المتحف الكبير في مصر يضيء شعلة الثقافة والفن

تستعد مصر لتدشين حفل ضخم لافتتاح المتحف الكبير المطل على أهرامات الجيزة، ليكون صرحا حضاريا وثقافيا يعيد الاهتمام بالقوى الناعمة المصرية ويحقق أثرا إيجابيا وسط صعوبات واجهها إنعاش بعض الفنون في الآونة الأخيرة.
القاهرة - تستعد الحكومة المصرية لتدشين حفل ضخم لافتتاح المتحف الكبير المطل على أهرامات الجيزة (غرب القاهرة) استباقا لموسم السياحة الشتوي، واستنهاضا للقوى الناعمة، ليكون التأثير الثقافي ذا وجهة السياحية عوض العثرات السابقة. وأشار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى أن افتتاح الصرح الحضاريّ الثقافي يؤكد أن المصريين قادرون على الإنجاز والحفاظ على ثقافتهم وتراثهم وهويتهم.
وترفض دوائر حكومية وضع المتحف الكبير الذي يعد حدثا ينتظره الكثير من المثقفين والمهتمين بالسياحة والفنون حول العالم في إطاره السياحي فقط، وأن يظل شعلة انطلاق فعاليات ثقافية وفنية تعيد الاهتمام بالقوى الناعمة المصرية، وتوظيف التاريخ وجمال التنفيذ الحالي للمشروع لإحداث حالة ثقافية جديدة، ويشكل ذلك إدراكا بأن الاعتماد على التاريخ يحقق أثرا إيجابيا وسط صعوبات واجهها إنعاش بعض الفنون.
والمتحف الكبير خطّط ليكون منظومة ثقافية حضارية متكاملة، يضم منطقة تجارية بها مطاعم وكل ما يحتاجه الزائر لقضاء يوم كامل داخل المتحف، وقاعات مؤتمرات متطورة ليعيش الزائر تجربة فريدة. وانطلقت العديد من الحفلات الفنية والغنائية من أمام البهو الخاص بالمتحف الكبير واستقطبت الجهات المنظمات للحفلات فنانين من جنسيات مختلفة وحققت نجاحًا جماهيرياً.
وأبرز ما يميز المتحف ما يسمى بـ”الدرج العظيم” وتعرض عليه مجموعة من القطع الأثرية الثقيلة التي تجسد روائع فن النحت في مصر القديمة، وتبدأ من عصر الدولة القديمة وحتى العصر اليوناني الروماني، وينتهي الدرج العظيم بمشهد بانورامي يبين مكانة الأهرامات الخالدة.
وقال نقيب السياحيين باسم حلقة إن الافتتاح التجريبي للمتحف الكبير، الأربعاء المقبل، سيجعل مصر على موعد مع احتفالية كبيرة لتدشين الموسم السياحي الشتوي، ليكون المتحف ضمن الأجندة الرسمية لشركات السياحة.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن مصر تسعى للحفاظ على معدلات مقبولة لاستقبال الرحلات السياحية وضمان عدم التأثر بالصراعات في المنطقة، وهناك بالفعل تأثيرات نتيجة التوترات الحالية، لكن وجهة بعض السياح باتت الآن كبيرة نحو مصر، وهو ما تسعى الحكومة لتوظيفه لجذب أعداد أكبر منهم.
◙ على "الدرج العظيم" تعرض مجموعة من القطع الأثرية الثقيلة التي تجسد روائع فن النحت في مصر القديمة
وأكد أن افتتاح المتحف الكبير يجعل القاهرة وجهة جاذبة للمهتمين بالثقافة والفنون لتنوع الفعاليات المقرر إقامتها للتسويق للمتحف، كما أن مطار سفنكس بغرب القاهرة يشهد حركة متنامية لرحلات “الشارتر” لزيارة المتحف وأهرامات الجيزة.
وتشهد مصر نشاطا فنيا وثقافيا ملحوظا على مستوى إقامة المهرجانات المختلفة، ولم يعد الأمر مقتصرا على المهرجانات التي تنظمها وتدعمها وزارة الثقافة فقد دخلت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بقوة على خط تمويل المهرجانات، ولعل ذلك ما حدث في فعاليات مدينة العلمين.
ودخلت نقابة المهن التمثيلية وأقامت مؤخراً مهرجانا للمسرح، وتنوي خلال الفترة المقبلة تدشين ثلاثة مهرجانات، تتضمن فعالية للفنون الشعبية وأخرى للمسلسلات الإذاعية وثالثة لمسرح العرائس.
ويتضمن الثلث الأخير من العام الجاري إقامة مهرجانات فنية مختلفة بدأت بمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط الذي اختتم أعماله أخيراً، إلى جانب مهرجان القاهرة السينمائي الدولي والأقصر للسينما الأفريقية، وأسوان لأفلام المرأة، والإسكندرية للفيلم القصير، ومهرجان الجونة، وعدد آخر من المهرجانات الخاصة.
وأوضح الكاتب مصطفى بيومي لـ”العرب” أن المتحف المصري الكبير سيكون مقصدا للسائحين وليس ترجمة لتطور ثقافي في الحياة المصرية، مع تراجع قيمة الثقافة بوجه عام، وأن القوة الناعمة لا بد أن تكون وطيدة الصلة بالمجتمع المحلي ومؤثرة على المستوى الخارجي.
وأضاف أن التأثير الفني والثقافي المصري شهد تراجعا لصالح قوى إقليمية نجحت في استقطاب الكثير من النجوم المصريين، وأن تحقيق الإنعاش الثقافي المطلوب يتطلب إعادة لتعريف القوة الناعمة وقياس مدى قدرتها على التأثير، والإجابة على تساؤل مهم مفاده هل مازالت مصر بالمعنى الثقافي للسينما والأدب والفنون تعتلي صدارة المنظومة العربية، أم أننا نشهد تراجعا ينعكس سلبا على استهلاك الثقافة في مصر ومكانتها لدى الأجيال الجديدة؟
وشدد بيومي على أن المهرجانات والفعاليات الفنية ليست وحدها كافية لاستنهاض القوى الناعمة، وما يجب على الحكومة المصرية تنفيذه على أرض الواقع عملية معقدة للغاية، لأن القوى الناعمة الفاعلة تشكلت عبر سنوات طويلة من قبل ثورة العام 1919 واستمر ذلك حتى العام 1952، وفي تلك الحقبة شهدت البلاد إنتاجا ثريا في السينما والمسرح والترجمة والأدب، وتطوراً مماثلاً في المؤسسات الثقافية والتعليم والصحافة ثم بدأ التراجع، مع أن فترة الستينات من القرن الماضي كانت شاهدة على نهضة ثقافية، لكنها كانت نتاجا لما قبلها.