المغربي عبدالكريم الوزاني يواصل تشييد مدينته السحرية رسما ونحتا

طنجة (المغرب)- يقدّم التشكيلي والنحات المغربي عبدالكريم الوزاني، المدير السابق لمعهد الفنون الجميلة بتطوان، أمام محبي الفن والثقافة بمدينة طنجة المغربية آخر أعماله الفنية الغنية بالألوان والمختلفة من حيث الأشكال والثيمات التي أنجزها سنة 2021.
وقال الوزاني عن معرضه الجديد المقام حاليا برواق “كينت” بطنجة، والذي عنونه بـ”طبيعتي”، “هو ثمرة عمل واجتهاد امتد على طول سنة 2021، وأروم من خلاله إبراز شخصيتي الفنية المتراكمة، وتعبيرا عن نظرتي للأشياء التي تجاورني وأحس بها في الحياة”، مبرزا أنه يترك لزائر المعرض المستمر حتى السابع عشر من فبراير 2022 حقّ تحليل وقراءة أعماله الفنية بنظرة نقدية شخصية.
ويؤكّد الفنان المغربي المخضرم أن مجسماته ولوحاته، التي تتميّز بفورة ووفرة الألوان والتشخيصات، تحتمل العديد من القراءات وتجعل المتتبّع منبهرا ومنجذبا أمام هذا الزخم التعبيري وتدفعه إلى الاجتهاد الفني لاستخلاص المضامين والتعبيرات التي تحتويها أعماله بمرحها وهلعها.
وقالت عزيزة العراقي مفوضة رواق “كينت” إن المعرض يقدّم إبداعات متنوعة ومثيرة تعكس شخصية الفنان التي لا تحاصرها الضوابط الفنية المعهودة والكلاسيكية بمخلوقاته الغريبة التي تنبض بحيوية خاصة تجلب إليها الناظر وتدفعه إلى محاولة استجلاء المعاني.
ورأت العراقي أن المشهد الفني للوزاني الذي يعدّ أحد أبرز رموز التعبير الفني الحر في المغرب، يجمع بين شخصيات قد لا تلتقي منطقيا في الواقع لكنها تبدو متجانسة في معروضاته، وهي تقدّم بهلوانيين وهم يمشون على حبل مشدود وزرافات هلامية، وديناصورات على عجلات وغيرها من التعبيرات التي تجعل من الوزاني فنانا متفرّدا.
![]() |
![]() |
مجسمات ولوحات تتميز بفورة ووفرة في الألوان والشخوص |
وتتميّز أعمال الوزاني النحتية بإيقاعات حلزونية بسيطة يقول إنها موجهة للصغار كما للكبار، لأن “كل إنسان يحوي في أعماقه طفلا يتوق للفطرة ويحن إلى طبيعته الأولى ويسافر إلى عالم عجائبي تختلف مقارباته ويشكّل العمق الإبداعي الإنساني الحقيقي”.
هكذا وبخفة روح طفولية يبني الوزاني منحوتاته الملونة، منحوتات تصغر حتى تكاد تغدو لعب أطفال ينصبها في الفضاء، وتكبر وتتعالى حتى تغدو أشبه بأرجوحة، ليمنح المتابع لمساره الفني الممتد لأكثر من أربعة عقود كيانات فاتنة تترجم عالمه المرئي، وتزجّ بالمتلقي في مكونات محيطه المحلي والعالمي أيضا لتعيد خلقه له أمامه بمزيج من الدهشة والمرح والفتنة.
منحوتات ترفل بالكائنات، من ورود وأسماك وأشجار، تكاد تنبع من أيادي طفل لم يجد أمامه غير أسلاك الحديد والخرق والألوان كي يشكّل بها تلك الكائنات.
ويعترف الوزاني “ألتقط لحظاتي النحتية من محيطي المباشر، حيث نموت في حضن مدينة تطوان العريقة وأنا شاب، وتشبّعت حواسي بما أنتجه فنانوها المتخرجون من مدرسة الفنون الجميلة”.
ومن فضائل المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان أن أساتذتها وفنانيها يتقنون الرسم وينتمون جماليا للتقاليد الإسبانية، ولئن كان الكثيرون منهم قد انساقوا إلى الواقعية الفنية بمجمل أنواعها، فإن البعض الآخر منهم قد اختار ارتياد التجريب، في منزلة بين التشخيص والتجريد والتعبيرية والهندسية. بيد أن تجربة الوزاني انزاحت منذ البداية عن كل هذا باحثة عن تميّز من نوع آخر، يستبطن في الذات تلك الفرحة الطفولية بالرسم، جاعلة من الممارسة النحتية والتشكيلية لعبة طفولية مشحونة بالانفعالات.

عبدالكريم الوزاني: ألتقط لحظاتي النحتية من محيطي، وأستلهم لوحاتي من طفولتي
وعلى عكس العديد من الفنانين التشكيليين العالميين الذين يستعملون كل التلوينات في إبداعهم التشكيلي، يرى الفنان المغربي على خلاف أقرانه من شمال المغرب الذين اتجهوا إلى المدارس الإسبانية، أن الملونات الطبيعية كالشاي والزعفران وغيرهما كثير ومختلف، لم توجد إلاّ لتعطي نكهة للطعام وليس لتلوين الأعمال الفنية، وهو أمر حيّر متتبعي إبداعاته، على اعتبار أنه وجه اختياراته الإبداعية منذ الوهلة الأولى نحو الطبيعة، إلاّ أن ذلك يقتصر عنده على الغاية التعبيرية ولا يصل إلى إشراك الطبيعة في رسوماته خاصة.
ومع ذلك لا فرق لدى الوزاني بين الرسم والنحت والتشكيل، فالعمل الفني لديه جمّاع لكل هذا وذاك في حركية تشي بالبساطة والتعقيد في آن واحد. ووفق هذا المزيج بين التشكيل والرسم والنحت ينفلت العمل الفني من أحكام التصنيف، ليكرّس من خلالها مجتمعة تميّزه وفرادته، حيث لا يمكن أن تُرى لوحة أو منحوتة له من غير أن يُعرف المتابع الحصيف للشأن التشكيلي المغربي أنه صاحبها للتوّ.
ويوصف الوزاني بـ”شاعر الألوان”، وهو التشكيلي الذي تفنّن في المزج بين الواقع والمتخيل بقوة تعبيرية روّضت الألوان بلمسات شعرية مرئية قلّ نظيرها.
وبنفس الاهتمام والجهد الفني احتضن الوزاني جيلا كاملا من الفنانين أضحت لهم بصمات واضحة في مسار التشكيل المغربي، بعد توليه إدارة المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان سنة 1998، وحتى تقاعده.
ويؤكّد الفنان التطواني بوزيد بوعبيد الذي رافق الوزاني طيلة مساره الفني أنه ورغم ما بلغه من مستوى عالمي وحظي بتقدير وتكريم داخل المغرب وخارجه، منها حصوله على وسام الجمهورية الفرنسية من درجة فارس ووسام المملكة البلجيكية من درجة فارس أيضا، “إلاّ أن همته لم تفتر في مواصلة مهام تربية الأجيال، والرغبة في اكتشاف جديد الفن التشكيلي على مستوى آليات الإبداع والتجديد”.
ويعود ذلك للوزاني نفسه الذي كان ولا يزال يرى أن الفن التشكيلي شأنه في ذلك شأن كل الأشكال الإبداعية الإنسانية “عالم مرئي وفلسفي متحوّل لا يفتر عطاؤه ولا يمكن الإحاطة بكل جوانبه، خاصة وأنه يستحيل اختزال الفن التشكيلي في المدارس المعروفة على اعتبار أن حدود الفن أوسع من أن تؤطّر في ممارسات إبداعية محدودة العوالم والآفاق”.
وضمن هذا السياق، يعتبر الفنان/ المعلم عبدالكريم أن “الديبلوماسية الفنية لا تقل أهمية عن باقي الممارسات الديبلوماسية المؤسساتية والبرلمانية والجمعوية لخدمة المغرب وتعزيز حضوره الدولي”، معتبرا أن الاهتمام بالشباب في المجال الفني التربوي هو اهتمام بحاضر ومستقبل المغرب وهو واجب وطني قبل أن يكون فنيا.
واستطاع الوزاني الذي ولد بتطوان في العام 1954، ودرس بمدرسة الفنون الجميلة بمسقط رأسه وفي باريس أيضا، أن يبتكر جغرافيا سحرية في الفن التشكيلي الحديث بالمغرب، تتمثل في روح طفولية عجيبة تسكن منحوتاته ولوحاته بعوالم استثنائية وألعاب مستقبلية لا مثيل لها إلاّ في رؤوس أطفال سعداء يلعبون بمتعة خالصة في برية البشرية المطلقة، إذ يستعمل الفنان لخلق هذه العوالم الاستثنائية المعدن والجبص اللذين يلبسهما طبقة سميكة من الأكريليك، ممّا يضفي على منحوتاته حركية قوية تذهب بالمشاهد بعيدا في تجاويف ذاكرة بيضاء تنعشها فرحة الحركات الأولى التي يقوم بها الطفل تلقائيا لاكتشاف دوار العالم اللذيذ.

مخلوقات غريبة تنبض بحيوية خاصة