المدارس المجتمعية طريق مصر لمعالجة أزمة التسرب من التعليم

تلعب المدارس المجتمعية دورا مهما في مواجهة مشكلة التسرب من التعليم التي تعاني منها مصر منذ سنوات، ونجحت هذه المدارس في احتضان نحو 28 ألف طالب وطالبة في فروعها المنتشرة بمحافظات الصعيد في جنوب مصر، وحققت نجاحا لافتا خفف من المعاناة عن الآلاف من الأسر.
الثلاثاء 2018/01/23
محاولة لتذليل الهدر المدرسي رغم المشقات

القاهرة- أولت مؤسسة مصر الخير (غير الربحية) اهتماما كبيرا بقضية التسرّب من التعليم، وقامت بإنشاء ألف مدرسة مجتمعية في قرى ومناطق نائية تدار بفكر ومنهج مختلفين، بهدف جذب الأطفال إلى استكمال التعليم بطريقة محببة وبعيدة عن الأنماط الروتينية والتلقين المعتاد.

ومثلت هذه المدارس المنقذ للكثير من الأطفال ممن يتعرضون للاستغلال من قبل ذويهم من أجل حفنة أموال تساهم في نفقات الأسرة الفقيرة، سواء بأن يلقوا بهم صغارا في سوق العمل، أو اللجوء إلى زواج القصّر من الفتيات.

وبحسب إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يبلغ عدد المتسربين من التعليم في مصر نحو مليون ومئتي ألف طالب وطالبة في المرحلة العمرية من 6 إلى 20 عاما، منهم نحو 321.8 ألف طالب تسربوا من التعليم بالمرحلة الابتدائية و451.6 ألف من المرحلة الإعدادية و349 ألفا من المرحلة الثانوية.

وتعتبر محافظة الفيوم جنوبا من المحافظات التي تعاني من ارتفاع نسبة المتسربين من التعليم، ونصيبها وحدها يقارب 65 ألف متسرب وبها 82 مدرسة مجتمعية تقوم على الجهود الذاتية.

321.8 ألف طالب تسربوا من التعليم بالمرحلة الابتدائية و451.6 من المرحلة الإعدادية

وفي جولة لـ”العرب” داخل المحافظة التي تبعد عن العاصمة القاهرة نحو 110 كيلومترات، تعرفت عن قرب على تلك المدارس التي تقدم خدماتها للآلاف من أبناء المحافظة. وفي قرية بيومي التابعة لمركز طامية اطلعت “العرب” على حياة أطفال القرى الذين فرضت عليهم الظروف ممارسة أعمال شاقة.

وتحتضن القرية الصغيرة مجمع “التوحيد” ويضم ثلاث مدارس مجتمعية تنتهي الدراسة فيها عند المرحلة الابتدائية، فيما لا توجد مدرسة مجتمعية للمرحلتين الإعدادية والثانوية، سوى في محافظتين فقط، وبني هذا المجمع بجهود ذاتية وتبرعات من أهالي القرية.

وتتشابه القرى التابعة لمركز طامية في ظروفها المعيشية وتراجع الخدمات الحياتية، من طرق غير ممهدة أو نقص في الخدمات الصحية أوعدم وجود شبكة للصرف الصحي، أو حتى عدم وجود مدارس حكومية يلتحق بها أطفال هذه القرى.

وفي مثل هذه الظروف تؤدي المدارس المجتمعية دورا مهما للقضاء على أزمة التسرب من التعليم، لأن أقرب مدرسة حكومية تبعد عن المربع السكني أكثر من 5 كيلومترات، ويعتبر بُعد المسافة أحد المعايير التي يجب توافرها لإنشاء مدرسة مجتمعية في أي قرية، فضلا عن عدد الأطفال المتسربين من التعليم بها، والظروف التي تمنعهم من الالتحاق بالمدارس الحكومية.

وهناك نوعان للمتسربين من التعليم أولهما، أن يلتحق الطالب بالمدرسة ثم يتركها عند مرحلة تعليمية معينة دون استكمال تعليمه، والنوع الثاني لمن لا يلتحق بالمدارس من الأساس، والأخير يلتحق بالمدارس المجتمعية بعد تخطيه السن القانونية للصف الأول الابتدائي (6 سنوات)، وفي هذه الحالة يقوم بدراسة صفين دراسيين في عام دراسي واحد، للحاق بمن هم في مثل عمره.

ويلتحق المتسربون من التعليم بالمدارس المجتمعية بمحض إرادتهم لتعويض ما فات، لذلك تمت مراعاة عدم شعورهم بأي قيود في طريقة تصميم هذه المدارس، فهي تقام وسط الحقول الزراعية وبلا أسوار، وتضم المدرسة الواحدة فصلين اثنين فقط، وهذا ما كشفته لنا مسؤولة التعليم المجتمعي بالفيوم.

وقالت أمل قاسم لـ”العرب” إن هذا المشروع بدأ في الفيوم منذ عام 2012، حتى وصل عدد المدارس المجتمعية في المحافظة نحو 82 مدرسة تضم ما يقرب من ألفي طالب وطالبة، يتلقون تعليمهم وفقا لمناهج أعدت لهم خصيصا بإشراف من وزارة التربية والتعليم، وهي الجهة التي تقع المدارس تحت رعايتها. ولا بد من توافر عدة معايير في اختيار قرية بعينها لإقامة مدرسة مجتمعية بها، وأشارت قاسم إلى ضرورة أن تبعد أقرب مدرسة حكومية عن القرية لمسافة تزيد عن 5 كيلومترات، ويمكن الاستغناء عن هذا الشرط في حالة وحيدة، وهي أن يكون الطريق إلى المدرسة الحكومية وعرا أو يعرّض الطلاب إلى المخاطر، ويجب ألا يكون التلميذ مسجلا بأي مدرسة حكومية.

بُعد المسافة يعتبر أحد المعايير التي يجب توافرها لإنشاء مدرسة مجتمعية في أي قرية، فضلا عن عدد الأطفال المتسربين من التعليم بها

وحب الطلاب للعملية التعليمية هو أساس بناء المدارس المجتمعية، وهو ما يراعى سواء في البناء أو المناهج الدراسية، وحتى طريقة جلوسهم في الفصول التي تكشف عن جلسة ودية، بعيدة عن النموذجي المعتاد.

وفي حلقات دائرية يجلس الطلاب بعد أن يتم تقسيمهم بحسب الميول والقدرات، فهناك مجموعة خاصة باللغات، وأخرى تهوى الرياضيات وثالثة تعشق التجارب العلمية، وتقوم مدرسة الفصل بتيسير إيصال المعلومة للطلاب عبر تعيين قيادات على هذه الفصول من الطلبة أنفسهم، كنوع من أنواع التأهيل على تحمل المسؤلية.

ولفتت مسؤولة التعليم المجتمعي بالفيوم إلى أن الطالب يختار المادة الدراسية التي تتناسب مع ميوله، ويكون قائدا تارة ومستفيدا من حلقة دراسية تارة أخرى، فهي عملية تبادلية وفقا لنظام تحدده مدرسة الفصل.

وشددت على ضرورة مراعاة دمج التكنولوجيا في المناهج، وعرض المناهج الدراسية من خلال البرامج التعليمية المرتبطة بالحاسب الآلي أو اللوحة الذكية، وهي طريقة عالمية تتيح للتلميذ التفاعل بفهم ودون تلقين وحفظ.

ويراعى اختيار المدرسات من أهل القرية التي أقيمت عليها المدرسة أو من القرى القريبة، للاستفادة من درجة العلاقة بين هؤلاء المدرسات وبين الأهالي، وهو أمر يمكّن من تفادي أي مشكلة مستقبلية قد تحدث، لكن لا بد أن تتوافر فيهن عدة معايير أخرى أهمها الحصول على مؤهل جامعي وتربوي.

وأوضحت نهى جابر، مسؤولة الدعم في المدارس المجتمعية، أنه يتم خلق ورش تدريبية للمدرسات ويحدث أيضا تبادل خبرات بين المدارس، كي تصبح كل مدرسة على دراية وخبرة بكيفية توصيل المعلومة للطلاب، وأضافت لـ”العرب” أنه يتم تعريف المعلمات بمنهج وزارة التربية والتعليم المعد خصيصا للمدارس المجتمعية، وتتميز بالحداثة والبساطة في المحتوى.

وتساعد الأنشطة الفنية والرياضية على بقاء الطلاب في المدرسة وعدم تكرار عملية التسرب من التعليم، كما أن الاعتماد عليها بشكل كبير في إدارة العملية التعليمية يعزز ثقة الطلاب بذواتهم، وهو ما أكدته نورا عطية (مدرسة). وقالت لـ”العرب” إن دور المدرسة توجيهي وإشرافي فقط، والطالب ينتهي من المرحلة الابتدائية ويكون قد أجاد مبادئ اللغتين العربية والإنكليزية إضافة إلى الرياضيات، وتجعل الطلاب يستخدمون الخامات البيئية المحيطة بهم لإعداد أشكال فنية تحاكي ما يدرسونه في المناهج.

17