المشتبه بهم

الثلاثاء 2017/08/22

في كل مجتمع توجد فئة معينة من الجمهور يقال لهم “المشتبه بهم”، يلقى القبض عليهم روتينيا. وهذه صفة أوجدتها الشرطة القليلة الكفاءة أو تلك التي يهمها أن يراها المسؤول قد اعتقلت أحدا بغض النظر عن العدالة وهيبة القانون، وبعدم الاكتراث تماما لجرم المعتقلين أم براءتهم.

مسألة أن تصنع شيئا لأجل أن يراك مسؤول وأنت تصنعه، سائدة عندنا. أول ما تلاحظه في تاكسيات القاهرة هو طلب السائق من الراكب أن يمسك بيده حزام الأمان بحيث يراه ضابط الشرطة. المطلوب الإمساك بالحزام ليصبح مرئيا وليس وضعه في موقعه المحكم. وظيفة الحزام تصير أن يراه الشرطي لا أن يحافظ على الحياة.

الفقرة أعلاه استطراد، نعود إلى موضوع المشتبه بهم. في حين تحاول المجتمعات المتقدمة تقليص دائرة الاشتباه لحد أن تختفي، توسع مجتمعاتنا الدائرة لتشمل الجميع. في الدول العربية ذات المولات والهايبر ماركت، يعامل القائمون على أمن المكان كل زبون على أنه مشروع حرامي. دون خجل يطلبون من كل من معه كيس أن يسلمه للإدارة قبل الدخول كي لا يجد مكانا يخبئ فيه سرقانه من المحل. هكذا وعلى رؤوس الإشهاد يجرد الزبون من الأكياس والحقائب في اتهام واضح بأنه لو وجد في يده كيسا لما تردد لحظة واحدة عن السرقة. الكل سراق، النساء والرجال والأطفال أيضا، المجتمع مكوّن من لصوص.

المعنى الوحيد لهذا السلوك هو أنك كإنسان لا تجد في ذاتك ما يردعك عن السرقة سوى عدم توفر كيس أو حقيبة تخفي فيها سرقاتك. ليس عندك رادع من أخلاق أو ضمير أو دين أو تربية. كل هذا يدور بشكل يومي ولا يعترض أحد أو يثور غضبا لكرامته ولإنسانيته بل تراه سعيدا بعد هذه الاتهامات والإهانات. سعيد لكونهم سمحوا له بالدخول إلى متجرهم، رغم لصوصيته، لينفق دراهمه على بضاعتهم.

شهدت مرة حادثا غريبا في سياق درء الاشتباه عن المجتمع. في خريف 1984 بينما كان مؤتمر حزب المحافظين الحاكم ينعقد في قاعة مؤتمرات مدينة برايتون الإنكليزية الساحلية، فجّر الجيش الجمهوري الأيرلندي ليلا قنبلة ضخمة في الطوابق العليا من فندق برايتون، حيث كانت تقيم رئيسة الوزراء مسز ثاتشر. لم تصب ثاتشر بأذى.

في اليوم التالي كانت الإجراءات الأمنية مشددة حقا. رأيت في التلفزيون مسز ثاتشر وهي تخضع للتفتيش. الحكمة من تفتيشها، وهي هدف الإرهابيين، هو أنها لو لم تفتَش لصار كل من يخضع للتفتيش مشتبها به. وهذا ما لا يريدونه.

24