المغرب ينجح في تحويل أفريقيا إلى عمق إستراتيجي لقضية الصحراء

التنسيق بين الدبلوماسية الرسمية والبرلمانية في أفريقيا خيار إستراتيجي يعزز دعم موقف المغرب في قضية الصحراء.
الجمعة 2025/05/02
اختراقات مغربية في أفريقيا تعزز مواقفه من قضية الصحراء

الرباط - في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية تكتسب أفريقيا أهمية إستراتيجية في السياسة الخارجية المغربية. تحت التوجيهات الملكية، أصبحت الدبلوماسية المغربية تتوسع لتشمل الجوانب الروحية والاقتصادية والأمنية.

وقد سلطت ندوة علمية بكلية أيت ملول الضوء على دور الدبلوماسية البرلمانية في دعم قضية الصحراء المغربية، مشيرة إلى أهمية التنسيق بين الدبلوماسية الرسمية والبرلمانية في إطار دستور 2011 لتعزيز موقف المغرب على الساحة الدولية.

وفي ظل التحولات الجيوسياسية التي يعرفها المحيط الإقليمي والدولي، تزداد أهمية البعد الأفريقي في السياسة الخارجية المغربية، كخيار إستراتيجي راسخ تجسد على أرض الواقع من خلال التوجيهات الملكية المتواصلة، التي جعلت من أفريقيا فضاءً متعدد الأبعاد لممارسة دبلوماسية مغربية متجددة، تستند إلى الروابط الروحية والاقتصادية والأمنية والسياسية.

محمد الشيخ بانن: الحق في التنمية يجب أن يشكل المرجعية الكبرى لفهم طبيعة النزاع حول الصحراء
محمد الشيخ بانن: الحق في التنمية يجب أن يشكل المرجعية الكبرى لفهم طبيعة النزاع حول الصحراء

ويبدو أن هذه الرؤية ليست فقط تحركا دبلوماسيا رسميا تقوده الدولة، بل أصبحت كذلك موضوعا متزايد الحضور في النقاش الأكاديمي، كما ظهر في الندوة العلمية التي نظمت بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأيت ملول، حيث شكل مؤلف الدكتور محمد لكريني حول “الدبلوماسية البرلمانية وقضية الصحراء المغربية” منطلقا لمقاربة علمية تحليلية لقضية الصحراء في ظل التحولات الراهنة التي تعرفها القارة الأفريقية.

وسلط هذا اللقاء، الذي جمع خبراء وأكاديميين في القانون والعلاقات الدولية، الضوء على أهمية الدبلوماسية البرلمانية كأحد تجليات الدبلوماسية الموازية، في ظل دستور 2011 الذي وسّع من صلاحيات المؤسسة التشريعية وجعلها فاعلا مشاركا في الدفاع عن القضايا الحيوية، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية.

واعتبر الأستاذ محمد الشيخ بانن أن الحق في التنمية يجب أن يشكل المرجعية الكبرى لفهم طبيعة النزاع حول الصحراء، داعيا إلى ضرورة وجود نخب سياسية مؤهلة قادرة على الترافع بفعالية في المحافل الدولية.

ومن جانبه، شدد الأستاذ إبراهيم كومغار على أن تحديث الأنظمة الداخلية للبرلمان، خاصة بعد دستور 2011، كان له دور أساسي في توسيع مجال التحرك البرلماني في الساحة الدبلوماسية.

غير أن هذا التوجه لم يخلُ من أسئلة نقدية، كما عبّر عنها الأستاذ رضا الفلاح الذي أثار إشكالية غياب تقييم موضوعي وعلني لمدى تأثير الدبلوماسية البرلمانية على مواقف الدول من قضية الصحراء.

وبالرغم من أن البرلمان تمكن من بناء شبكة مهمة من مجموعات الصداقة وتبوأ مواقع قيادية في المنتديات الأفريقية، إلا أن التواصل الإعلامي والتوثيق العملي لهذه الإنجازات يظلان محدودين، ما يطرح تحديا على مستوى الشفافية والتأثير.

وفي المقابل، تؤكد الممارسة الدبلوماسية الملكية أن المغرب استطاع إحداث اختراقات عميقة في المواقف الأفريقية تجاه قضية الصحراء، تجلت في فتح قنصليات بعدد من الدول الأفريقية في الأقاليم الجنوبية، وربط علاقات سياسية واقتصادية جديدة مع دول كانت سابقا متحفظة أو معادية.

وهذا ما أكده الأستاذ محمود العلاوي، الذي تساءل عن طبيعة الدبلوماسية البرلمانية ومدى فعاليتها، مبرزا ضرورة تجاوز البعد البروتوكولي نحو دبلوماسية حقيقية تعتمد الحجج، وتستثمر الزخم السياسي والتاريخي للمغرب في القارة.

محمد لكريني: تعقيد القضايا الدولية وتعدد الفاعلين يفرضان انفتاحا على قنوات بديلة للدبلوماسية التقليدية
محمد لكريني: تعقيد القضايا الدولية وتعدد الفاعلين يفرضان انفتاحا على قنوات بديلة للدبلوماسية التقليدية

وفي تحليل معمق للواقع الدبلوماسي البرلماني، أشار الدكتور محمد لكريني إلى أن تعقيد القضايا الدولية وتعدد الفاعلين يفرضان انفتاحا على قنوات بديلة للدبلوماسية التقليدية، خصوصا في ظل تشابك الأزمات. كما لفت إلى أن نجاح هذه المقاربة يقتضي انسجاما بين المؤسسات، وتفعيلا حقيقيا للمنهج التشاركي المنصوص عليه في دستور 2011.

ومن الزوايا التحليلية المثيرة، قدم الأستاذ زهير لعميم قراءة سيميائية لغلاف كتاب لكريني، رابطا بين الرمزي والتنموي في تصور قضية الصحراء، فيما ركز الأستاذ البشير أبولاه على أهمية تأسيس إطار أكاديمي وهيكلي داعم للدبلوماسية البرلمانية، مثل المعهد المغربي للتكوين والدراسات الدبلوماسية، لتمكين النخب من أدوات الترافع والتأثير. كما شدد على ضرورة التنسيق بين الدبلوماسيتين الرسمية والموازية لتحقيق اختراقات دائمة.

وأما الأستاذ عبدالواحد ولاد مولود فقد قدّم قراءة جيوسياسية لتطورات النزاع المفتعل حول الصحراء، مبرزا أهمية عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في سياق إستراتيجي لمحاصرة خصوم الوحدة الترابية، واسترجاع المواقع التي فُقدت بسبب الانسحاب السابق من منظمة الوحدة الأفريقية.

ويبرز هذا النقاش العلمي عمق التحول في تعاطي المغرب مع قضاياه الحيوية، لاسيما من خلال تفعيل أدوار الفاعلين غير الحكوميين والمؤسسات المنتخبة. فالرهان اليوم لا يقتصر على الدفاع عن قضية الصحراء داخل أروقة الأمم المتحدة، بل يتسع ليشمل الجبهات الأكاديمية، والبرلمانية، والإعلامية، والدينية، في تلاق مدروس بين مكونات الدولة والمجتمع.

ومن هنا تكتسب الدبلوماسية البرلمانية مكانة متقدمة كأداة داعمة للدبلوماسية الرسمية، شرط تطوير آلياتها، وتقييم نتائجها، وربطها بشبكة مؤسساتية قادرة على التفاعل مع التحولات الدولية والأفريقية المتسارعة.

اقرأ أيضا:

المغرب يعيد تشكيل التوازن الاجتماعي عبر إصلاحات شاملة

7