الملك عبدالله الثاني: إيران ستبذل جهدها لتبقى في المنطقة

جدد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة فوكس نيوز الأميركية دعوته للأمم المتحدة أن تستمر في تقديم الدعم الإنساني للفلسطينيين. كما تحدث حول علاقته بالرئيس الأميركي دونالد ترامب والاضطرابات المستمرة في الشرق الأوسط.
الجمعة 2018/09/28
الملك عبدالله الثاني: أينما ننظر تواجهنا التحديات

نيويورك – بثت محطة فوكس نيوز الأميركية مقابلة تلفزيونية مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، لبرنامج سبيشال ريبورت (تقرير خاص) الذي يقدمه بريت باير، كبير مذيعي الشؤون السياسية في المحطة، تحدث خلالها الملك عبدالله عن التطورات الراهنة في الشرق الأوسط وعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ورؤيته لقضايا وأزمات المنطقة ودور إيران في إشعال الحرائق فيها، إضافة إلى جهود الحرب على الإرهاب. كما تحدث عن التحديات التي تواجه الأردن والضغوطات التي فرضتها الأزمات الإقليمية على اقتصاده، وكيف اضطرت عمّان للاقتراض من المجتمع الدولي لتغطية تكاليف اللجوء السوري.

ما هو رأي الملك عبدالله وتقييمه للوضع في الإقليم؟

* من الصعب أن يحدد المرء من أين يبدأ حقيقة. وهذه هي المشكلة، فأينما ننظر تواجهنا التحديات. ففي سوريا، يمكن القول إن تنظيم داعش هُزم، لكن لم يقضَ عليه بعد. وينطبق هذا الوصف في العراق أيضا. والتحدي هو كيف نمضي قُدما بالمسار السياسي في سوريا، وكيف يمكننا أن نثبّت الاستقرار، وهذا أمر نستطيع أن نبدأ بالعمل عليه. وإلى حد ما، فإن الأمور في الجنوب السوري تتسم بالهدوء النسبي، وذلك بفضل مركز المراقبة المشتركة لمنطقة خفض التصعيد في جنوب سوريا، والذي يديره الروس والأميركيون ويستضيفه الأردن بهدف خفض التصعيد. ونحن نعمل لجعل الأمور أفضل في الجنوب السوري.

العراق ما زال يمرّ بحالة من الاضطراب، ومع استقرار الحكومة يجب أن تُبذل الجهود لضمان أن يشمل الجيش العراقي جميع المكوّنات ويشكّل لبنة أساسية في بناء المستقبل. ولدينا أيضا تحدي القضية الفلسطينية غربا، وتحدي اليمن جنوبا. ولذلك، يجب أن تكون لدينا القدرة على العمل بسرعة وثبات، فهناك الكثير من التطورات التي تحدث في آن واحد.

إنه فعلا إقليم مليء بالأحداث. في ما يتعلق بداعش، الانطباع العام هو أنه تم القضاء عليه بشكل كبير. ولكن، يبدو أن هناك إما عودة لداعش، وإما مساعي فكرية لإنشاء جيل جديد من المتطرفين؟

يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن الاسم الذي نستخدمه اليوم لهؤلاء الناس هو داعش. إلا إن هذا التنظيم لا يختلف فعليا عن القاعدة، والشباب، وبوكو حرام أو عن أي تنظيم آخر، فهذه إذا مشكلة عالمية. إن داعش هو التنظيم الأسوأ سمعة، لأنه الأكثر عنفا ووحشية، لكن هذه الجماعات لا فرق بينها.

نحن نعيش اليوم في عالم مضطرب فيه أعداء يضمرون الشر لنا جميعا، ومن بينهم تحديدا هؤلاء المتطرفون الذين نسميهم الخوارج. وهذا تحد سنواجهه للأسف على امتداد 15-10 سنة القادمة

نحن اليوم نتحدث عن داعش، لكن بعد عدة سنوات، قد يظهر تنظيم أكثر سوءا تحت اسم آخر. نحن أمام مسارين في سوريا وإلى حد ما في العراق أيضا: المسار الأول هو جهود إعادة البناء وتطوير هاتين الدولتين وإعادة الاستقرار لهما، والمسار الثاني هو الحرب المستمرة على الإرهاب هناك.

هل هناك أسباب تدعو للقلق في ما يخص عملية السلام. والإجراءات التي تمت مؤخرا؟

* إن الرئيس ترامب ومنذ اليوم الأول التزم بالوصول إلى حل عادل ومتزن بين الفلسطينيين والإسرائيليين للمضيّ قُدما بعملية السلام. نحن غير مطلعين على مضمون خطة السلام، وهذا جزء من المشكلة، الأمر الذي يُصعِّب علينا التدخل والمساعدة. وما أخشاه هو أننا سوف ننتقل من حل الدولتين إلى حل الدولة الواحدة، وهو أمر كارثي لنا جميعا في المنطقة، وكذلك إسرائيل.

إذا تم سحب غالبية ملفات الحل النهائي عن طاولة المفاوضات، فسيتضح لك سبب الإحباط لدى الفلسطينيين. والسؤال المطروح إذا: كيف نبني جسور الثقة بين الفلسطينيين والولايات المتحدة، ومهما يقال، فإنه لا يمكن الوصول لحل الدولتين أو اتفاق سلام دون الولايات المتحدة. في الوقت الراهن، فإن الولايات المتحدة تتحدث إلى طرف واحد دون الآخر، وهذه هي حالة الجمود التي نواجهها.

هل الرئيس ترامب شخص صريح للغاية؟

* بالفعل، وهذا أمر يعطي دفعة جديدة. عندما قلت للرئيس إنه إذا ذهبنا باتجاه حل الدولة الواحدة، فإن ذلك سيرتب جملة من الإشكاليات التي سنواجهها جميعا، فقد أبدى سرعة بديهة كبيرة في فهم التفاصيل. وأدرك عمق المشكلة واتضحت لديه الصورة، وكان الرأي أننا بحاجة للعمل على حل الدولتين.

إن حل الدولة الواحدة يشكل برأيي مشكلة رئيسية لإسرائيل في كيفية تعريفها لنفسها وكيف تعرف نفسها داخليا أيضا. فحقيقة الأمر أننا سنكون بصدد نظام فصل عنصري. لذلك، هناك الكثير من الداعمين لإسرائيل في الخارج يساورهم القلق حول المسار الذي تتخذه إسرائيل. فهل بإمكاننا إعادة حل الدولتين إلى المسار الصحيح؟ وهل بإمكاننا الوصول إلى حل عادل مقبول لدى الطرفين؟ لأن حل الدولة الواحدة مرعب لنا جميعا.

في آخر حديث لنا، كان الإقليم يواجه اضطرابات، وكان داعش في أوج صعوده عام 2015. من المواضيع الأخرى التي خضت بها في حديثنا السابق اليمن، وقلت: أعتقد أنه كلما سارعنا في إيجاد حل سياسي لهذه الأزمة كلما كان ذلك أفضل.

* مازلت أرى أن ذلك هو الحل.

رغم مرور ثلاث سنوات؟

*وبالرغم من مرور ثلاث سنوات، فهذه حملة عسكرية صعبة للغاية. وكلما سارعنا جميعا بالوصول إلى حل سياسي كان أفضل، وأنا أعرف أن السعودية والإمارات تبذلان جهودا كبيرة في هذا المجال. علينا ألا ننسى أن هناك قلقا إزاء الأزمة الإنسانية هناك. إن الإمارات تبذل جهودا كبيرة في تأمين أكبر قدر ممكن من المساعدات الإغاثية لليمنيين. ولكن، إذا لم نتمكن من أن نجمع الأطراف وأن نتوصل إلى حل سياسي، فإن هذا الموضوع سيستمر برأيي كدوامة تؤثر علينا جميعا.

* إيران، كما هو واضح، تنشط في اليمن، وتضخ المال والسلاح. وفي غيرها من المناطق في الإقليم أيضا.

كيف ترون إيران من منظوركم؟

* بإمكانك رؤية تأثير إيران وبصمتها، أو كما وصفتُه بالهلال الإيراني، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان، وكما ذكرتَ في اليمن، كما نلحظ أيضا وجودهم في القرن الأفريقي.

بسمة باهظة الثمن يرسمها الأردن على شفاه الأطفال السوريين اللاجئين
بسمة باهظة الثمن يرسمها الأردن على شفاه الأطفال السوريين اللاجئين

هل من طريقة للوصول إلى حل سياسي في سوريا؟

* نحن نعمل باتجاه هذا الهدف. أحيانا تتغير السياسات من قبل بعض الأشخاص في المؤسسات الأميركية، مما يشكّل عائقا لنا في بعض الأحيان. رغم ذلك، تجدر الإشارة إلى مركز المراقبة المشتركة لمنطقة خفض التصعيد في جنوب سوريا الموجود في الأردن، والذي نعمل فيه مع الولايات المتحدة وروسيا. ولدينا إستراتيجية، فهناك بعض الترتيبات مع روسيا والنظام السوري حيال إمكانية التعامل مع الإيرانيين هناك. وعلى الرغم من العثرات في الأسبوعين الماضيين، آمل أن تعود الأمور إلى مسارها الصحيح. وكما قلتُ، نحن جميعا نعمل معا وندرك أن ما تفعله إيران ليس في مصلحة أحد. ولكن من وجهة النظر الإيرانية، الهدف هو أن يكونوا قريبين من منطقة البحر المتوسط، وبالتالي سيبذلون جهدهم ليبقوا في هذه المناطق ليستمروا في إثارة المشاكل.

في بلدكم 20 بالمئة من السكان حاليا لاجئون؟

* 21 بالمئة هم لاجئون سوريون فقط، ناهيك عن قرابة مليون عامل مصري يتواجدون بشكل غير قانوني، وكنا قد اتخذنا قرارا منذ عدة سنوات بعدم إعادتهم إلى مصر لأن ذلك سيؤثر على استقرار اقتصادهم. بالإضافة إلى تواجد قرابة 200 ألف لاجئ عراقي في بلدنا، وما بين 60-50 ألف لاجئ يمني وليبي.

أي نوع من الضغط والأعباء يولده كل هذا؟

* ضغط هائل للغاية. ازداد عدد سكان بلدنا بنسبة 21 بالمئة خلال بضع سنوات؛ فالوضع يعادل قدوم 60 مليون كندي عبر الحدود إلى الولايات المتحدة خلال فترة 3-2 سنوات، والذي فرض علينا توجيه ربع موازنتنا، خلال السنوات الأولى فقط للجوء، لرعاية هؤلاء الضيوف.

هلّا أعدت ذلك مجددا للتوضيح، إنه وضع يعادل لجوء 60 مليون شخص للولايات المتحدة!

*إنه يوازي قدوم 60 مليون كندي على سبيل المثال عبر حدودكم خلال فترة 2-3 سنوات.

وعليكم أن تتعاملوا مع تبعات ذلك.

* إن المجتمع الدولي يقدّم المساعدة، وأكبر داعمينا هم الولايات المتحدة وأوروبا. ولكن خلال العام الحالي (2018) وصلتنا نسبة 16 بالمئة فقط من حجم المساعدات من المجتمع الدولي من مجمل احتياجاتنا لمواجهة أعباء اللجوء، وهذا يعني أنه يتوجب علينا اقتراض الباقي من المجتمع الدولي لتغطية تكاليف اللجوء السوري.

علينا أن نقوم بإصلاحات وأن نصل إلى مرحلة الاعتماد على الذات، ولكن تراجع المنح المقدمة يشكّل تحديا رئيسيا بالنسبة لنا. وهذه مسؤولية دولية، فإذا ما نظرت إلى عدد اللاجئين الذي استقبلته أوروبا وقارنته بالدور الذي يقوم به الأردن فسيتضح لك أننا تحملنا هذا العبء نيابة عن العديد من الدول الأخرى، ولذا يجب مساعدة الأردن لأنه قام بالأمر الصحيح.

هناك البعض في الولايات المتحدة سيقول إن هناك دولا غنية في الإقليم، السعودية والإمارات مثلا، دول نفطية غنية، هل تساهمان بتقديم المساعدة؟

* نأمل بأن تقدم مثل هذه الدول المزيد. الإمارات قامت بإنشاء مخيمات للاجئين في الأردن وتقدم الدعم لهم. ونحن على اتصال مع المسؤولين لبحث إمكانية تقديم المزيد من الدعم للأردن لمواجهة هذا التحدي.

ماذا تقول لأبنائك حول المستقبل؟

* نحن نعيش اليوم في عالم مضطرب فيه أعداء يضمرون الشر لنا جميعا، ومن بينهم تحديدا هؤلاء المتطرفون الذين نسميهم الخوارج. وهذا تحد سنواجهه للأسف على امتداد 15-10 سنة القادمة.

وهذه الحرب هي حرب دولية وقد وصفتها بأنها حرب عالمية ثالثة بأدوات مختلفة، ولسوء الحظ ستمتد معنا لعقد أو عقدين من الزمن. وآمل أن يكون البعد العسكري لها سريعا وقصيرا، لكن الحرب على المستوى الفكري سيكون علينا خوضها على امتداد 15-10 سنة قادمة.

12