المطاعم تُعيد اختراع تجربة تناول الطعام بعد العزل الكبير

كيف ستُكيّف المطاعم نفسها لحماية الناس من تفشي فايروس كورونا.
السبت 2020/06/06
حفظ الصحة مقدّم على ملء البطون

يعتبر قطاع المطاعم من بين القطاعات الأكثر تضررا من تفشي فايروس كورونا، حيث سجلت انخفاضا ملحوظا في الزبائن وتناقصا في الطلبات يوما بعد يوم. وعند النظر إلى احتياطات السلامة التي سيتم تطبيقها يبدو أن تجربة تناول الطعام في المطاعم بعد انتهاء العزل الكبير ستكون مختلفة تماما عما كانت عليه قبل فترة انتشار الوباء.

لندن - هل اشتقت للمطاعم في ظل الالتزام بالتباعد الاجتماعي؟ أنت لست وحدك. فلطالما مثلت المطاعم والمقاهي متنفسا للناس، ليس لتذوق الطعام فحسب بل للتلاقي أيضا، لكن هذه الأماكن القائمة أصلا على فكرة الاختلاط تواجه تحديات كثيرة، فقد غيّرت جائحة فايروس كورونا مشهد المطاعم بشكل كبير.

السلامة أولا

رغم الحماس الواضح على العاملين في قطاع المطاعم للعودة إلى العمل، إلا أن لا فكرة مكتملة لديهم عن طريقة إدارة أعمالهم. ويطرح كثيرون سيناريوهات عديدة. ويجمع أصحاب مطاعم على أن “سلامة وصحة الضيوف والموظفين أولوية قصوى”.

وفي تونس شهد شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة والأنهج المحاذية له والمتفرعة عنه الخميس حركية كبرى بعد عودة المقاهي والمطاعم للعمل وفق مقتضيات الحجر الصحي الموجه في مرحلته الثالثة التي تتواصل إلى غاية 14 يونيو الجاري. والتزم أصحاب المطاعم بوضع الطاولات والكراسي وفق قواعد التباعد، كما أكدوا التزامهم بقواعد حفظ الصحة.

وعبر دول العالم، للحفاظ على مسافة بين الزبائن، يخطط أصحاب المطاعم لاستيعاب 50 في المئة من الزبائن كحد أقصى. وللتأكد من أن الضيوف يتناولون الطعام باستخدام أنظف الأدوات، قد لا يتم تحضير الطاولات إلا إذا شغلها زبون. وتدرس العديد من المطاعم فكرة استخدام الأطباق وأدوات المائدة التي يمكن التخلص منها.

وسيكون تقديم الملح والفلفل للزبائن عند الطلب فقط، وبدلا من الصلصات والبهارات التي تجدها عادة وسط الطاولة، ستجد مطهر اليدين.

متران فقط.. مسافة الأمان
متران فقط.. مسافة الأمان

كما قدم مصممون “استراتيجيات بسيطة يستطيعون تطبيقها، وتكون ذات تكلفة منخفضة، وتجعل مساحاتها أكثر أمانا”.

وتُشير خبيرة إلى أن بعض المسارات، مثل الطريق إلى الحمام، تميل إلى التقاطع مع المساحات المزدحمة، مثل مدخل المطبخ، ويجب إعادة النظر فيها. وستتولى اللافتات مهمة تذكير الضيوف باحترام الآخرين والحفاظ على المسافة الكافية بينهم.

وستُلزم المطاعم جميع الموظفين بارتداء معدات الحماية الشخصية مثل القفازات والأقنعة، وسيبقى غسل اليدين، وهو جزء من البروتوكول المعياري، أمرا مهما.

وتخطط بعض المطاعم لرصد درجات حرارة موظفيها عند وصولهم للعمل. وإلى جانب طباعة قوائم طعام يمكن التخلص منها، قال أصحاب بعض المطاعم إنهم سيستخدمون رموز الاستجابة السريعة “QR” التي تسمح للزبائن بالمسح ورؤية القوائم في أجهزتهم الشخصية.

ومؤخرا، تداول الإعلام الإسباني صورا عبر مواقع التواصل الاجتماعي تظهر تغيّرا في آلية جلوس الزوار في المطاعم الإسبانية.

ونشرت صحيفة “ذا لوكال” (the local) الإسبانية صورا لمطعم إسباني قام بإجراءات وقائية للحفاظ على التباعد الاجتماعي ومنع انتشار عدوى فايروس كورونا بين الزوار.

وتظهر الصور حواجز زجاجية أو بلاستيكية شفافة تحيط بزائر المطعم أثناء جلوسه وأمامه الطاولة، مع المحافظة على ارتداء قفازات اليد والكمامات التي يرتديها موظفو المطعم.

وقالت الصحيفة إن أصحاب المطاعم الإسبانية يقومون بتلك الإجراءات من أجل السماح لزبائنهم بالعودة للمطاعم. ورصدت وسائل إعلام إسبانية أخرى قيام مطاعم بتجهيزات مسبقة لإعادة فتح تدريجي.

تجربة فريدة
تجربة فريدة

مطعم هولندي وجد فكرة مبتكرة لتقديم الطعام بطريقة أنيقة في الهواء الطلق، رغم الأوقات العصيبة.

ووفق شبكة رويترز، صمم المطعم غرفا زجاجية (كابينات) صغيرة تسع شخصين فقط أو ثلاثة أشخاص على الأكثر، وذلك حرصا منه على احترام خصوصية الزبائن.

ويرتدي النوادل في هذا المطعم قفازات ودروع وجه واقية، ويستخدمون لوحا طويلا لجلب الأطباق إلى الغرف الزجاجية لضمان أقل اتصال جسدي مع الزبائن.

وفي حين أن هذا “المفهوم” الجديد قيد التطوير، فهو حاليا يجرب من طرف عائلة المالك وأصدقائه، وبعض الموظفين بمركز “ميدياماتيك” الذي يحتضن المطعم، إلا أنه يبدو ساحرا، حيث يستمتع الضيوف بوجبات مضاءة بالشموع مع إطلالة على جانب الماء.

جانيتا فيرميولين، التي دعيت لحضور حفل عشاء تجريبي مع زميلتها في الغرفة، قالت “إنه مريح للغاية، إنه دافئ حقا، إنه لطيف والطعام لذيذ”.

ويطلق المنظمون على المشروع اسم “Serres Séparées” (بيوت بلاستيكية منفصلة) لأنهم يقولون إنه يبدو أفضل باللغة الفرنسية.

ويلام ويلثهوفن من مركز ميدياماتيك قال “نحن نتعلم الآن كيفية القيام بالتنظيف، وكيفية القيام بالخدمة، وكيفية إخراج الأطباق الفارغة مرة أخرى بطريقة أنيقة، لذلك مازلت أشعر بأن كل شيء أصبح بطريقة مغايرة”.

الجائحة أنهت عصرا ذهبيا للمطاعم التي عملت لثلاثة عقود، على جعل تناول الطعام بالخارج شكلا رفيعا من التحضر

ووفقا لموقع “ديلي ميل”، أقام مطعم “ماديماتيك بايوتوب” في جزيرة “أوستردوك” بأمستردام خمس غرف طعام زجاجية منفصلة مضاءة بالشموع، وتتيح إطلالة جميلة على القناة.

ويقوم المطعم حاليا باختبار التجربة الجديدة، ويعتزم الاعتماد على قائمة طعام نباتية بالكامل عند حصوله على تصريح بالعمل.

وحسب النظام الجديد سيراعي الندُل المرور بالأطباق مع المحافظة على مسافة آمنة.

كما سيكون للتكنولوجيا التأثير الأكبر في تجربة تناول الطعام، وتخطط عدة مطاعم لعدم قبول دخول وخروج الزبائن من المطعم في البداية، بل الاعتماد على الحجوزات، ما يعني أن منصات تشهد ازدحاما كبيرا.

ويتوقع العديد من مشغلي المطاعم استخدام الهواتف الذكية الشخصية بشكل أكبر للوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت.

وتجعل عدة أسباب حجوزات المطاعم تستحق الاهتمام الخاص في الوقت الحالي.

ويعد تناول الطعام بالخارج نقطة انطلاق جيدة لاستعداد الناس للعيش في حياة منتظمة يقضون فيها فترات صحية بعيدا عن الإغلاق والحجر المنزلي.

وبالنسبة لتحضير الطعام يقول شيف إن تحضير الطعام قد يستغرق وقتا أطول في ظل السعي للحفاظ على مسافة 6 أقدام بين كل شخص، وقد لا يكون الحفاظ على تلك المسافة ممكنا طوال الوقت. ويؤكد آخر انتهاء عصر المطابخ المغلقة إذ ستكون مطابخ المستقبل مرئية للجميع.

الروبوت النادل

غرف زجاجية.. طريقة مبتكرة
غرف زجاجية.. طريقة مبتكرة

يعتقد عدد من الخبراء أن الروبوت سيحل محل البشر في أكثر من مجال، وهو الأمر الذي يبدو أن تفشي فايروس كورونا قد سارع من وتيرته.

لقد ‘”كان الناس يقولون إنهم يريدون عنصرا بشريا ليخدمهم ويتفاعل معهم، لكن ذلك تغير الآن، فانتشار كورونا يغير تفضيلات الناس وخياراتهم ويفتح المجال لفرص استخدام أكبر للآلات”، كما يقول مارتن فورد، وهو خبير في شؤون المستقبل وقد قامت مطاعم الوجبات السريعة مثل ماكدونالدز باختبار استخدام الآلات في الطبخ والخدمة. واستخدم الروبوت في مخازن تابعة لشركات مثل أمازون وولمارت، من أجل تحسين كفاءة الخدمة.

وأدى انتشار فايروس كورونا إلى تحفيز الشركتين على التفكير بزيادة استخدام الروبوت لمهام أخرى، كالتصنيف والنقل والتوزيع.

وقد يقلل هذا عدد شكاوى العاملين في المخازن الذين يقولون إنهم لا يستطيعون الالتزام بالتباعد في ظل الظروف الحالية.

لكن خبراء التكنولوجيا يقولون إن استخدام الروبوت سيفقد بعض العاملين وظائفهم.

وإذا استخدمت شركة الروبوت ليحل محل الموظف فمن غير المحتمل أن تعود لاستخدام موظفين من البشر.

وتعد تكلفة بناء الروبوت وتشغيله مرتفعة، لكن بمجرد وصوله إلى الخدمة يصبح أرخص من استخدام العنصر البشري.

واستعان أحد المطاعم في مدينة ماستريخت الواقعة في الجزء الجنوب الشرقي من هولندا بمجموعة غير عادية من الروبوتات للمساعدة في خدمة الزبائن بعد أن خففت هولندا من إغلاقات فايروس كورونا المُستجد.

وتتدحرج ثلاثة من الروبوتات الآلية في أرجاء المطعم ذهابا وإيابا من المطبخ إلى طاولات الزبائن تحمل معها المشروبات وصحون الأكلات الآسيوية وذلك لتحفيف عدد الموظفين البشريين في المطعم.

وحملت الروبوتات الثلاثة اسم “آمي” و”آكر” و”جيمس”، كما أنها تتخذ شكل إنسان بما في ذلك ذراعين للإمساك بصواني التقديم وتظهر على وجوهها ابتسامة أو عبوس أحيانا.

وتقول الروبوت “آيمي” لسيدتين تجلسان أمامها وهي تقدم كأسين من الشاي المثلج “مرحبا.. ها هو الطلب.. خذه من على الصينية.. سأعود تلقائيا بعد 20 ثانية”.

وقام الموظفون الذين يستخدمون كمامات بوضع المشروبات على صواني التقديم ويضغطون على رقم الطاولة ثم يتراجعون لإفساح المجال أمام الروبوتات.

ويقول ممثل المطعم بول سيغبين إن وظائف الندل لديهم ليست في خطر من الوافدين الجدد، مضيفا “فريقنا (من البشر) في الحقيقة سعيد جدا بالروبوتات”.

توصيل الطلبات

الجائحة أنهت عصرا ذهبيا للطهاة وأصحاب المطاعم
الجائحة أنهت عصرا ذهبيا للطهاة وأصحاب المطاعم

يرى أغلب الطهاة وأصحاب المطاعم أن جائحة كورونا بمثابة مشهد “نهاية العالم” بالنسبة لمطاعمهم.

وأشار أصحاب سلاسل مطاعم عالمية إلى أن الجائحة أنهت عصرا ذهبيا للطهاة وأصحاب المطاعم، بعد كد وجهد هذه المطاعم على مدى ثلاثة عقود ماضية، لتحويل مفهوم الطعام وتناوله بالخارج إلى شكل رفيع من التحضر، ومقياسا للوضع الاجتماعي.

 واضطرت مجموعة يونيون سكوير للضيافة، التي كانت بمثابة إمبراطورية للمطاعم في الولايات المتحدة، إلى الاستغناء عن 80 في المئة من قوتها العاملة. وقالت وكالة بلومبيرغ إن الطهاة وأصحاب المطاعم يحاولون تحديد ما يخبئه المستقبل، ويدعمون أنفسهم وموظفيهم بطرق متنوعة.

ويقول أحد أصحاب سلاسل المطاعم في نيويورك، إن هناك سلسلة توريد ضخمة تعتمد على المطاعم من موزعين ومنتجين ومزارعين وخدمات التنظيف والعلامات التجارية والتسويق، وقائمة لا حصر لها. ويضيف “إذا تعثرت صناعة المطاعم، فإن كل السابق ذكرهم سيتعثرون أيضا”.

وتشير أغلب التوقعات إلى اعتماد المطاعم في جزء كبير من مبيعاتها المستقبلية على توصيل الطلبات إلى المنازل.

واحدة من التغييرات المهمّة لهذا التغيّر الحاصل ستكون بلا شكّ في شكل المطابخ والمطاعم وصناعة الطعام.

 ولا يتحدّث الخبراء عن تغيّر بسيط، وإنّما عن زيادة في مبيعات التوصيل بمعدّل سنوي يزيد عن 365 مليار دولار في عام 2030 في جميع أنحاء العالم، بعد أنْ كان فقط 35 مليار دولار في العام الماضي. مع العلم أنّ جيل الألفية يميل إلى استخدام هذه التطبيقات والطلب من خلالها أكثر بثلاث مرات من الأجيال التي تسبقه، حتى أن استخدامه لتطبيقات الطعام والمطاعم قد زاد بنسبة 70 في المئة منذ عام 2014 إلى يومنا هذا.

وفي الولايات المتحدة، يشير 3 من أصل 5 أشخاص من جيل الألفية إلى أنهم يستخدمون أحد تطبيقات طلب الطعام. أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن 60 في المئة من مستخدمي الهواتف الذكية لديهم تطبيقات خاصة بالطعام على أجهزتهم، و50 في المئة منهم يستخدمونها لطلب الطعام عبر الإنترنت.

غير أن تطبيقات التوصيل ليست سوى غيض من فيض عندما يتعلق الأمر بهذا التحوّل في القطاع. فمع تغيّر مشهد خدمات التوصيل، لا بد أن يتغيّر تصميم المطاعم أيضا.

وعلاوة على تحرير نفسها من المواقع ذات الإيجار المرتفع، تبحث المطاعم عن الاستثمار في المطابخ الصناعية وحتى مطابخ “التوصيل فقط” أو المطابخ “السحابية” التي تشبه إلى حد كبير مساحات العمل المشترك. فالعمل من مطبخ مركزي في منطقة منخفضة الإيجار أكثر فعالية من حيث التكلفة للمطاعم من توسيع عملياتها من خلال مساحة باهظة ومناسبة للزبائن أو مواقع إضافية.

وتعمل خدمة المطابخ هذه على تلبية الطلب المتزايد للزبائن على طلب الطعام، وغالبا ما تقدم الطعام من عدد من المطاعم المختلفة من مطبخ واحد. والكثير من هذه المطابخ مملوكة أو تقيم شراكة مع تطبيق توصيل، مما يجعل عملية توصيل الطعام من المطبخ إلى موقع الزبون عملية انسيابية واحدة.

وعندما يتكيف مطبخ المطعم مع الزيادة في طلبات التوصيل، فإن المساحة المخصصة للزبائن الداخلين يجب أن تتغيّر أيضا.

20