المشي في الغابة يساعد على الاسترخاء أكثر من التأمل واليوغا

المزج بين الحركة والتمتع بالطبيعة يقلل الشدّ العضلي والتوتر.
الأحد 2019/09/22
المناطق الخضراء تحسن المزاج وتعزز التنفس

يعلم الكثيرون أن التنزه في الطبيعة وبين الأشجار يبعث على الشعور بالارتياح ويخفف من شدة الضغط الناتج عن صخب الحياة اليومية. لكن دراسة جديدة ذهبت إلى أكثر من ذلك وبينت أن المشي في الغابة يمكن أن يساعد الجسم على الاسترخاء أكثر من عملية التأمل.

لندن - لا تقتصر عملية التأمل على تركيز التفكير في شيء ما، بعيدا عن كل الأفكار التي قد تسبب الضيق أو الانزعاج، بل هي عملية متكاملة تجمع بين تمطط بعض العضلات، التي غالبا ما تكون الذراعين أو القدمين، وبين التحكم في التنفس. إن إدخال أكبر قدر ممكن من الأكسجين إلى الدماغ يسمح له بالعمل بشكل أفضل ويساعد العضلات على الحركة والنشاط بكفاءة أكبر.

فما هو العامل الذي رجح كفة المشي في الغابة على التأمل؟ وماذا لو تمت ممارسة عملية التأمل في الغابة، هل تظل في المرتبة الثانية أو تتساوى فوائدها مع المشي في الغابة؟

يقتضي التأمل أو اليوغا القبوع في مكان واحد والقيام بحركات معينة تتلخص معظمها في تمارين الإطالة والتمدد. يعمل المتدرب طوال أداء هذه التمرينات على تكييف عملية التنفس مع الجهد. في حال كان ذلك في الغابة أو في مناطق خضراء وطبيعية، يمكن للشخص الاستمتاع بالهواء النقي ولون الأشجار وصوت المياه أو الأنهار، كل تلك العوامل تصنف ضمن خانة المهدئات الطبيعية والتي يستبدلها أحيانا بعض ممّن يمارسون التأمل بصوت الموسيقى الهادئة.

وفي الوقت الذي يقبع فيه المتأمل في مكان واحد، يستطيع من يمارس رياضة المشي التنقل ضمن مساحات واسعة. وخلافا لليوغا، كنوع من أنواع التأمل، يتطلب المشي جهدا كبيرا وقدرة أكبر على التنفس وعلى التحكم في الطاقة، خاصة عند قطع مسافات طويلة.

وكلما كان الجهد كبيرا زادت الحاجة إلى الأكسجين. وكان فريق من الباحثين بمعهد “كارولينسكا” السويدي قد توصل إلى أن إنزيم “أف.آي.ايتش” يعمل على تحديد كيفية استهلاك عضلات الجسم للأكسجين وأنه من دون هذا الإنزيم تزداد الحاجة إلى الأكسجين أثناء التمرينات الرياضية، ما يمثل أهميةً قصوى لكبار الرياضيين، الذين تبيَّن ارتفاع نسبة وجود الإنزيم لديهم مقارنةً بغيرهم.

وتشير الدراسة التي نقلها موقع “ساينتيفيك أميركان” عن دورية “سيل ميتابوليزم” إلى أن “العضلات تستهلك الأكسجين لتوليد طاقة عندما نمارس نشاطًا رياضيًّا، وذلك حتى تنخفض معدلات الأكسجين لأدنى درجاتها، ثم تتولد الطاقة من خلال التمثيل الغذائي اللّاهوائي الذي لا يحتاج إلى أكسجين”.

كل ذلك يعني أن المشي أكثر قدرة على تنشيط العضلات وتعزيز عملية التنفس وهو ما يؤدي في النهاية إلى تخليص الجسم من السموم التي تخلفها هرمونات التوتر. وفي تقرير نشرته صحيفة دايلي ميل البريطانية، سأل باحثون حوالي 600 شخص عما إذا كانوا يشعرون بالراحة أم لا عندما يمشون في الغابة. ويعتقد الخبراء أن الشعور بالاندماج في الطبيعة يساعد على الشعور بالهدوء.

وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين استمعوا لأصوات العصافير في الغابات من المرجح أن يصبحوا أكثر استرخاء من أولئك الذين شغّلوا تطبيقا للتأمل.

الركض في محيط طبيعي، سواء كان متنزها، غابة، أو شاطئا يساعد بنسبة 50 بالمئة على تعزيز الفوائد الصحية العقلية

يُعتقد أن الشعور بالاندماج في الطبيعة يساعد على التهدئة، كما أنه يقلل أيضًا من معدلات التوتر والقلق. وقد سأل الباحثون الناس عما إذا كانوا يشعرون بالراحة أم لا، ثم قاموا بتشغيل أغنية بصوت الطيور لمدة 60 ثانية.

وقبل ذلك، قال 30 بالمئة إنهم شعروا بالارتياح وأجابوا بسرعة كافية لإظهار أنهم مقتنعون بشدة بهذا الشعور. لكن النسبة زادت إلى 39 بالمئة بعد أن استمعوا لأصوات العصافير.

وقد بدا أن أغنية أصوات العصافير تعمل بشكل أفضل بكثير من تطبيق التأمل، الذي لم يؤدّ إلى زيادة نسبة الأشخاص الذين شعروا بالراحة، عندما تم تشغيله مع مجموعة مختلفة.

كما كشفت الدراسة التي أجرتها شركة أبحاث السوق “وولنات أنليميتيد” بالتعاون مع “ناشيونال تراست”، عن انخفاض معدلات التوتر والقلق لدى الأشخاص الذين استمعوا إلى أصوات الغابات.

وقالت الدكتورة، إليانور راتكليف، وهي محاضرة في علم النفس البيئي في جامعة سري البريطانية، “الاستماع إلى أصوات الطبيعة يوفر فرصة للشعور بالراحة بعيداً عن الضغوط والحياة اليومية. هذه الأصوات أيضًا مثيرة للاهتمام وتحفز تركيز العقل دون الحاجة إلى تنشيط هذا الشعور بشكل مفرط”.

وقام الباحثون بتقسيم 600 شخص إلى ثلاث مجموعات متساوية وقاموا بتشغيل أصوات العصافير لـ200 شخص منهم، وقاموا بتشغيل تطبيق التأمل لـ200 آخرين، بينما تركوا أفراد المجموعة الثالثة يجلسون وحدهم في صمت مطبق.

سُئل أفراد كل مجموعة قبل خضوعهم للدراسة بدقيقة واحدة عما إذا كانوا يشعرون بالراحة أو التوتر أو القلق، ثم طرح عليهم نفس السؤال مرة أخرى بعد خضوعهم للدراسة.

لم يتغير معدل الاسترخاء عند الأشخاص الذين قاموا بتشغيل تطبيق التأمل أو هؤلاء الذين لم يفعلوا شيئًا. لكن نسبة الأشخاص الذين شعروا بالراحة بعد سماع صوت العصافير ارتفعت بنسبة 30 بالمئة. ووجدت الدراسة أن 39 بالمئة قالوا إنهم شعروا بالارتياح وأجابوا بسرعة مقارنة بسرعة إجاباتهم في أسئلة الاستطلاع السابقة.

يشير هذا إلى أنهم قاموا بالفعل بربط صوت الطبيعة بالاسترخاء، بحيث ساعد عقولهم على الاستجابة بسرعة. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن نسبة الأشخاص القلقين قد انخفضت بنسبة 19 بالمئة لدى أولئك الذين استمعوا لأصوات العصافير، إلا أن التأمل أو عدم القيام بأي شيء كان له تأثير أكبر.

وقد هبط معدل الأشخاص الذين شعروا بالإجهاد 24 بالمئة في المجموعة التي استمعت إلى أصوات الغابة، ولكن بنسبة 39 بالمئة في المجموعة التي استمعت إلى تطبيق التأمل.

وتقول مؤسسة “وودلاند ترست” الخيرية بالمملكة المتحدة، إن المشي في الغابة قد يكون جزءًا من الحل الذي يواجهه شخص من بين كل أربعة أشخاص معرضين لخطر مشكلات الصحة العقلية. وهناك أيضا دعوات لتتمّ التوصية بالمشي في الغابة في هيئة الخدمات الصحية الوطنية.

حل مثالي للحد من التوتر
حل مثالي للحد من التوتر

وتوصلت دراسة استقصائية متابعة شملت 2000 شخص نيابة عن “ناشيونال تراست” إلى أن أصوات الغابات المفضلة تشمل المشي في الطين، وصفير الرياح بين الأشجار، وهدوء الطبيعة، بعيدا عن ضوضاء المدن العمرانية.

وكانت أصوات العصافير هي المفضلة، لكن ما يقرب من واحد من كل خمسة أشخاص قالوا إنهم لم يزوروا الغابات مطلقًا، على الرغم من وجود أكثر من ثلاثة ملايين هكتار منها في جميع أنحاء المملكة المتحدة.

وقالت الدكتورة راتكليف “هناك مجموعة كبيرة من الأدلة العلمية التي تثبت أن تجربة الطبيعة يمكن أن تفيد الصحة، بما في ذلك الشفاء من الضغوط النفسية اليومية. لقد ركز جزء كبير من هذا البحث على التجارب المرئية، ولكن أظهرت الأبحاث الحديثة أن أصوات الطبيعة، مثل الطيور والرياح والمياه، يمكن أن تحسن الحالة المزاجية وتقلل من التوتر. توفر هذه الأصوات طريقة للتواصل مع الطبيعة بغض النظر عن مكان وجودك”.

وقال باتريك بيغ، مدير الموارد الطبيعية في الصندوق الائتماني الوطني “في بعض الأحيان، يمكن أن يوفر المشي وسط الغابات، حيث تحيط بك أصوات الطيور وصوت سحق أوراق الشجر تحت قدميك، حلّا مثاليّا للحد من التوتر”.

ووفقا لدراسة أجريت مؤخرا في جامعة غلاسكو البريطانية، تبين أن الركض أيضا في محيط طبيعي، سواء كان متنزها، غابة، أو شاطئا يساعد بنسبة 50 بالمئة في تعزيز الفوائد الصحية العقلية مقارنة مع الركض على جهاز ثابت.

وراقب الباحثون من جامعة غلاسكو عينة من الأشخاص النشيطين جسديا، الذين مارسوا الرياضة في الهواء الطلق أو في الصالات الرياضية. وترأّس الأستاذ ريتشارد ميتشيل الدراسة التي شملت 2000 شخص نشيط تقريبا عام 2008 ضمن مسح صحة أسكتلندي وقد كانت النتائج مفاجئة بالتأكيد.

18