الملابس المستعملة موضة جديدة على بوديوم البيئة

لا تتمثل الأناقة في شراء الملابس الجديدة، التي تساهم صناعتها في اختناق البشر من التلوث. فالأناقة يمكن أن تتحقّق بملابس مستعملة، لذلك تدعو منظمة أوكسفام الخيرية إلى عدم رمي الثياب المستعملة، وتحثّ على شرائها. وقد ناصرها في ذلك العديد من مشاهير الموضة والفنّ.
لندن – يحتار المولعون بأناقتهم يوميا أمام خزانة ملابسهم ماذا سيرتدون كل صباح، ويتذمرون من أنهم لا يملكون ملابس جديدة، في حين أن الخزانة ممتلئة بثياب قد يكون بعضها لم يُستعمل بالمرة.
هذا الهوس بالأناقة يدفع بأصحابه إلى إدمان شراء الثياب، وهو ما دفع بدوره دُور الأزياء إلى ابتكار الموضة قصيرة العمر، لتحقيق المزيد من الأرباح رغم ما ينجر عنها من أضرار بيئية في صناعتها.
وأصدرت منظمة أوكسفام، وهي اتحاد دولي للمنظمات الخيرية، تقريرا يوضّح بالتفصيل شدة الأزمة المستمرة في صناعة الأزياء والموضة، هذه الصناعة التي تعدّ رائدة بانبعاثات الغازات الدفيئة عالميا.
وكشف التقرير أن أغنى 10 بالمئة من سكان العالم مسؤولون عن نحو 50 بالمئة من الانبعاثات العالمية، في حين أن نصف السكّان الأكثر فقرا مسؤولون عن 10بالمئة فقط.
وتعتمد الإحصائيات على مدى الانبعاثات المتعلقة بالملابس الجديدة، التي تم شراؤها في المملكة المتحدة.
وبهذا الصدد قال داني سريسكانداراجا، الرئيس التنفيذي لمنظمة لأوكسفام “هذه الحقائق المذهلة حول تأثير الموضة على أفقر الناس في العالم، يجب أن تجعلنا جميعا نفكّر مرتين قبل شراء ملابس جديدة. نحن في حالة طوارئ مناخية، لم يعد بمقدورنا أن نغضّ الطرف عن الانبعاثات الناتجة عن الملابس الجديدة، أو أن ندير ظهورنا لعمال صناعة الملابس، غير القادرين على تجاوز الفقر بغضّ النظر عن عدد ساعات عملهم”.
وتنتج عن شراء قميص قطني أبيض جديد كمية الانبعاثات نفسها الناتجة عن قيادة السيارة لمسافة 57 كم.
وقد أطلقت المنظمة حملة للتشجيع على شراء الملابس المستعملة والابتعاد عن تلك التي يخلّف إنتاجها آثارا سلبية على البيئة.
كما انضمّت شخصيات بارزة من أوساط الموضة البريطانية إلى هذه الحملة التي تندد أيضا بالنزعة القائمة على رمي الملابس، بحسب ما كشفت المنظمة غير الحكومية الجمعة، تزامنا مع انطلاق فعاليات أسبوع الموضة في لندن.
وقال داني سريسكانداراجا “لا يمكننا تجاهل الأثر الكبير لقطاع الموضة على البيئة، لذا يسعدنا أن نرى أنّ أوساط الموضة في لندن تدعم أوكسفام في سعيها إلى حثّ الناس على اقتناء ملابس مستعملة”.
وأعربت العديد من شخصيات بارزة في مجال الموضة عن تأييدها هذه المبادرة، وتبرّعت ببعض أزيائها.
وستطرح هذه الملابس للبيع على الموقع الإلكتروني لأوكسفام، فضلا عن موقع “فستيار كوليكتف.كوم” المتخصص في هذا المجال، والذي يضمّ أكثر من 8 ملايين عضو في 50 بلدا.
وقد تبرّعت المصممة فيفيين ويستوود بحقيبة يدوية، و المصمم هنري هولاند بأحذية.
ومن المشاركين الآخرين في هذه الحملة، عارضتا الأزياء جورجيا جاغر وستيلا تيننت والمصممة بيلا فرويد والممثلة رايتشل فايس.
وقالت المغنية بالوما فيث “أحلم بتشكيل مجموعة جديدة من الملابس من دون إلحاق أضرار بالبيئة وأنا مرتاحة البال”.
وصرّحت المصممة فيفيين ويستوود “اعرفوا كيف تختاروا، واحرصوا على أن تكون خياراتكم مستدامة ولا تشتروا الكثير من الملابس”.
وأظهرت دراسة أجرتها أوكسفام أن البصمة الكربونية للملابس الجديدة التي يتمّ شراؤها كلّ دقيقة في بريطانيا هي الأعلى من تلك الناجمة عن سيارة تجول العالم ست مرّات.
ويجري أسبوعيا التخلّص من 11 مليون قطعة ملابس في مكبّ النفايات في المملكة المتحدة. وأشار باحثون إلى أن شراء الملابس المستعملة يساعد على إبطاء دورة الموضة السريعة، الأمر الذي يمكّن من التقليل من الانبعاثات العالمية.
وقد أصبح ممكنا للذين يرغبون في التخلص من ملابسهم بيعها عبر المواقع الإلكترونية المختصة، والتي انتشرت اليوم في مختلف دول العالم، حيث يمكن للمتسوقين عبرها العثور على ما يبحثون عنه، مما يجعلها شائعة بشكل خاص بين الجيل الجديد من الشباب. ومن المتوقع أن تزداد قيمة سوق الملابس المستعملة من 24 مليار دولار في عام 2018 إلى 51 مليار دولار بحلول عام 2023.
وتواجه أسواق البيع بالتجزئة عبر الإنترنت المزيد من المنافسة مع استمرار نمو الطلب. ويعتقد كريس هومر المؤسس المشارك في موقع التجزئة على الإنترنت “ثريد آب”، أن المتاجر عبر الإنترنت يجب أن تكون مبدعة، كي تتمكن من الحفاظ على رضا العملاء ومشاركتهم المتواصلة.
وتنمو صناعة الأزياء المستعملة بمعدل 21 مرة أسرع من الموضة الجديدة، حيث يستقبل موقع التجزئة على الإنترنت “ثريد آب” حاليا مليون قطعة ملابس مستعملة يوميا. ولدى إدارة الموقع خطط كبيرة للتوسّع.
ورصدت مجلة فوغ زيادة كبيرة في متاجر أنستغرام، المخصّصة لبيع الملابس المُستعملة والعصرية، حيث يُعاد تصنيع سترة أو لباس قديم بطريقة عصرية جديدة، وهو ما يوفّر المال للمستهلك والتّجار وصاحب القطعة القديمة
وانتشرت أيضا طريقة جديدة تمامًا لتجارة الملابس للمتسوّقين،عن طريق تبديل ملابسهم مع بعضهم البعض، دون دفع أيّ مبالغ إضافية، وهو ما يضمن أزياء جديدة للطّرفين.
ويقول محللون “أصبحت فرصة شركات بيع المستعمل تزيد يوما بعد يوم في الاستحواذ على جانب كبير من سوق الملابس”. وأضافوا “خزانة الملابس ستبدو مستقبلا مختلفة تماما عن خزانة اليوم، حيث إننا شهدنا خلال عشر سنوات فقط تحوّلا جذريا في كيفية تسوق الناس وشراء الملابس. ونعتقد أن هذا التحوّل سيستمر”.