المسحراتي يجوب حارات سوريا دون موافقات الأمن وحواجزه

الحكواتي في سوريا يسجل حضوره في السهرات الرمضانية.
الثلاثاء 2025/03/04
رمضان يزوركم

دمشق - تختلف مهنة المسحراتي في رمضان هذا العام عن الأعوام السابقة  في سوريا إذ يجوب العشرات من المسحراتية، الذين يتطوعون لهذا العمل ، الشوارع دون الحصول على الموافقات والتعرض للحواجز الأمنية كما كان عليه الحال في السابق .

ويبدأ أبورياض الحرك جولته فجرا في أحياء ساروجة والبحصة وعين الكرش وسط العاصمة دمشق لإيقاظ الصائمين لتناول طعام السحور.

ويقول الحرك إنه ”أحب هذه المهنة منذ كان صغيرا ويعمل بها منذ سنوات،” مشيرا إلى أنه  خلال سيره في شوارع العاصمة دمشق خلال اليومين الماضيين ومصادفة سيارة للأمن العام فإنهم يبدأون بالتحية والسلام، هناك ارتياح كبير بالنسبة إليّ ولم أعد أخشى الحواجز وسيارات الأمن”.

السوريون يحرصون خلال شهر رمضان على التواصل مع الجيران والأصدقاء وذوي الحاجات، وعلى صلوات النوافل، وعلى رأسها التراويح، وكذلك تجهيز وجبات الطعام المنزلية وتوزيعها على الجيران

ويردد أبورياض خلال تجواله في الشوارع والحارات ”قوم يا نايم وحد الدايم… يا نايم وحد الله… قوموا على سحوركن إجا رمضان يزوركن”.

ويزاول أبورياض، الذي يعمل طوال العام بائع تمر هندي في سوق الحميدية الشهير في دمشق، خلال شهر رمضان مهنة المسحراتي، ويقول ”هذه مهنة تراثية وأنا شخصيا أحبها نظرا إلى أن أجرها عند الله ورغم كل التطورات التقنية من منبهات وأجهزة جوال لا يزال الأهالي ينتظرون المسحراتي ويتفاعلون معه”.

ويضيف عماد أمين، والذي يعمل مسحراتيا في حي الميدان الدمشقي ”يختلف رمضان هذا العام بشكل جذري فالوضع الأمني جيد بشكل عام ولم تحصل أيّ حوادث تذكر، ونسير في الأحياء بكل أمان ولم نعد نخشى من سيارات وعناصر الأمن”.

ويقول أمين، الذي يحمل بيده سلة يضع فيها ما يقدم له الأهالي من طعام وفواكه ”بعض أهالي المنازل يقدمون لنا مما يأكلون من طعام وفواكه وحلويات ونضعها في السلة التي أصبحت واحدة من مضارب الأمثال وكما يقولون سلة المسحراتي التي تجمع كل أصناف الطعام”.

ويوضح أمين أن الكثير من أصحاب المنازل يستيقظون على صوت الطبلة رغم وجود منبهات، مشيرا إلى أن بعض المسحراتية في الريف يحملون طبولا كبيرة باعتبار أنها مناطق ريفية والطبلة تتلاءم مع أحياء المدينة .

وأكد أمين أن ”الكثير من العائلات التي غادرت سوريا خلال السنوات الماضية عادت هذا العام في أول يوم من رمضان، وعندما دخلت إلى العديد من الأحياء كانت هناك احتفالية لي باعتبار أن أبناءهم يشاهدون المسحراتي على التلفاز فقط.. كانت فرحة للكبار والصغار وأخذوا معي الصور وأكرموني بالنقود”.

ومن التقاليد الرمضانية العريقة في دمشق التي لا تزال تحافظ على رونقها، إلى جانب المسحراتي، ما يزال الحكواتي يسجل حضوره في السهرات الرمضانية، وهو راوي القصص والحكايات الشعبية الذي يجتمع حوله الناس في المقاهي الشعبية للاستماع إلى قصصه الشيقة وحكاياته المثيرة التي تتناول مواضيع مختلفة مثل الشجاعة والكرم والأخلاق.

ومن العادات المنتشرة في جميع أنحاء سوريا ولا تزال مستمرة حتى الآن “المشروبات الرمضانية” التي من بينها العرقسوس والتمر الهندي وقمر الدين والجلاب. ويبيعها التجار في كل مكان وسط إقبال كبير من السوريين لشرائها بكثرة لتعويض السوائل التي فقدت خلال ساعات الصيام.

وفي هذا الإطار، أوضح معمر العطار، أحد بائعي التمر الهندي في دمشق لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، أنه يبدأ في التحضير للموسم الرمضاني قبل أسابيع بسبب ارتفاع الطلب الكبير على المشروبات مع اقتراب الصيام، حيث يعد العرقسوس والتمر الهندي الأكثر طلبًا كونهما من المشروبات التقليدية المفضلة التي يحرص الناس على شرائها قبيل الإفطار، كما تعتبر جزءًا من موائد الإفطار والأجواء الرمضانية التي تعيد ذكريات الزمن الجميل.

ويحرص أهل الشام على كثرة العطاء والزكاة، حيث يتفقدون الفقراء والمساكين ويقدمون لهم المساعدات المالية والعينية، ويحرصون على إطعام الطعام للمحتاجين. وتكثر الساحات التي يتجمع فيها الناس لتناول الطعام على موائد المحسنين، ومن أشهر هذه الساحات ساحة المسجد الأموي في قلب مدينة دمشق.

المسحراتي يجوب الحارات

ويحرص السوريون خلال الشهر الفضيل على التواصل مع الجيران والأصدقاء وذوي الحاجات، وعلى صلوات النوافل، وعلى رأسها التراويح، وكذلك تجهيز وجبات الطعام المنزلية وتوزيعها على الجيران.

وبعد عصر كل يوم من رمضان، تنشغل النساء في إعداد وجبة الإفطار وتحضير الأطباق الشامية مثل الشيشبرك، والسلطات بأنواعها، والكبة الشامية، والسمبوسة، وأنواع الحلوى المختلفة مثل القطايف، والكنافة، والهريسة، والعصائر والمرطبات كالعرقسوس، والتمر الهندي، وقمر الدين.

وقبيل آذان المغرب، تكتظ ساحة الجامع الأموي بالآلاف من الصائمين الذين ينتظرون موعد إطلاق مدفع رمضان وصوت المؤذن وجوقة المنشدين التي تردد خلفه مقاطع الأذان كاملة، ليكون ذلك إيذانًا بانتهاء صيام اليوم والشروع بالإفطار.

وبعد الإفطار، يتوجه الدمشقيون إلى المساجد لأداء صلاة التراويح في أجواء روحانية تملأ القلوب بالخشوع والإيمان، حيث تشهد المساجد في رمضان إقبالًا كبيرًا من المصلين الذين يتسابقون إلى أداء الصلاة والاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم والدعاء والتضرع إلى الله عز وجل.

ومهما اشتدت الضائقة الاقتصادية في سوريا، إلا أن تقليد “السكبة” يبقى قائمًا بين الجيران والأقران ليعكس واحدة من أجمل العادات الرمضانية في البلاد. وفيها تقوم العائلات بتبادل أطباق الطعام مع الجيران والأقارب في مظهر تضامني وتكافلي فريد. فعلى الرغم من تأثرها بتغيرات المعيشة، لا تزال هذه العادة قائمة خصوصًا في الأرياف والأحياء الشعبية.

وفي العشر الأواخر من رمضان، تزداد الأجواء الروحانية في دمشق، حيث يتفرغ الناس للعبادة والاستغفار لما لهذه الأيام من قيمة إيمانية، وتضمنها ليلة القدر التي يترقبها الناس ضمن الليالي الوترية من هذه العشر ليقوموا ليلهم بالصلاة والتضرع إلى الله خلالها على نية قبول الصيام، وأن يغفر الله ما تقدم من ذنوبهم، وأن يستجيب دعاءهم. وهكذا يمضي السوريون رمضانهم بأجواء متميزة إلى حلول هلال العيد إيذانًا بانتهاء الشهر الفضيل، حيث تمتلئ الشوارع والأسواق بالمنتجات والحلويات وتكتظ محلات الملابس استعدادًا لعيد الفطر المبارك.

16