المسؤولون نوعان

اثنان لا يتسامح فيهما المجتمع: المال العام والدم العام، لذلك فإن المسؤولين الصالحين المكلفين حكم الناس في أي بلد كانوا، يتبارون في خدمة المجتمع كي يبقوا في مناصبهم ويظلوا على رؤوس الإدارة والحكم التي يشغلونها مؤثرين برضى الناس قبل رؤسائهم.
لقد مر التاريخ سريعا في بلداننا، ليفرز نموذجا جديدا من المسؤولين الذين يأتون إلى السلطة والحكم بالولاء إلى سلطة الأحزاب والتيارات المتسلطة والزعماء لا بالكفاءة المشهودة والتدرج المهني المعترف به، ولا بالخبرة والمران والنجاح الذي يؤهلهم لذلك.
وهذا يفسر الفوضى وفشل المشاريع وخفض إنتاجية المجتمع وتراجع حقل العمل بكل مستوياته بل التراجع في التنمية عموما الذي أدى إلى خراب البلدان لا سيما تلك التي أخلّت بتلك القواعد التي تراكمت بفعل المعرفة والخبرة الطويلة.
إنها أزمة جديدة تعيشها العديد من بلدان العالم الثالث التي تفنن بعض حكامها في تولية السفهاء وغير الأكفاء والمأجورين ومن غير أصحاب الاختصاصات، دون تدرج وظيفي أو معاينة في الخبرة، وسلموا أمور الإدارات والقيادات، لأفراد أقل ما يقال عنهم عاثوا في الأرض فسادا.
استوقفني هذا الأسبوع تصنيف جديد لنمط المسؤولين في الأداء والنتائج بأنهم على نوعين، أورده الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي بقوله “علمتني الحياة أن المسؤولين نوعان:
النوع الأول هم مفاتيح الخير.. يحبون خدمة الناس.. سعادتهم في تسهيل حياة البشر.. وقيمتهم فيما يعطونه ويقدمونه.. وإنجازهم الحقيقي في تغيير الحياة للأفضل.. يفتحون الأبواب، ويقدمون الحلول.. ويسعون دائما لمنفعة الناس.
والنوع الثاني.. مغاليق للخير.. يصعّبون اليسير.. ويقلّلون الكثير.. ويقترحون من الإجراءات ما يجعل حياة البشر أكثر مشقة.. سعادتهم في احتياج الناس لهم ووقوفهم بأبوابهم وعلى مكاتبهم.. لا تنجح الدول والحكومات إلا إذا زاد النوع الأول على الثاني”.
نعم هذا واضح يؤمن به الناس ويطلبونه يوميا ليس بهذه البلاغة، ولكن كيف يزداد النوع الأول، حين تعاني البلدان من فوضى التوظيف واضطراب التوصيف، للوظائف والمهام، فدولة مثل العراق زاد عدد موظفيها من مليوني موظف عام ألفين وثلاثة إلى سبعـة ملاييـن خلال السنوات العشر الماضية، يستنزفون أكثر من 70 بالمئة من ميزانية الدولة سنويا؟ بتعيين عشوائي يستهدف انتزاع ولاء لا علاقة له بثلاث: الحاجة الحقيقية، الخبـرة، والتخصصات، مما تسبب باستنزاف مريع لموارد الدولة، وتوقف قدرات البلاد على الإنتاج والتقدم، وأشاع ظواهـر البطالـة المقنعة والعلنية الضخمة، التـي يسميها العـراقيون ظاهرة “الفضائيين”.
ما الحل إذن أمام النوع الثاني الذي ساد وفق توصيف الشيخ محمد بن راشد وهو يقود تجربة ناجحة ومنتجة في الإمارات، غير الرجوع إلى الفارابي الذي لخص أزمة الإصلاح بـ”إذا صلح الراعي صلحت الرعية”.