المشاهدون يمكنهم إنجاز أفلامهم الخاصة

لا شك أن عالم الفيلم هو عالم مكتف بأسرار تركيبه الخفي ونسيج بنائه الجمالي وقاعدته الإنتاجية، ولهذا تتراوح وجهات نظر المشاهدين ما بين المشاهدة المجردة والاستمتاع بالأحداث وتمضية وقت الفراغ وبين الفضول المعتاد والسعي إلى الحصول على إجابة عن سؤال: كيف يتم إنتاج ذلك؟
هذا السؤال وأسئلة مشابهة تحيلنا إلى ذلك النوع من المشاهدين الذين يتصاعد عندهم الفضول أكثر من المعتاد فضلا عما يمتلكونه من قدرة على الغوص في أسرار الأشياء وبذلك يتجهون مباشرة إلى السؤال كيف يتم إنجاز الفيلم؟
ولندع جانبا ما تراكم في ذهن جمهور المشاهدين من أفلام كثيرة تتراوح ما بين العنف والحركة والرعب والقصص الاجتماعية والرومانسية ونتوقف عند تلك اللحظة التي يشعر فيها المشاهد بأن كل ما يشاهده من أفلام ومسلسلات تلتقي كلها في نقاط مشتركة، لكنه لا يجد سبيلا للوصول إليها تحديدا ما هي. لكن وفي الوقت ذاته لن تغيب عن ذهنه الشخصيات التي بقت مؤثرة وشديدة الإقناع بالنسبة إليه ثم القصة المشوّقة التي جعلته جالسا بلا حراك أمام الشاشة حتى نهاية الفيلم أو انتهاء حلقات المسلسل.
فإذا فرضنا أن الشخصيات والقصة المشوقة كانا هما القاسم المشترك فلسوف نضيف عنصري الزمان والمكان، أي الإجابة عن سؤالي أين ومتى تجري تلك الأحداث.
صرنا مع جمهور من المشاهدين بإمكانهم أن يكونوا مصدرا للفيلم وللقصة الفيلمية وبإمكانهم إنجاز أفلامهم الخاصة
من هنا وجدنا أن المشاهد سوف يتقاسم مع مبدعي الفيلم أو المسلسل مناطق مشتركة يمكن الانطلاق منها، وذلك على أساس أن المشاهد أصلا يعيش في وسط غزارة من المرويات وهي القصص التي يسمعها في كل يوم، والتي يجد فيها في ذات الوقت شخصيات وقصة متسلسلة فضلا عن زمانها ومكانها.
هذه الأرضية الرصينة التي يمكن التحرك عليها والانطلاق منها هي التي تغذي لدى الجمهور المزيد من الرغبة في المتابعة وصولا إلى ذلك النوع من التراكم المتنوع الذي تتداخل فيه الشخصيات والأماكن.
وأما ما عدا ذلك فإن تدفق الأفلام والمسلسلات التجارية، الأميركية خاصة جعل المشاهد على يقين بأن تلك الأعمال أسيرة بيئتها ولا تستطيع أنت الانطلاق منها بسبب خصوصيتها الشديدة المرتبطة بالمجتمع ذاته، ومن ذلك مثلا ما شاهدناه من أفلام مثل “سلسلة العراب” أو “المحصنون” أو “حصل ذات مرة في أميركا” أو “آل كابوني” أو “اقتل الرجل الإيرلندي” أو “العائلة” أو “عدو الشعب” أو “غامور”و أو “دوني براسكو” وغيرها.
هنا يخلق ذلك الحاجز غير المرئي وغير المباشر مع المشاهد، ويشعر بمسافة فاصلة بينه وبين ما يشاهده على عكس ذلك النوع من القصص الإنسانية المبسطة قليلة التعقيد التي تلامس الحياة وتلامس شخصيات حقيقية وهي في وسط معاناتها وحياتها اليومية وفي أي مسار تسير.
والحاصل أننا مع ذلك النوع الفيلمي الأقرب إلى الحياة والذي يشكل قاسما مشتركا مع البشر سوف نكون مع نوع من المشاهدين الذين بإمكانهم أن يرووا لك قصة كانوا قد سمعوها أوعاشوها أو قرأوا عنها مما يمكن أن تصلح أن تكون قصة لفيلم سينمائي، وتلك ظاهرة معلومة وليست مستغربة وخاصة عندما نشاهد عنوانا لفيلم يقول إنه مأخوذ عن قصة حقيقية أو قصة واقعية، فالواقع مصدر أساسي ومهم من مصادر العديد من الأفلام.
والحاصل أننا صرنا مع جمهور من المشاهدين بالإمكان أن يكونوا هم مصدرا للفيلم ومصدرا للقصة الفيلمية وصولا إلى ذلك النوع من المشاهدين المثابرين الذين يطمح كل واحد منهم في إنجاز فيلم ما طوله دقيقتان أو بضع دقائق، وهو ما صارت الوسائط التكنولوجية الميسرة تتيحه بسلاسة مثل أجهزة الموبايل وبرامج المونتاج المبسطة وغيرها.