المطلوب وقف الاستيطان لا استئناف المفاوضات
كان هدف القيادة الفلسطينية من وضع الملف الفلسطيني في عهدة مجلس الأمن هو سحبه إلى الضوء من العتمة والتجاهل اللذين يحيطان به. كان الهدف هو إعلاء صوت الاحتجاج على ما تقوم به الدولة الصهيونية من تغيير متواصل للواقع الديمغرافي في الأراضي الفلسطينية عبر توسيع الاستيطان بوتيرة متسارعة.
لا يأمل المرء العاقل أن يقود ذلك إلى أي حل للقضية الفلسطينية، ناهيك عن حل عادل، فليست أروقة الأمم المتحدة، التي تخضع لتوازنات دولية دقيقة وغير منصفة أبداً، هي المكان المناسب لحل القضية الفلسطينية.
فالأمم المتحدة التي ظلت أربعة أعوام مكتوفة الأيدي حيال المسألة السورية، وعاجزة عن حماية السوريين ومنع اقتلاعهم من أرضهم، حريّ بها أن تكون أكثر عجزاً في السياق الفلسطيني. وقياسا على ذلك، ففي حين شكلت روسيا والصين حجر العثرة أمام أي مشروع قرار ملزم لتسوية عادلة للحرب في سوريا، يبدو المشهد فيما يخص القضية الفلسطينية شديد التعقيد.
تدعم بعض الدول الأوروبية توجه الفلسطينيين إلى مجلس الأمن، لكنه دعم بعيد جدا عن أن يكون مبدئياً وعادلاً وغير مشروط. تلك الدول التي تصنّف بأنها متعاطفة مع حقوق الفلسطينيين، قادت على مدار اليومين الماضيين عملية إدخال تعديلات على مشروع القرار الأردني الذي تم تقديمه إلى مجلس الأمن.
تعديلات تنتقص بمجملها من حقوق الفلسطينيين، المنقوصة، أساسا، بمجرد توجه محمود عباس إلى الأمم المتحدة وهو يعترف بدولة إسرائيل وينوي تقاسم مدينة القدس معها. لكن الأوروبيين عملوا بهدوء على دفع الفلسطينيين إلى سخاء أكبر، إذ يأملون منهم تقاسم ذلك الجزء من عاصمة الدولة الموعودة، أي القدس الشرقية، مع الدولة الصهيونية.
كانت غاية التعديلات الأوروبية هي تجاهل الإقرار بالقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية الناشئة، حيث جرى التعديل لتكون القدس عاصمة للدولتين. وهو ما يفتح الباب أمام سيطرة إسرائيل على القدس الشرقية.
تحاول السلطة الفلسطينية إبقاء الضوء مسلطا على الأراضي الفلسطينية التي تتعرض لسرقة يومية على مرأى من العالم. من هنا كانت أهم أسباب هذا التحرك هو وضع سقف زمني لإنهاء الاحتلال في نهاية عام 2017، بحيث تكون فترة تفاوضية لمدة 12 شهرا، وبعدها عامان لتفكيك البنية التحتية للاحتلال. فيما يريد المجتمع الدولي تكريس القرار إلى غاية مختلفة وهي “استئناف المفاوضات”.
لسان حال المجتمع الدولي يقول إن المهم هو عودة المفاوضات التي ستؤدي، عاجلا أم آجلا، إلى إنهاء الاحتلال، فيما يشرح الفلسطينيون الذين خبروا المفاوضات جيداً بأن أي عملية تفاوض غير ملزمة للجانب الإسرائيلي بإنهاء الاحتلال ضمن جدول زمني محدد، سوف تساهم في قتل ما تبقى من أمل في إقامة دولة فلسطينية.
ليست المشكلة في أن المفاوضات متوقفة، إذ ليس في نية الدولة الصهيونية الاعتراف بوجود دولة فلسطينية ولا في نية الفلسطينيين تقديم تنازلات جديدة.
المشكلة الجوهرية هي في أن الاستيطان مستمر بوتيرة جنونية. وعليه، لا يبدو “استئناف المفاوضات” ملحاً بالنسبة إلى الفلسطينيين، بقدر ضرورة كبح جماح تمدد الدولة الصهيونية على أراضي الضفة الغربية.
ورغم أن الجميع يدرك خطورة هذا التوسع الاستيطاني لكن التحركات لإيقافه تبقى محدودة. ربما أهمها اتساع حدة النقد الأميركي، فضلاً عن قيام الاتحاد الأوروبي بمقاطعة منتجات الشركات الإسرائيلية التي لديها مشاريع في الأراضي الاستيطانية، وذلك بعد قرار بريطانيا وضع لصاقة خاصة على منتجات المستوطنات التي تباع في أسواقها. يبدو ذلك بمثابة سقف المواجهة بين المجتمع الدولي والاستيطان. وعليه، فإن أي عملية لنقل المواجهة إلى مجلس الأمن سوف تقابل بالفيتو الأميركي أولا، وبالضغوط الأوروبية التي تحاول إقناع الفلسطينيين بتخفيض سقف مطالبهم ثانياً.
وكم هي مطالب “مرتفعة” تلك التي تنادي بها السلطة في الضفة الغربية، وقد تخلت عن جل الأراضي الفلسطينية في إطار حل سياسي، هو حل الدولتين، يسقط قضية اللاجئين الفلسطينيين، فهؤلاء الذين انتزعوا من أراضيهم لا مكان لهم في دولة محدودة الموارد، تتقلص مساحتها بصورة يومية.
لا تريد الدولة الصهيونية إقامة أي دولة فلسطينية على أي قطعة أرض في فلسطين. يبدو ذلك واضحاً من سلوكها الاستيطاني الإجرامي المتصاعد. وحتى من رؤيتها للدولة الفلسطينية المأمولة، إذ تضع شروطاً تجعل قيامها مستحيلا. على سبيل المثال ترفض إسرائيل، في حال تم التوصل إلى إقامة دولة فلسطينية، أن تفكك الكتل الاستيطانية في أراضي تلك الدولة، تريدها كتلا دائمة هناك، وهي تقوم بتوسيعها انطلاقاً من ذلك. كما ترفض أي نفوذ فلسطيني على القدس الشرقية، وتريد كل القدس، شرقية وغربية، عاصمة لدولة إسرائيل.
انطلاقا من ذلك، يبدو واضحا أن إسرائيل تريد ابتلاع الضفة الغربية كاملة غير منقوصة، وهي تراهن على عامل الزمن لتحقيق ذلك. لم لا، فالاحتلال الصهيوني ورغم أنه الاحتلال الوحيد المتبقي في العالم، لكنه، وكما وصفه كثيرون، يبقى الاحتلال “الأقل كلفة” في التاريخ. لا ثمن حقيقيا يتكبده الاحتلال جراء ممارساته الإرهابية وتشريد السكان منذ سبعة عقود.
وعليه، فإن مهمة الفلسطينيين والعرب، وكل المتضامنين مع قضيتهم العادلة، هو أن يجعلوا الاحتلال مكلفاً، بكل الطرق والوسائل المتاحة.
كاتب فلسطيني سوري