المساعدات الاستخبارية الفرنسية.. جدل في باريس وصمت رسمي في القاهرة

الجدل يتزامن مع صدور تقرير من الخارجية الهولندية يتهم النظام المصري بالإقدام على تصرفات سلبية ضد مدنيين واستدعاء وقائع مرت عليها سنوات تصب في صالح الخطاب الذي تتبناه جماعة الإخوان المسلمين.
الثلاثاء 2021/12/07
تعاون عسكري يُثير الجدل

القاهرة - التزمت القاهرة الصمت حيال النقاش الدائر حاليا في باريس حول اتهامها باستغلال مساعدات استخبارية تلقتها من فرنسا، في إطار مكافحة الإرهاب، في استهداف مدنيين، ولم تعلق على الجدل المتصاعد باعتباره جاء وفقا للقانون.

تزامن هذا الحديث مع صدور تقرير من الخارجية الهولندية قبل أيام اتهم النظام المصري بالإقدام على تصرفات سلبية ضد مدنيين، واستدعاء وقائع مرت عليها سنوات تصب في صالح الخطاب الذي تتبناه جماعة الإخوان المسلمين.

ومع أن الربط بين الواقعتين يأتي بصورة غير مباشرة، إلا أن النتيجة واحدة، وهي محاولة العودة للتركيز على الملف الحقوقي المتشعب في مصر، وأن تطور العلاقات بين القاهرة والدول الأوروبية لن يؤدي إلى غلقه تماما.

وشددت مصادر مصرية على أن من جرى قصفهم جوا بمعرفة سلاح الطيران المصري وجاء باستخدام معلومات فرنسية، هم "فئة من المهربين وتجار الأسلحة والمخدرات وتهريب البشر، وهم من المتعاونين مع متطرفين في كل من ليبيا ومصر، وإذا كانوا من المدنيين فهم أيضا من المجرمين".

وأوضحت المصادر ذاتها لـ"العرب" أن القاهرة تعاقدت مع شركة خاصة لتلقي معلومات منذ فترة، وتعمل بالتنسيق والتعاون مع وزارة الدفاع الفرنسية، وهو تقليد معروف في المنطقة، ومع تزايد أعمال الإرهاب ومخاطره المتعددة بدأت دول عديدة تستعين بالخبرات الأجنبية.

عبدالغفار الدويك: الصمت أبلغ رد على محاولات ضرب التعاون بين القاهرة وباريس

وتسعى بعض المنظمات الحقوقية الدولية المتعاونة مع جماعة الإخوان أو المتعاطفة معها إلى توظيف الواقعة الفرنسية وتحميلها معاني سياسية، بغرض زيادة اللغط حول أداء النظام المصري في مجال حقوق الإنسان، حيث يتهم بارتكاب انتهاكات ضد معارضيه.

كما أن التفاهمات الاستخباراتية بين البلدين تمت خلال عام 2013، أي قبل أن يتولى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حكم البلاد (2014)، وربما تكون آثارها العملية ظهرت في عهده، لكن الاتفاق سابق، ما يقلل من الجدوى السياسية للحملة الفرنسية.وتكمن مشكلة هؤلاء في أن باريس لها علاقات عسكرية قوية مع القاهرة والتي تعد من أكثر الدول شراء للأسلحة الفرنسية، وخاضتا معا عمليات واسعة ومؤثرة في مجال مكافحة الإرهاب وحققتا نجاحا كبيرا في شرق ليبيا.

وأكد الخبير العسكري العميد عبدالغفار الدويك أن الإيحاء بأن فرنسا أمدت مصر بمعلومات تم استخدامها عمدا في ضرب مدنيين، "ادعاء كاذب، لأن فرنسا من أبرز الدول المدافعة عن حقوق الإنسان ولا تجرؤ على تقديم معلومات تمس المدنيين".

وأضاف لـ"العرب" أن التعاون الاستخباراتي بين البلدين جزء من استراتيجية مواجهة الإرهاب، وهناك نصوص صارمة تحول دون المساس بالمدنيين، ولمصر أو غيرها الحق في توجيه ضربات ضد أي عناصر تشكل خطرا على أمنها القومي، وليس من دورها التحري عنها قبل التعامل معها ومعرفة هل هي من المهربين أم من الإرهابيين.

وأشار إلى أن هناك قوى إقليمية تحاول التشويش على مصر من خلال نافذة حقوق الإنسان، مؤكدا أن الصمت الرسمي أبلغ رد على محاولات ضرب التعاون الأمني بين القاهرة وباريس في ملف الإرهاب.

ورفضت دوائر مصرية دفاع وسائل إعلام فرنسية عن مجرمين ومهربين يتعاونون مع إرهابيين، وتعتبرهم "مدنيين وغير مذنبين"، بينما تواصل الطائرات المسيّرة الأميركية والفرنسية استهداف قيادات إرهابية وتوقع العديد من الضحايا المدنيين.

وتحدثت هذه الدوائر عن أن الفترة التي تمت الإشارة إليها، وهي بين عامي 2016 و2018 وقيل إنها شهدت 19 عملية قصف جوي، كانت تخوض فيها مصر حربا ضارية ضد الإرهابيين تقاعست دول أخرى عنها، بعضها كان يساعد المتطرفين لزعزعة الأمن في مصر التي عملت على تأمين حدودها الغربية بشتى الطرق، وانعكس نجاحها في هذه المهمة على حالة الاستقرار.

باريس لها علاقات عسكرية قوية مع القاهرة والتي تعد من أكثر الدول شراء للأسلحة الفرنسية وخصوصا طائرات رافال
باريس لها علاقات عسكرية قوية مع القاهرة والتي تعد من أكثر الدول شراء للأسلحة الفرنسية وخصوصا طائرات رافال 

وقد تقدمت وزارة الدفاع الفرنسية بشكوى لفتح تحقيق جنائي حول ما يسمى بـ"انتهاك أسرار الدفاع الوطني"، بعد أن كشفت وسائل إعلام أسرارا تتعلّق بعمليّة عسكرية لمكافحة الإرهاب في مصر، وقال مكتب المدعي العام في باريس إنها استخدمت "لأغراض القمع الداخلي".

وأصبحت مسألة القمع الداخلي وسيلة لممارسة ضغوط على النظام المصري، لأن الانطباع السائد حوله أنه لا يلقي بالا بالحريات، وتفسيره لحقوق الإنسان يبدو غير منسجم مع الكثير من التطلعات الغربية.

وقال المتحدث باسم الوزارة إيرفيه غرانجان "كان هناك تسريب لوثائق يشملها السر الدفاعي الوطني.. هذا التسريب هو انتهاك للقانون.. وخطير للغاية، لأن ما يُكشف قد يظهر أشياء حول أساليب عمل الجيش ويمكن أن يعرض سلامة أفراد الجيش للخطر".

وأطلقت وزارة الدفاع الفرنسية تحقيقا داخليا للتحقق من أن القواعد قد تم تطبيقها بالفعل من قبل الشركاء المصريين، لأن "الخطوط العريضة لهذه المهمة الاستخبارية تلبي متطلبات صارمة جدا"، ويتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب بعيدا عن المشاكل الداخلية.

بعض المنظمات الحقوقية الدولية المتعاونة مع جماعة الإخوان تسعى لتوظيف الواقعة الفرنسية وتحميلها معاني سياسية بغرض زيادة اللغط حول أداء النظام المصري في مجال حقوق الإنسان

ومثّلت هذه الزاوية نقطة ارتكاز لدى القاهرة، وجعلتها تبتعد عن الدخول في معركة لا تخصها مباشرة، خاصة أنه من الصعوبة حسم هوية المستهدفين، وهل كانوا إرهابيين أم مدنيين، فمجرد السير في دروب صحراوية عبر قوافل محملة بكل ما هو غير مشروع، يكفي لتأكيد تهمة التواطؤ مع المتطرفين في منطقة شهدت تعاونا كبيرا بينهما.

وفُتح في السادس والعشرين من نوفمبر المنقضي تحقيق أولي في قضية إفشاء أسرار دفاع وطني وكشف هويات عسكريين في أجهزة الاستخبارات، وعُهد به إلى دوائر متخصصة.

وذكر موقع "ديسكلوز" الإلكتروني الاستقصائي في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي، أن الدولة المصرية "حرّفت مهمة للاستخبارات الفرنسية بدأت في فبراير عام 2016 في إطار مكافحة الإرهاب، عن مسارها باستخدامها المعلومات التي جمعت لشن ضربات جوّية على آليّات يشتبه بأنها لمهربين".

 

7