المانغو المصرية تستعيد بريقها بعد سنوات من التعثر

فاكهة على كل شكل ولون تجذب المصريين من جميع الشرائح.
الخميس 2022/09/01
خير وفير

بعد سنوات من مقاومة الحشرة القشرية التي أصابت فاكهة المانغو بـ”العفن الهبابي” عاد مزارعو الفاكهة، التي تقبل عليها جميع الشرائح، إلى جني محصول وفير هذه السنة وسط احتفالات كرنفالية في حدائق وشوارع الإسماعيلية في مهرجان يؤكد الفرحة بفاكهة كل المصريين.

الإسماعيلية (شرق القاهرة) -  قبل أن تصل إلى مدخل محافظة الإسماعيلية التي تبعد عن القاهرة من جهة الشمال الشرقي بنحو 120 كيلومترا يستقبل مزارعو المانغو الزائرين على جنبات الطريق بالقرب من آلاف الأفدنة التي حققت هذا العام إنتاجية مرتفعة وبجودة عالية بعد سنوات عجاف تأثرت فيها المحافظة المعروفة بموطن المانغو في مصر بالتغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة بصورة كبيرة، ما أدى إلى تلف كميات كبيرة من المحصول الرئيسي فيها خلال السنوات الماضية.

يختلف الوضع هذا العام كثيرا، فالمنطقة واجهت أزمة حادة ظهرت تجلياتها في العام الماضي وانتهى موسمها آنذاك قبل أن يبدأ نتيجة إصابة المحصول بـ”العفن الهبابي” وهو أحد الأمراض التي يسببها ارتفاع درجات الحرارة.

تكسو الفرحة ملامح المزارعين وبائعي الفاكهة بشكل عام، واعتبروا أن كثافة الإنتاج العام الجاري لم تحدث منذ سنوات ما انعكس على انخفاض أسعارها بصورة واضحة.

احتفت المحافظة العريقة هذا العام بكثافة الإنتاج، ونظمت لأول مرة “مهرجان المانغو” أخيرا للترويج للمحصول الوفير وتقديم عروض للمستهلكين والتجار، والتعريف بأهم أنواع المانغو التي تشتهر بها، وطغت على المهرجان جوانب تراثية اعتاد عليها أبناء المحافظة في أثناء احتفالهم بجني المانغو، وتم تقديم عروض كرنفالية في الحدائق العامة والشوارع تأكيدا للفرحة بهذا المحصول.

كرنفال للمانغو

عملية مقاومة الحشرة القشرية تطلبت عامين أو ثلاثة أعوام ما أدى إلى تأثر المحصول سلبا السنوات الماضية

تعيش محافظة الإسماعيلية مع بدء جني الثمار في بداية يونيو احتفالات شعبية مصغرة، ينظمها مزارعون وعائلاتهم الذين يشاركون في عملية قطف ثمار الأشجار وفرز الأنواع المختلفة وتجهيزها للبيع على أنغام “السمسمية” الشهيرة، وهي موسيقى تعزف على الآلات لها خصوصية شعبية.

وعلى الرغم من أن هذه الفاكهة التي يحبها الكثير من المصريين تزرع في عدد من محافظات الصعيد (جنوب مصر) ومحافظة الشرقية (شمال القاهرة)، غير أن أفضل إنتاج لها يأتي من الإسماعيلية المطلة على ممر قناة السويس المائي.

تتميز الأراضي الزراعية فيها بنسبة ملوحة جيدة مع اختلاط التربة الطينية بالرمال، ما يضيف فوائد طبيعية إلى أشجار المانغو، تجعلها تنتج محصولا له مذاق خاص.

وأكد إبراهيم ممدوح، وهو صاحب إحدى مزارع المانغو القريبة من مدخل محافظة الإسماعيلية، أن زيادة الإنتاج هذا العام ترتبط بتحسن الأحوال الجوية وطول فترات الصقيع ما وفر الحماية اللازمة للأشجار من الآفات الصيفية التي تصيبها، وانعكس ذلك على بقاء البذور أو ما يسميه المزارعون بـ”الشيحة” في معدلها الطبيعي وطرحت الأشجار ثمراتها بكثافة لم تحدث منذ سنوات.

وأضاف لـ”العرب” في أثناء التجول معه داخل مزرعته الشاسعة أن ارتفاع درجات الحرارة هو العدو الأول لمحصول المانغو، والمزارعون يراقبون الطقس بشكل يومي لمتابعة عمليات الري، لكن قد تتعرض البذور للإصابة بـ”العفن الهبابي” بسبب “الحشرة القشرية” التي تستوطن في الأشجار نتيجة عدم التهوية، ويفشل المزارعون أحيانا في حماية المحصول، وتتطلب عملية مقاومة تلك الحشرة فترة تتراوح بين عامين إلى ثلاثة أعوام، ما أدى إلى تأثر المحصول سلبا في السنوات الماضية.

ولفت إلى أن معدلات الإنتاج لم تزد في ذلك الوقت عن 50 في المئة، لكنها وصلت العام الحالي إلى 90 في المئة من إجمالي النسب المتوقعة في المساحات المزروعة.

موسم قصير أو ممتد

مكافأة للمزارعين
مكافأة للمزارعين

يمتد الموسم الذي يبدأ في أغسطس حتى أكتوبر ونوفمبر مع وجود وفرة في المحصول، وتزايد أنواع البذور القابلة لأن تحافظ على جودتها فترات طويلة.

تشير إحصاءات رسمية إلى أن مساحات زراعة المانغو تبلغ 300 ألف فدان، وينتج الفدان ثلاثة أطنان، وتأتي المانغو في المرتبة الثالثة في الإنتاج العام للفواكه في مصر، بعد الموالح والعنب.

تنتج الإسماعيلية حوالي 60 صنفا من المانغو، أبرزها: “الفص”، و”العويسي”، و”الهندية”، و”الناعومي”، و”الصديقة”، و”السكري الممتاز”، و”السكري الأبيض”، و”السكري الأخضر”، و”الزبدية” التي تحضر منها العصائر، و”السناري”.

وقال محمد حمدي، وهو مزارع ورث الأرض ومهنة بيع المانغو عن والده الذي ورثها بدوره عن جده الأكبر، إن خسارة الجزء الأكبر من المحاصيل في السنوات الماضية دفع الكثير من المزارعين هذا العام إلى الاهتمام بتقليم الأشجار وتوسيع المسافات بينها وفتح مساحات واسعة للتهوية للتقليل من آثار ارتفاع درجات الحرارة.

كما أن استمرار انخفاض درجات الحرارة أطول من المعتاد زمنيا أسهم في ازدهار الأشجار وتقديم إنتاجية أعلى، خاصة مع الالتزام بالرش والتسميد لمقاومة الأمراض.

Thumbnail

وأوضح لـ”العرب”، وهو يقف أمام أقفاص المانغو التي يبيعها بالقرب من مزرعته، أن الكثير من زارعي هذه الفاكهة لجأوا إلى الصوب للتغطية على ارتفاع درجات الحرارة، لكن هؤلاء لا زالوا يعملون بأساليب الزراعة التقليدية، لافتا إلى أن المزارعين بحاجة إلى المزيد من الدعم الحكومي ليتمكنوا من حماية أراضيهم بالشكل الذي يضمن كثافة الإنتاج، من خلال توفير الصوب ودعم الأسمدة المكافحة للآفات.

يتوجس مزارعون من عدم قدرتهم على توزيع المحصول، ويحاولون إبرام تعاقدات مع مصانع وشركات تستخدم المانغو في منتجاتها، وينتظرون التوسع في الانفتاح على بعض الأسواق العربية والأوروبية، ويعولون على انخفاض أسعار منتجهم وجودته لمنافسة المانغو الهندي والباكستاني الذي يغزو أسواق الخليج، والتي تعد الأقرب لمصر جغرافيًا ما يوفر في عمليات النقل.

سلّط محمود إسماعيل، مزارع في الأربعين من عمره، الضوء على مشكلات تحول دون أن تصبح المانغو المصرية على رأس خريطة التصدير الخارجية، فالبعض من المزارعين فقدوا الأمل في أن تستعيد المانغو رونقها واتجه بعضهم إلى بيع المحصول بشكل كامل قبل حصده لشركات تعمل في مجال تصدير الفواكه.

وتابع في تصريح لـ”العرب” “الشركات تسعى إلى الكسب السريع وتقوم بقطف الثمار مبكراً وإن لم يكن قد اكتمل نضجها، وتصديرها لمنافسة دول أخرى، غير أن ذلك لا يأتي في صالح المانغو المصرية، لأنها لن تكون بنفس الجودة، وتشكو دول مثل السعودية من سوء جودتها، بينما ذلك غير حقيقي إذا تريث أصحاب الشركات والمزارعون كثيرا في جني ثمار المانغو من الإسماعيلية”.

البحث عن الربح السريع

فاكهة الإسماعيلية
فاكهة الإسماعيلية

يبحث البعض من المزارعين عن الربح السريع ويقومون بجني الثمر كله في وقت واحد مع بدء شهر يونيو أو يوليو على أقصى تقدير في حين أن مزارع المانغو تحتاج إلى فترات جني قد تصل إلى ثلاثة أشهر، حسب الأنواع ونضجها، ويكون التعامل معها تجاريا، بينما يلجأ البعض إلى رشها بمواد كيميائية تؤثر سلبًا على جودة الثمرة.

وطالب مزارعون بسن تشريعات تحظر تصدير فاكهة المانغو في شهري يونيو ويوليو، حيث لا يصل المحصول فيهما إلى نضجه الكامل، ما يضر بسمعة المانغو المصرية التي لا تتناسب أرقام تصديرها مع كونها مصنفة في المرتبة السادسة عالميًا من حيث الإنتاج.

وكشف تقرير صادر عن معهد “البساتين” التابع لمركز البحوث الزراعية (حكومي) أن الوقت الأمثل لجمع وتصدير المانغو هو أغسطس من كل عام، وأن أشجار هذه الثمرة تزهر في فصل الربيع مع نهاية شهر مارس وبداية أبريل، وتحتاج إلى درجات حرارة معينة لتزهر ثم تنمو الثمار في خمسة أشهر، ويبدأ الجمع في شهري يوليو وأغسطس، وتختفي في أكتوبر.

وذكر نقيب الفلاحين بمصر حسين أبوصدام أن تكلفة التصدير مرتفعة والكثير من المزارعين قد يقدمون على بيع جزء من المحصول مبكرا للاستفادة من السوق المحلي باقي أشهر الصيف، والأمر له أبعاد تتعلق بحاجة الخارجية التي تبحث عن شراء ثمرة المانغو في أوقات مبكرة من موسم الصيف.

Thumbnail

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن المزارعين بحاجة إلى دعم حكومي وإرشادات تساعد على تنظيم عملية التصدير، مع ضرورة تقديم الدعم اللازم للمزارعين للتوسع في زراعة أشجار المانغو التي أضحت تتركز في مناطق بعينها دون وجود قدرة على المغامرة بزراعة الأشجار التي تظل ثلاث سنوات قبل أن تقدم إنتاجها.

انعكس نجاح الموسم الزراعي هذا العام في مصر على انخفاض أسعار المانغو بنسب تتراوح ما بين 50 و60 في المئة في أسواق الإسماعيلية التي اكتظت بأنواع مختلفة تكاد تغطي على باقي أنواع الفاكهة.

لفتت عزيزة توفيق، وهي بائعة مانغو بسوق الجمعة الشهير في وسط مدينة الإسماعيلية، إلى أن توافر المانغو هذا العام لم يتكرر منذ فترة طويلة، والأمر لا يتوقف على نجاح الموسم فقط، لكن هناك فائضا في الاستخدام المحلي نتيجة انخفاض القدرة الشرائية، على الرغم من انخفاض الأسعار بصورة كبيرة.

وأرجعت الأمر في حديثها مع “العرب” إلى أن الأسعار التي ارتفعت في العام الماضي خلقت صورة ذهنية سلبية لا تزال عالقة في ذاكرة المواطنين، وتخلى البعض عن الشراء لصعوبة أوضاعهم المادية، ومع ذلك فالقوة الشرائية هذا العام مرتفعة في محافظات تصل إليها ثمار المانغو بأسعار زهيدة من الإسماعيلية، وهو ما جذب البعض من سكان القاهرة والمحافظات القريبة منها بحثًا عن شرائها بأسعار منخفضة.

18