المرونة في التمويل مفتاح دعم مشاريع رواد الأعمال في المغرب

تعطي انطباعات الأوساط الاقتصادية حول قدرة قطاع ريادة الأعمال على قيادة قاطرة الاقتصاد خلال المرحلة الراهنة جراء ضعف المرونة في تقديم التمويلات دليلا على أن صناع القرار السياسي أمامهم الكثير مما يتوجب القيام به للارتقاء بهذا النشاط المهم في اقتصاد المغرب.
الرباط – تختزل رؤية شريحة من الخبراء والسياسيين المغاربة بشأن صعوبة وصول الكثير من أصحاب أفكار المشاريع إلى التمويل فكرة أن قطاع الريادة لم يصل بعد إلى مرحلة النضج الكافي رغم ما يشهده من تحسن وتطور.
وبعدما اتخذت الحكومة إجراءات تحفيزية لتشجيع مبادرات الشباب، والولوج إلى عالم الأعمال وتحقيق المشاريع ذات المردودية، نبه برلمانيون ومهنيون إلى بعض الشروط التي يفترض أن تتوفر لدفع هذا المجال على نحو أفضل.
ومن بين تلك الأمور ما ارتبط بتحديد سن أقصى للاستفادة، التي تشكل عائقا أمام العديد من أفكار المشاريع القابلة للنجاح.
واعتبرت النائبة نزهة مقداد عن تكتل التقدم والاشتراكية في البرلمان أنه يجب اعتماد تدابير مرنة تهدف إلى التقليل من عوائق إنعاش الاقتصاد في الفترة المقبلة لإضفاء ديناميكية جديدة على مختلف القطاعات الإنتاجية.
وجاء ذلك خلال تقديمها سؤالا كتابيا موجها إلى وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي في جلسة برلمانية عقدت مؤخرا حيث قالت إنه “في إطار حرص الملك محمد السادس، فإنه من الضروري دعم الشباب والارتقاء بأوضاعهم المادية”.
وتتسلح الحكومة ببرامج من بينها نظام المقاول الذاتي ونظام الدعم الخاص الموجه إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، الذي يهدف إلى تنمية روح المبادرة وتسهيل دخول الشباب إلى سوق العمل عن طريق العمل المستقل عبر منح حوافز اجتماعية وضريبية.
ويؤكد الخبير الاقتصادي رشيد ساري أنه رغم إطلاق الحكومة لمبادرات مثل “أوكسجين” إبان جائحة كورونا وقبلها “انطلاقة” وبعدها “فرصة” وربما غدا برامج أخرى، لا توجد تقييمات واقعية “لعدم المتابعة الدقيقة ولا حتى أهداف مسطرة”.
وأوضح لـ”العرب” أن “البرامج ربما تعكس حسن نوايا الحكومات المتعاقبة لكن دون مواكبة للشباب أصحاب المشاريع، أضف إلى هذا عدم قدرة البنوك على مواكبة القطاع وتمويله إذ تكتفي فقط بالرفض بدعوى عدم استيفاء المشروع لجميع الشروط”.
وقال “في الحقيقة نجد في بعض الأحيان حتى ذلك الموظف بالبنك الذي يدرس المشاريع في حاجة إلى إعادة تكوين”.
وتعمل الحكومة على تحسين خدمات برنامج “انطلاقة” الموجه إلى دعم الشركات الصغيرة عبر برنامج آخر تحت اسم “فرصة” لتمويل مشاريع الشباب، بميزانية إجمالية تصل إلى 1.25 مليار درهم (125 مليون دولار).
والهدف من مثل هذه المشاريع بالأساس هو إنعاش سوق العمل كأحد التحديات الكبرى التي تواجه البلد، ومن ثم إضفاء زخم جديد على مختلف القطاعات لدفع عجلة النمو الاقتصادي.
لكن اقتصاديين دعوا الحكومة إلى وجوب الأخذ بعين الاعتبار الصعوبات التي يواجهها الشباب في الوصول إلى مصادر التمويل والعراقيل التي تواجهها الشركات الصغيرة جدا.
ويتحدث المسؤولون مرارا عن دعم الشباب والارتقاء بأوضاعهم المادية، ويرون أن برنامج “انطلاقة” ساهم بشكل كبير في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ولطالما أكدوا كذلك أنه تم تدعيمه ببرنامج “فرصة”، بغرض تشغيل الشباب في الكثير من المجالات، وبالتالي تخفيض نسب البطالة.
ومع ذلك يعتقد ساري أن “مسؤولية تمويل ومواكبة مشاريع الشباب المبدعين في حاجة إلى كفاءات ذات تجارب ميدانية وليس إلى من يحسنون التنظير واستعراض العضلات في الإلقاء في فنادق مصنفة أو أمام مؤثرين، وذلك بشكل مرن وعملي”.
وبرر كلامه بكون المنهجية الحالية في التمويل لن تفيد ولو بعد قرن من الزمن إن لم تسند الأمور إلى أهلها.
وسبق أن أكد محافظ البنك المركزي عبداللطيف الجواهري أن برنامج “انطلاقة” له دور أساسي في بلوغ مرحلة الاقتصاد الديناميكي، لكنه نبه إلى تسجيل مخالفات من طرف القطاع المصرفي بخصوص الكثير من الملفات التي تعود إلى شركات ناشئة.
وينقد النائب عن كتلة حزب الاستقلال محمد الحافظ حصر دور البنوك في منح القروض فقط، بدل أن تكون شريكا حقيقيا في التنمية من حيث التمويل والتتبع والمواكبة.
ودعا الجلسة العامة المخصصة للتصويت على مشروع ميزانية 2023 إلى دعم وتمويل الجيل الجديد من المستثمرين ورواد الأعمال، خاصة الشباب والشركات الصغيرة والمتوسطة، من طرف القطاع المصرفي والمالي.
وتعهد رئيس الحكومة عزيز أخنوش منذ توليه منصبه بتوفير أرضية ملائمة تتيح تقديم قروض دون فوائد لنحو 250 ألفا من أصحاب المبادرات الذاتية والمشاريع الصغيرة بقيمة 100 ألف درهم (9.4 ألف دولار) لكل رائد أعمال تُسترد على مدى عشر سنوات.
وكانت التوجهات العامة لمشروع الميزانية الحالية والمقبلة تحث على مواكبة الشباب في مجال التشغيل باتخاذ تدابير عاجلة من شأنها تشجيع مبادرات الشباب ومن ثم إضفاء ديناميكية جديدة على مختلف القطاعات الإنتاجية.
وأظهر التقرير السنوي الأخير للمرصد المغربي للشركات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة أن عدد أصحاب المبادرات الذاتية شهد ارتفاعا كبيرا في السنوات الأخيرة. وتشير الإحصائيات إلى أنه وصل في السنة الماضية إلى أكثر من 300.4 ألف شخص، بعدما كان عام 2020 في حدود 272.2 ألف شخص.
وذكر خبراء المرصد أن أهم مميزات هذا النظام هو الإعفاء شبه الكلي من الضريبة على الدخل، ما جعله محل إقبال كبير من طرف عدد من المغاربة، وخاصة فئة الشباب.
لكن هذا التطور قد يفقد قوة الدفع بعد أن تضمنت ميزانية 2023 معطيات تشير إلى توجه الحكومة نحو سحب هذه الميزة عبر اقتراح تسقيف الإعفاء من الضريبة في حدود 50 ألف درهم (4.7 ألف دولار) سنويا.
وثمة دعوات تطالب بوضع تدابير إلزامية للإدارات والمؤسسات لتطبيق مبدأ الأفضلية للشركات، خاصة منها الصغيرة والمتوسطة، فيما يتعلق بمنح الصفقات العمومية، وكذلك اتخاذ إجراءات تلزمها بعدم المماطلة والتأخير في سداد مستحقات تلك الكيانات.