه فورتونات جوس، أستاذ فيزياء المناخ بجامعة برن والمؤلف المشارك لواحدة من أشمل الدراسات حول مصادر أكسيد النيتروز في العالم.

ووفقا لهانكين تيان، الأستاذ في جامعة أوبورن الأميركية والمؤلف الرئيسي للدراسة، “هناك تعارض بين كيفية إطعام البشرية وهدفنا المتمثل في استقرار المناخ”.

بيد أن الزيادة في الانبعاثات ليست عامّة وإنما تختص بشكل رئيسي بالدول الناشئة ومن بينها الصين والبرازيل والهند. وأوروبا هي المنطقة الوحيدة التي انخفضت فيها انبعاثات أكسيد النيتروز على مدار العشرين عاما الماضية.

أما بخصوص الميثان، فقد وصل إلى مستويات غير مسبوقة بسبب الانبعاثات الناجمة عن الزراعة المكثفة، واستخراج وإنتاج الوقود الأحفوري. كما يتسبب ذوبان الجليد السرمدي في إطلاق كميات كبيرة من الميثان بالغلاف الجوي.

وتتيح التقنيات المبتكرة، إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، غير أنه لا وجود لأي تقنية بالنسبة إلى الميثان وأكسيد النيتروز، ولكن هناك أفكارا بصدد التبلور في هذا الاتجاه، كما يشير بيب كاناديل.

هناك تعارض كبير بين كيفية إطعام البشرية وهدفنا المتمثل في استقرار المناخ

ويؤكد مدير مشروع الكربون العالمي، أن صناعات تعدين الفحم والغاز الطبيعي يمكن أن تقلل من خسائرها المنتظمة من غاز الميثان دون مشاكل تذكر، وسيكون لهذا تأثير سريع على ظاهرة الاحتباس الحراري لأن عمر الميثان في الغلاف الجوي عشر سنوات فقط، أي تقريبا عُشر عمر ثاني أكسيد الكربون.

وبالنسبة إلى أكسيد النيتروز، يقترح كانادِل وجوب استخدام الأسمدة بشكل أكثر دقة وفعالية، فيما أكد باحثون من المعهد التقني الفيدرالي العالي في زيورخ أنه بإمكان دول عديدة، التقليل من استخدام الأسمدة النيتروجينية في الزراعة دون المساس بمستوى إنتاجيتها الزراعية.

كذلك، أوصى فورتونات جوس من جامعة برن بأن يتم اللجوء إلى استخدام الأسمدة بحكمة أكثر. كما يتعيّن التخلص تماما من انبعاثات أكسيد النيتروز ذات الطابع الصناعي، من خلال استخدام مُحفّزات.

وعلى صعيد الميثان، يشير الأستاذ إلى إمكانية تغيير النظام الغذائي للحيوانات المجترة، من خلال إنتاج الإضافات الطبيعية – أي منشطات النمو – للأعلاف، والمركبات الغذائية الصناعية، التي يُعتقد أنه بإمكانها التقليل من أبخرة الميثان لدى قطعان الماشية بنسبة 30 في المئة.

ويقدّر معهد “أغروسكوب”، أن التدابير المعتمدة في الإنتاج الزراعي يمكن أن تقلل من انبعاثات غاز الميثان وأكسيد النيتروز بنحو 10 في المئة، ويضيف أنه لا يمكن تحقيق المزيد من التخفيضات إلا بإحداث تغييرات هيكلية في القطاع، كالتخفيض في أعداد الثروة الحيوانية مثلا.

Thumbnail
17