المونديال هنا وهناك

قبل سنة من الآن حدثني أحد الأصدقاء غداة نهاية منافسات المونديال الروسي، عن شعوره بالاستياء وخشيته من الفراغ بعد نهاية هذا المحفل الدولي الهام.
كان صديقي هذا مولعا إلى حد الهوس بمنافسات كأس العالم، كان ينتظر على أحر من الجمر كل أربعة أعوام حتى يتابع بنهم وشغف كبير كل المباريات، فالسحر الكروي لديه يكمن أساسا في ذلك الصراع المحتدم من أجل التألق في أقوى تظاهرة رياضية في العالم.
كان يحدثني باستمرار عن تألق منتخبات أميركا اللاتينية وقوة المنتخبات الأوروبية وكذلك عن توق المنتخبات الأفريقية للتألق وترك بصمتها وإعادة تحقيق إنجازات تاريخية خاصة عندما تألقت منتخبات تونس والمغرب والكاميرون والجزائر في دورات سابقة.
كان يتوق فعلا لتلك الأجواء الساخنة والمباريات القوية الخالدة، لكنه كان أيضا يدرك أن شهرا فقط كل أربع سنوات لا يمكن أن يشفي غليله ويرضي هوسه بتلك المنافسات.
هذا الصديق جمعني به منذ أيام لقاء، كانت علامات الغبطة تعلو محياه، بدا سعيدا ونشيطا ومتحفزا، لاح وكأنه مثل شخص تاه في الصحراء وعثر على نبع ماء.
لم ينتظر كثيرا قبل أن يؤكد أنه في قمة سعادته والسبب في ذلك هو تزامن إقامة فعاليات دورتين هامتين على الصعيد الرياضي في الوقت ذاته. شدد على أن تنظيم كأس أمم أفريقيا وكوبا أميركا أثلج قلبه وأشبع رغبته الدائمة في متابعة “الأطباق” الكروية الدسمة.
لم يجلس معي طويلا، قبل أن يودعني ماضيا بسرعة كي يتابع إحدى مباريات الكأس الأفريقية، في يوم مليء بالمباريات القوية بين البطولتين.
ربما لم يجانب هذا الصديق الصواب، فالمتعة لن تغيب هذه الصائفة، وكأن المونديال بدا حدثا كونيا انشطر إلى نصفين، نصفه تلون بسخونة الأجواء الأفريقية على أرض الكنانة، ونصفه الآخر ارتبط بخصوصية البرازيل التي تستضيف منافسات كوبا أميركا هذا العام.
ففي هذه الصائفة سيكون المرء مطالبا باتخاذ مكان أمام جهاز التلفزيون لمتابعة ثلاث مباريات أو أكثر يوميا، وهي مباريات تحملك إلى متعة الكرة الأفريقية ثم تطير بك نحو الأفق البعيد لمعاينة سحر الكرة اللاتينية.
في هذه الصائفة الفرجة مضمونة والمتعة حاضرة، فالكرة الأفريقية تعيش على وقع دورة استثنائية بكل المقاييس بما أنها تقام لأول مرة مباشرة بعد نهاية الدوريات في العالم، والأكثر من ذلك أنها تعرف مشاركة 24 منتخبا أي بزيادة ثمانية منتخبات مقارنة بالدورات السابقة.
وبعد مرور أكثر من أسبوع على بداية الحدث الأفريقي يمكن القول إن عدة مباريات كانت مميزة وممتعة، فمن تابع مباراة الجزائر ضد السنغال وهما منتخبان تألقا سابقا في كأس العالم يدرك هذه الحقيقة.
ومن شاهد مباراة المغرب وكوت ديفوار وهما أيضا منتخبان شاركا في السابق في المونديال يقتنع حتما بوجود جودة ومتعة خالصة وسط هذه الأجواء الأفريقية المميزة.
لن تنته المواجهات الحاسمة، وبعد تلك المباراة القوية بين الكاميرون وغانا، ربما لن تشذ أغلب مباريات الأدوار عن القاعدة، سيكون التنافس مستعرا، وسيكون الحماس على أشده، وفي المحصلة سيكون عشاق هذه البطولة الساحرة الطرف المنتصر.
أما في الشق اللاتيني من المتعة، فإن كوبا أميركا بدت في بعض تفاصيلها نسخة مكررة من منافسات كأس العالم سنة 2014.
فتلك المسابقة المقامة على الأراضي البرازيلية، تشهد تألقا لافتا لمنتخبات أميركا الجنوبية التي تخطت منافسات الدور الأول لتضرب مع أنصارها مواعيد قوية وخالدة في تلك البطولة.
فالبرازيل واجهت تشيلي ثم كولومبيا، وكولومبيا واجهت الأوروغواي، وكل هذه المنتخبات بمعية الأرجنتين كانت “فاكهة” تلك البطولة وروحها.
الأمر يتكرر اليوم، فالمواجهات المشوقة التي تجمع بين هذه المنتخبات في ما بينها ضمن الأدوار المتقدمة رسخت في الأذهان “عقيدة” سحر الكرة اللاتينية وقوتها من الناحية البدنية وكذلك الفنية.
السبت أقيمت مباراة تشيلي وكولومبيا، كانت مواجهة ساخنة للغاية، كانت ممتعة ومشوقة وأكدت بلا شك أن منافسات كوبا أميركا، حتى وإن اقتصرت على مشاركة 12 منتخبا تظل مبهرة وقوية وموغلة في الجمالية والخصوصية.
الأكيد أن المواجهات القوية ستتواصل والطبق المرتقب بين البرازيل والأرجنتين ضمن منافسات الدور نصف النهائي سيكون حتما مكتمل الفصول، فصول المتعة والفرجة الرائقة، بل فصول جديدة من التنافس التاريخي بين المنتخبين العريقين.
ليس من أجل فرض الهيمنة قاريا بل عالميا، فالبرازيل تطمح إلى استعادة لقب غاب طويلا وتريد اعتلاء منصة التتويج بعد جفاء دام لأكثر من 17 سنة، أما الأرجنتين فإنها تأمل في كسر نحسها، وتريد أن تنهي تماما لعنة الأدوار النهائية بعد خسارة نهائي كأس العالم 2014 ثم نهائي كوبا أميركا في الدورتين الأخيرتين.
لقد اتحدت مصر والبرازيل على منح السعادة للمتابعين، وكل طرف يريد استمالة عشاق الكرة العالمية، حيث بدا الأمر وكأنه مدبر من أجل تقديم عروض قوية وشيقة وخالدة.. بدا الأمر وكأن المونديال موجود هنا وهناك.