المئوية العراقية الثانية

دعوت النخب العراقية إلى استقبال حدث تأريخي جلل في حياة الشعب العراقي قريبا، بعمر الزمن في العام 2021 الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس الدولة العراقية.
ومدى استعداد الأطراف العراقية لتوثيق ذلك والاحتفاء بهذه الذكرى والوقوف عند دلالاتها التاريخية والقيمية والمستقبلية، لدولة كان ومازال دورها مفصليا في الشرق الأوسط والعالم، فحين تتم مراجعة ذلك التاريخ المليء بالمنجزات والصراعات، تدرك أنها نتاج ولادة عسيرة يعود تاريخها لعصر الاستعمار الحديث بُعيد انهيار الإمبراطورية العثمانية التي وصفها الغرب بـ”الرجل المريض” حينها، فقد أُعلن قيام الدولة العراقية خلال مؤتمر القاهرة الذي عقدته المملكة المتحدة في مارس من العام 1921 وهي ولادة قيصرية لم تكن منة من أحد، من دون شك.
ولدت بسواعد وهمة رجال ثورة العشرين وانتفاضة القبائل العراقية في جميع الإمارات العراقية الثلاث آنذاك بغداد والبصرة والموصل، التي كانت تشكل الإقليم العراقي الخاضع للحكم العثماني.
تاريخ إنشاء الدولة ونظامها الملكي، هو صراع حقيقي بين قوى قومية وأخرى ليبرالية وثالثة دينية انطبعت في أذهان ومسار المجتمع العراقي طيلة المئة عام الماضية. ظل صداها مدويا لبلد أرخص شيء فيه الدم حين تقارنه بشعوب المنطقة وتاريخها، فالعراقيون أنفقوا خلال ما يقارب من المئة عام دماء غزيرة من أجل تثبيت حدود دولتهم المستهدفة في وجودها منذ اليوم الأول لقيامها.
نتيجة عوامل كثيرة أهمها امتدادها الجغرافي في منطقة تُعد بؤرة الصراع بين العرب وخصومهم، وقيامها على ثروات طائلة ظلت مكمن أطماع دول إقليمية ودولية، إضافة إلى عوامل محلية في مقدمها التركيبة السكانية متعددة الأعراق والمشارب التي فرضت صعوبة التوافق على قيادة البلاد، وفرص نفاد الآخر في البنية العراقية المتنوعة وقابلية هز ولاءات السكان فيها، فحين أثرت دعوتي هذه إلى الاحتفاء والتحضير لذلك لمست استجابة من نزر يسير من مثقفي البلد الغارقين في أزمات تشكيل الحكومة والصراع مع الفساد الذي يأكل البلاد ويعطلها، فدعوت تلك النخبة إلى كتابة هذا التاريخ وصياغته على مرحلتين:
الأولى تتعلق بمسار الدولة وإرثها الذي أوصل المجتمع العراقي إلى ما هو عليه، وهو نتاج الحروب والاحتلال بكل تداعياته وإفرازاته، ورسم ملامح مستقبلية للدولة العراقية في مئويتها الثانية التي تبدأ قريبا، في مارس ألفين وواحد وعشرين.
المأساة أني لم أجد جهة واحدة في الدولة العراقية بهذا الموضوع سوى محاولات فردية غير فاعلة ولا تتناسب مع قيمة ودلالة هذا الحدث التاريخي الذي يتعدى كونه اهتماما عراقيا فحسب بل عربيا وإقليميا.