المعلن والمضمر من أهداف حرب غزة

ها هي ذي الحربُ تجاوزت يومها المئة وما تزال دبّابات الميركافا عُـرْضَةً للنسف والاستهداف وما تزال الفرق العسكرية الإسرائيلية تتقدّم فتتراجع ثم تتقدّم فتتراجع وما تزال الطائرات تقصف المنازل.
السبت 2024/01/20
للحرب أهداف أخرى

لكلّ حرب أهداف، منها المُعلن والمُضمَر. أمّا أهداف الكِيان الصهيوني المُعلَنة فهي ما صرّح به بنيامين نتنياهو غداةَ “طوفان الأقصى”، وما يزال يصرّح به الناطق باسم جيش الاحتلال: تدمير القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، وإعادة الرهائن المحتجزين. فها هي الحربُ بين هذا الجيش الذي قيل عنه إنّه من أعتى الجيوش، مدعوما من مختلف الدوّل “العظمى”، ضد فصائلِ المقاومة برجالها الذين يخوضون المعارك مرتدين بدلات الرياضة ومسلّحين بمعدّات أغلبها صُنِعَ في فلسطين.

ها هي ذي الحربُ تجاوزت يومها المئة، وما تزال دبّابات الميركافا عُـرْضَةً للنسف والاستهداف، وما تزال الفرق العسكرية الإسرائيلية تتقدّم فتتراجع ثم تتقدّم فتتراجع، وما تزال الطائرات تقصف المنازل والمستشفيات، في حين أنّ الرشقات الصاروخية ما تزال تقضّ مضجع الأراضي المُحتلة بحكومتها ومستوطنيها.. فما المُقاومةُ أُضعِفت، وما الرهائن استرجعوا، والأنكى من ذلك أنَّ منهم من لقي حتفه بنيران صديقة نتيجة التخبّط الناجم عن الاندفاع الغاضب الأعمى!

بيد أنّ للحرب أهدافا أخرى – كما قُلنا – مُضمرة.

هدف إسرائيلَ الجوهري إنما هو تأمين “الممتلكات” والأفراد ضد أيّ خطر آني أو مستقبلي. بيد أن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقّقَ وقطاع غزة والضفة الغربية يعجان بالأصوات المناوئة لإسرائيل، المنادية بالحرية، أو – على الأقل – الرافضة لسياسة الاستيطان والتهويد، والمنادية بحق فلسطين في دولة مستقلّة كل الاستقلال عاصمتُها القدسُ. زد على ذلك أنّ لُعاب الكيان الصهيوني يسيل على خليج غزة بعدما أُقرّ أنَّ فيه حقولَ نفط، تقول التقديرات إنّ عائداته قد تتجاوز الثلاثة مليارات دولار سنويا.

هدف إسرائيلَ الجوهري إنما هو تأمين "الممتلكات" والأفراد ضد أيّ خطر آني أو مستقبلي. بيد أن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقّقَ وقطاع غزة والضفة الغربية يعجان بالأصوات المناوئة لإسرائيل، المنادية بالحرية

وعليه، فإن قطاع غزة عائق يحول بين الكِيان وأمنه، وبينه والثروات الثاوية في بحر غزة. فإنْ أراد استغلاله كما بدأ التنقيب والاستغلال بعد ترسيم الحدود مع لبنان، فإنه يحتاج هناك إلى أكثر من عملية ترسيم للحدود، فذلك الخليج جزءٌ لا يتجزأ من غزة وبالتالي فإن تملّكَهُ يقتضي احتلالَها، أو احتلال جزء منها، مما يطرح مشكلة مواجهة الغزيين والفلسطينيين كلِّهم.

وهكذا، فإذا نظرنا إلى القصف المتواصل على غزة وعدد الضحايا بين شهداء ومصابين (نحن اليوم على مشارف 24000 قتيل و60000 جريح)، وإلى الحصار ومنع تدفق المساعدات من طعام وأغطية وماء ودواء، فإننا نفطن بأن ذلك كلّه يهدف إلى إبادة الشعب الفلسطيني في غزة بغية تحقيق ذلك الهدف المُضمر الذي يصير مُعلنا بين فترة وأخرى.

لنتذكرّ أنّ الإسرائيليين أمروا سكان غزة بالتوجه نحو رفح، وأنّهم في الوقت عينِه اقترحوا على مصرَ استقبالَهم في سيناء، وبالمقابل، وعدوا هم والأميركيون، بمساعدة مصرَ في بناء مساكن تؤوي هؤلاء النّازحين المُرَحَّلين. فرفضت مصر، قائلة بأن ذلك مسألة تدخّل في “أمنها القومي”.. ففشلت الخطوة، وفي انتظار حلّ آخر تواصلَ القصف حتى في المناطق التي قالوا إنها آمنة، وانتُهكت حرمة المنشآت المحرّم استهدافها من طرف القانون الدولي (المساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس والجامعات والمؤسسات الأممية التي تؤوي النازحين) مما حوّل غزة إلى منطقة منكوبة تنعدم فيها سبلُ الحياة وتتربص بها المجاعة.

ثاني الحلول التي بزغت في مخيّلة ساسة الكِيان هو البحثُ عن دولة أخرى (غير دول الجوار) تؤوي الغزّيين. فطرحت أسماءُ تشاد ورواندا والكونغو لكن سرعان ما طُمِست هذه النيّة بعد الدعوة التي رفعتها جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية والتي تتهم فيها الدولةَ العبريةَ بارتكابها جريمة الإبادة الجماعية، وبعدما تصاعدت حدّة الاحتجاجات في العالم قاطبة والتي أثبتت أنّ صورةَ إسرائيل باتت عند الرأي العام والمجتمع الدّوليين صورةَ الدولة الغاصبة لحقّ شعب بأكمله في الحياة والاستقرار.

لكن بالرغم من ذلك فإن الجيشَ المُحتلّ ما يزال على نهجه سائرا يقصف بآلاف الأطنان من المتفجّرات قطاعَ غزة، وما تزالُ المُساعدات ممنوعا دخولُها، وما تزال شروطُ الحياة تشتد،ّ وبالتالي فإن نشدانَ تحقيق الهدف المُضمر ما يزال حاضرا تحت يافطة الهدف المعلن.

9