المعركة الخاسرة للسامبا
هل ينجح المنتخب البرازيلي في قلب الطاولة على الجميع ضمن منافسات كأس أميركا الجنوبية “كوبا أميركا” ويضمن مقعد البطل، والحال أنه سيلعب بقية مبارياته في البطولة دون نجمه الأول والأوحد نيمار؟
سؤال بديهي طرحه الجميع مباشرة بعد قرار لجنة الانضباط صلب الاتحاد الأميركي الجنوبي لكرة القدم بإبعاد نيمار عن المباريات الرسمية لمدة أربع مباريات، بعد حادثة الشجار التي كان نيمار بطلها الأول في نهاية المقابلة الماضية ضد كولومبيا. فكيف لمنتخب “السامبا” أن يواصل مسيرته في هذه البطولة دون نجمه الأول وهدافه المتألق؟
ربما يبقى دونغا مدرب المنتخب البرازيلي المخول الوحيد في هذه المرحلة القادر على الإجابة، بما أنه يدرك جيدا حقيقة إمكانات نيمار وكذلك بقية اللاعبين الذين اختارهم للمشاركة في هذه البطولة.
فالمدير الفني لمنتخب البرازيل يعرف جيدا كم هو صعب للغاية أن تخسر جهود نيمار، وكم هو صعب أن تصبح آمال منتخب برازيلي معلقة على لاعب واحد، ويدرك أيضا أن اختيار كوتينهو “المغمور” لتعويض نيمار في بقية مباريات البطولة هي بمثابة الامتحان الأكثر صعوبة سواء للاعب كوتينهو أو لدونغا ذاته، لمعرفة مدى قدرته على التعامل مع غياب أفضل لاعبي تشكيلته في المنتخب البرازيلي.
حديثنا عن نيمار ومدى تأثير غيابه على المنتخب البرازيلي، ربما ينبع من حادثة مريرة عاشها الشعب البرازيلي بأعين باكية ودموع غزيرة نزلت ذات ليلة بائسة منذ عام بالتمام والكمال.
ففي مونديال 2014 الذي أقيم في البرازيل كان جميع أفراد هذا الشعب يمنّي النفس بتجديد العهد مع لقب كأس العام الذي غاب منذ سنة 2002، وكان نيمار هو أمل الجميع وملهمهم لتحقيق هذا الحلم.
ومع ذلك تحولت كل تلك الطموحات والآمال والأحلام إلى كوابيس في الدور نصف النهائي، عندما انحنت البرازيل بأسرها تبكي أمام المنتخب الألماني الذي ضرب بقوة وأمطر شباك منتخب البلد المنظم بسبعة أهداف كاملة سيخلدها التاريخ.
تلك الخسارة أعادها عدد كبير من أحباء منتخب “السامبا” إلى غياب نيمار عن تلك المواجهة “المشؤومة”، والسبب في ذلك يعود إلى تعرضه لإصابة حادة على مستوى الظهر في مباراة دور الثمانية ضد المنتخب الكولومبي.
ففي تلك المباراة التي كانت تسير في اتجاه منح المنتخب البرازيلي بطاقة العبور إلى الدور نصف النهائي، تعرض الفتى الذهبي لـ”السامبا” إلى تدخل عنيف من اللاعب زونيغا مدافع المنتخب الكولومبي، فخرج نيمار باكيا قبل أن يتأكد من غيابه عن المباراة المقبلة ضد المنتخب الألماني.
لقد تأثر المنتخب البرازيلي آنذاك بإصابة نيمار حتى أن بعض زملائه بكوا كثيرا بعد رؤيته بلا أيّ حراك، عندما تم نقله عبر طائرة خاصة إلى إحدى المستشفيات لعلاجه من تبعات الإصابة الحادة، وبلغ التأثر ذروته خاصة بعد بعض التصريحات المتضاربة التي تشير إلى أن نيمار قد لا يعود للعب مجددا بسبب الاصطدام الهائل الذي حصل له على مستوى عموده الفقري.
إذن غاب نيمار ولم يقدر لويس فيلب سكولاري مدرب المنتخب البرازيلي آنذاك على إيجاد البديل المناسب والقادر على تعويض نجم البرازيل الأول، غاب نيمار وغابت معه الروح البرازيلية العالية لينحني منتخب “السامبا” بسباعية كاملة في لقاء الدموع.
اليوم وبعد عام كامل يتجدد السيناريو بنفس الأبطال والشخوص لكن بإخراج جديد، فنيمار لم يتعرض لإصابة هذه المرة في مواجهة المنتخب الكولومبي، لكنه تعرض للإقصاء مباشرة بعد نهاية المباراة إثر مشادة كلامية و”معركة” مع المهاجم باكا، وسيكون المنتخب البرازيلي في كل الأحوال هو الخاسر الأكبر والأول في هذه المعركة، بما أنه سيفقد جهود هدافه الأول في أربع مباريات رسمية، أي أن نيمار لن يتمكن من المشاركة في “كوبا أميركا” الحالية حتى وإن بلغ منتخب بلاده النهائي.
نيمار غادر في مونديال 2014 فخرجت البرازيل من الباب الخلفي، واليوم خرج هو من الباب الخلفي بعد إقصائه بطريقة “مذلة”، فكيف سيتعامل منتخب “السامبا” مع بقية المباريات في ظل غياب هدافه الأول؟
المعادلة تبدو قاسية وصعبة للغاية على هذا المنتخب، بل لنقل على الكرة البرازيلية بأسرها التي بدأت منذ سنوات تخسر أحد أهم مقوماتها ونقاط قوتها والتي جعلت منها “سيدة” كرة القدم في العالم.
هذه القيمة المفقودة تتمثل ببساطة في أن البرازيل لم تعد “ولاّدة”، ولم تنجب منذ سنوات لاعبين أفذاذا في مستوى النجوم القدامى الذي صنعوا تاريخ الكرة البرازيلية وأمجادها، على غرار جيل 2002 الذي ضم نجوما ذهبية “عيار 24” مثل رونالدو ورونالدينهو وريفالدو وروبيرتو كارلوس وكافو.. فأين المنتخب البرازيلي اليوم من كل هذا؟
كاتب صحفي تونسي