المالكي لم يسلم الموصل للدواعش
القول بأن السيد نوري المالكي قد سلم الموصل لداعش الغرض منه نفسي لا أكثر ولا أقل. يريد الصفويون أن يقولوا إنهم أكبر من الدولة الإسلامية، وإنهم لم يخسروا الموصل أذلاء فارين مهزومين بل إن ذلك حدث بمؤامرة سياسية مقصودة من المالكي. وهذا تعظيم لصورتهم وتصغير للدواعش.
والحقيقة هي أن الدواعش قد ألقوا بهم خارج المدينة كما يلقي عملاق متوحش حجرا ضخما إلى منتصف البحر، ولو كانوا مجرد عصابة لاستطاع الجيش والحشد استعادة الموصل خلال العام الماضي.
لقد زرع الدواعش مقبرة النجف بمئة ألف قتيل ولم يحرك الجهاد السيستاني قدم جندي من جنود الإرهاب هذه هي الحقيقة. لم يعد عند الاسلاميين الشيعة مزاج حتى للحديث عن شجاعة العباس في محرّم، فماذا يستطيع العباس أن يفعل أكثر من الدواعش؟ الإرهابيون هم قاطرة التحول العلماني لدى الشيعة اليوم. فآلهتهم لا تنفع ولا تضر، ولولا الطائرات الأميركية لانهارت الأضرحة على مواكب المؤمنين.
ليست مصادفة أن تتوقف الحكومة العراقية عن الحديث نهائيا في شيء اسمه “بيجي” أو”الفلوجة”، لا بد أنهم قد خاضوا تجربة مريرة عند زحفهم نحو هذه الأسوار، لا بد أن القتلى فوق العدّ والجرحى نصف الحشد، حتى توقف الكلام فجأة عن تلك الوعود بفتح الفلوجة.
وهناك وجهة نظر قوية اليوم ببغداد تقول لماذا على الحشد التقدم باتجاه الرمادي أو الموصل؟ لا توجد ضرورة لذلك. فلتكن المظاهرات للشيعة، واللجوء للسنة، والموصل والأنبار للدولة الإسلامية، إلى أن يظهر حل مقبول في المنطقة.
قبل يومين وصلتني رسالة من مواطن عراقي يقول إنه ذهب السنة الماضية إلى محافظة العمارة، وهذه السنة ذهب إلى محافظة السماوة (الرميثة) بالإضافة إلى تنقّله بين أحياء بغداد، المشترك بين هذه الأحياء هو صور قتلى الميليشيات. وجوه فتيان بالآلاف أقف أمامها بذهول شديد وعقلي لا يكاد يصدق بنزول كل هذا العدد إلى العالم السفلي، والسؤال الوحيد الذي يقفز إلى الذهن لماذا على هؤلاء الناس الدفع بفلذات أكبادهم إلى مناطق خطرة ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل كالأنبار ونينوى”؛ فالسيستاني يتجاهل حقيقة مهمة وهي أن جهاده الشيعي لا يمكن أن يدخل المدن السنية، ولا حقيقة لاستصراخ السنة للشيعة بإنقاذهم من الدواعش.
يقول صاحب الرسالة إنه خلص في النهاية إلى أن المظاهرات الحالية ضد الفساد هي انسحاب للمقاتل الشيعي من معركة خاسرة.
ورجل آخر قادم توا من بغداد يقول لي يا أسعد الشيعة غير راضين عن أداء الحكومة، وعندهم قناعة بأن الأحزاب الشيعية لا تصلح لقيادة البلاد، ومعظمهم مقتنع بضرورة عودة السنة لحكم العاصمة بغداد. فرغم أن جدران بغداد مغطاة تماما بصور هادي العامري بوصفه بطلا شيعيا ضد الدولة الإسلامية، إلا أن الجميع يعلم بأن هذا الجندي الإيراني لن يحمي أسوار بغداد المتداعية من جنود الموصل.
فلو كانت المشكلة هي أن المالكي قد سلم الموصل بمؤامرة فلماذا لا ينتفض أهل المدينة العملاقة لتحريرها؟ ولماذا لم يستطع الجيش العراقي الذي هرب منها استعادتها؟ ولماذا خسرت حكومة العبادي مدينة الرمادي إذن؟ هل هذه مؤامرة أيضا.
السيد نوري المالكي سلّم الموصل للدولة الإسلامية حين رفض تسليم الحكومة للسيد إياد علاوي عام 2010، السيد المالكي سلّم الموصل للدولة الإسلامية حين ملأ سجونه السرية بحرائر العراق يُغْتَصَبْنَ فيها وينجبن سفاحا، السيد المالكي سلّم الموصل للدولة الإسلامية حين وصف الاعتصامات المليونية بالفقاعة وأنها مليئة بأحفاد يزيد، السيد المالكي سلّم الموصل للدولة الإسلامية حين طرد الساسة السنة وشرّدهم ووضع النائب أحمد العلواني بالسجن حتى هذا اليوم.
هكذا تم تسليم الموصل للدواعش والمتطرفين وليس بحيلة عسكرية بهلوانية. لم يترك المالكي للسنة طريقا آخر سوى التدعيش أو التشيع أو الفرار إلى تركيا، وهذا الغضب المتراكم وجد مناسبة للتعبير عن نفسه في تنظيم داعش.
لن يستطيع أي رئيس حكومة تمرير قانون الأحزاب أو حل الميليشيات، لأن الدولة العراقية هي أصلا فوضى والسلاح في كل بيت. كما أن المالكي له منصب دائم داخل حزب الدعوة والطائفة لا يمكن عزله عنه أو محاكمته.
المالكي هو الذي وقّع على إعدام الرئيس صدام حسين بعيد الأضحى؟ وهو الذي شتت ساحات الاعتصام السنية بالدبابات، وهو مختار العصر في نظر كثيرين، ولا يمكن أن تقوم جماعة نرجسية ماكرة بإذلال رموزها.
نظام المحاصصة الطائفية هو الذي سلّم سنّة العراق للدواعش، وخلال الأيام القادمة ستدخل الدولة الاسلامية مدينة سامراء مسقط رأس الخليفة البغدادي، وستهوي القباب الذهبية المرفوعة فوق قبري الهادي والعسكري وتتصاعد الحرب الطائفية إلى درجة تجعل من أبو درع والمالكي وسليماني أبطالا شعبيين مرة أخرى، ويعود المتظاهرون الصغار إلى بيوتهم، وربما يتطوع بعضهم في الحرب الضخمة القادمة.
داعش في الموصل تمنحك حق المغادرة لطلب اللجوء والجواز الأجنبي من الأمم المتحدة مقابل بيتك، ذلك البيت الذي سيسكنه مهاجر متطرف من ألمانيا، والشيعة من جهتهم أيضا يريدون قادة سياسيين بلا جوازات أجنبية. البلد يستعد لحرب حقيقية محترقة فيها سفن الهرب إلى الخارج.
المالكي -الذي يرى في كوابيسه ضحايا مجزرة حويجة يلاحقونه بالعصي- يعلم بأنه لم يسلّم الموصل للدولة الإسلامية، وأن حزب الدعوة أمّةٌ مخذولة. كذلك يعلم العبادي بأنه لم يسلّم الرمادي ولا سامراء للدولة الإسلامية، إن ما يحدث هو مجرد نتيجة حتمية لتسليم الحكم في بغداد لحفنة من عملاء إيران.
كاتب عراقي