المتعنّت والمغرور

لا أحد يمكن أن يتوقع كيف ستكون نهاية موسم ريال مدريد، فالتاريخ القريب يدفع إلى التفاؤل بتحقيق إنجازات رائعة من جديد، لكن الواقع يفنّد هذه التوقعات ويدحض كل أمل بخصوص قدرة الفريق على قلب الطاولة والعودة مجددا إلى المنزلة الأولى.
اليوم يعيش النادي الملكي على وقع بعض الهزات التي أثّرت في نتائجه ومستواه وخاصة محليا، وهنا يتفق الجميع على أن خروج “الدون” كريستيانو رونالدو ترك فراغا كبيرا وأحدث نوعا من الإحباط صلب الفريق، والكل يتفق أيضا على أن مغادرة زين الدين زيدان ساهمت في هبوط المستوى، خاصة وأن ذلك المدرب حقق نجاحا تاريخيا خلال حيز زمني قصير جعله ضمن أساطير المدربين الذين مروا على الريال.
الكل اتفق على أن الفريق يمر هذا الموسم بفترة فراغ قد تطول وقد تنتهي بسرعة، إذ ربما ينجح المدرب سولاري في السير على خطى زيدان بعد أن عوّض مؤقتا المدرب المقال لوبيتيغي قبل أن يصبح مدربا دائما.
بيد أن كل هذه التفسيرات والتحاليل من أجل تقييم واقع الفريق قد تبدو منقوصة، وربما غير منطقية في حال عدم ربطها بأداء بعض اللاعبين الذين كانوا إلى غاية الموسم الماضي بمثابة “شعلة من النار” يتقدون حماسا وشغفا في أغلب المباريات وخاصة في منافسات دوري الأبطال.
الأمر هنا يتعلق ببساطة بتراجع حاد في مستوى بعض اللاعبين، فاليوم لم يعد مودريتش حاسما ومؤثرا مثلما كان في السابق، يبدو أن في الأمر علاقة برغبته في تغيير الأجواء وخوض تجربة جديدة.
مودريتش ليس استثناء، إذ يبدو أن التشبّع بالألقاب بعد التتويج ثلاث مرات متتالية بدوري الأبطال أصاب أغلب اللاعبين. الحديث هنا قد ينطبق أيضا على ماركو أسينسيو الذي يعيش فترة سيئة للغاية مع الفريق الملكي منذ بداية الموسم، وقد ينطبق كذلك على مارسيلو وراموس وكروس وبيل.. وكذلك إيسكو.
لكن ثمة فوارق في هذه المعادلة، فالخاسر الأكبر فيها إلى حد الآن يبدو أنه إيسكو الذي فقد مكانه وخسر ثقة الجهاز الفني بقيادة الأرجنتيني سولاري، اليوم لم يعد إيسكو لاعبا أساسيا، بل إنه أصبح في جل المباريات لاعبا احتياطيا لا يشارك سوى في عدد قليل من الدقائق.
هنا يكمن الفرق بين إيسكو وبقية زملائه، فالمدرب سولاري لم يغير بعد رأيه في أغلب نجوم الفريق، بدليل إشراكهم بصفة مسترسلة في المباريات الأخيرة، وأمله هو قدرتهم على التقدم والنهوض من جديد وإيجاد حافز إضافي قد يوقد بداخلهم “جمرة” النهم للألقاب.
ووحده إيسكو يبدو أنه دفع الثمن، وقد يضطر وفق المعطيات الراهنة إلى البقاء طويلا بعيدا عن دائرة الأضواء واختيارات الجهاز الفني.
حال إيسكو تشبه كثيرا وضعية اللاعب السابق للريال جيمس رودريغيز، إذ أن هذا اللاعب لم يكن ضمن قائمة اللاعبين المفضلين لدى زيدان، حيث أخرجه في عدة مباريات من حساباته، لكنه ظل دوما حاسما، ففي كل مباريات يشارك فيها ينجح ويقدم الإضافة، إلاّ أنه اختار الرحيل في أعقاب الموسم قبل الماضي بحثا عن فريق جديد يوفر له فرصة اللعب باستمرار.
أما إيسكو، ذلك اللاعب الذي دافع عنه زيدان ببسالة واستماتة وأصر على الإبقاء عليه لفترة طويلة إيمانا منه بموهبته الفذة وقدراته الرائعة، فقد تغير وضعه اليوم، لم يجد زيدان كي يسانده ويحميه، وجد نفسه في “أتون” حارق في مواجهة مدرب جديد يريد ترك بصمته ويسعى إلى ترك المتقاعسين والكسالى في الصفوف الخلفية.
ربما هكذا قيّم سولاري مستوى إيسكو هذا الموسم، ربما اعتبره لاعبا لا يصلح للفريق حاليا، ربما هناك أيضا بعض الأمور الخفية الأخرى التي أبعدت هذا اللاعب من الحسابات منذ قدوم المدرب الجديد.
لكن دعنا نبحث في بعض المكامن المتعلقة بمسيرة إيسكو منذ قدومه إلى الريال سنة 2013. المحصلة تشير إلى أن إيسكو لم يكن باستمرار لاعبا أساسيا، وخاصة قبل قدوم زيدان لتدريب الفريق منذ ثلاثة مواسم.
لقد شعر إيسكو في بعض الفترات بأنه غير مرغوب فيه وكاد يغادر البيت الملكي، لكن مع زيدان تغيرت الأمور والظروف وبات إيسكو في موقف قوة بعد أن وجد كل الدعم من زيدان الذي اعتبره بنفس قيمة بقية نجوم الفريق، حينها استعاد هذا اللاعب بعض الراحة والطمأنينة، خاصة وأنه شارك أساسيا في أغلب مباريات الموسم الماضي.
لكن لم يدرك أو لم يستوعب أن الراحة الدائمة والثقة المفرطة في النفس يمكن أن تتحولا في بعض الأوقات إلى نوع من الغرور، وهو غرور قد يقود صاحبه إلى التهاون والكسل فيصبح على ما فعل نادما، هو غرور يودي بصاحبه في متاهات ضيقة ومظلمة أحيانا. هذا الغرور يبدو أنه أصاب إيسكو الذي اطمأن منذ الموسم الماضي على بقائه طويلا في هذه القلعة، لكنه لم يقرأ حسابا لخروج زيدان وقدوم مدرب آخر بفكر جديد ورؤية مغايرة.
استسلم إيسكو للكسل والتهاون، فكان مستواه متواضعا للغاية هذا الموسم، كان من الطبيعي أن يفقد ثقة الجهاز الفني، لكن الأمر الأكثر وقعا على مسيرة هذا اللاعب أنه في مواجهة مدرب متعنّت وصلب في مواقفه وآرائه، مدرب اتخذ قرارا بضرورة إبعاد المغرور، علّه يثوب إلى رشده ويتخلص من هذا الثوب ويعود صاغرا مثابرا مجتهدا مثلما كان في بداياته مع الريال.