اللؤلؤ يتضاءل مع تلاشي مهنة الغوص في البحرين

المنامة - فقدت البحرين تسمية تاريخية كانت تطلق عليها وهي “ساحل اللؤلؤ”، بعد أن كانت الأولى في استخراجه وإليها كان يتوجه تجار اللؤلؤ في العالم ومنها يخرج تجار اللؤلؤ إلى العالم لبَيعه، وكان اقتصاد البحرين قبل اكتشاف النفط يعتمد على اللؤلؤ بالدرجة الأساس.
وتغيّر الزمن وتبدل الناس ويكاد اللؤلؤ يختفي لولا شبان مغامرون يجدّون في البحث عنه، فأكثر الغواصين في البحرين أو الكويت رحلوا عن الدنيا وعزف أبناؤهم عن حرفة آبائهم وانغمسوا في الحياة الرغيدة التي وفرها النفط، ولم يبق إلا الهواة المفلسون يجازفون بالغوص بحثا عن اللؤلؤ لملء جيوبهم بما يدرّه عليهم من أموال.
ويعتقد باحثون معاصرون أن أول ذكر لرحلة الغوص كان ما ورد بملحمة جلجامش بحثا عن زهرة الخلود، وأن المقصود بهذه الزهرة هو اللؤلؤ، مستدلين على ذلك بوصف طريقة الحصول على الزهرة من قاع البحر، وامتداد جذورها في أرضه، وأن الباحث عن هذه الزهرة يستعين بحجر ثقيل لإيصاله إلى القاع وهو ما فعله كلكامش.
وتدل آثار الآشوريين على احتفائهم باللؤلؤ الذي أطلقوا عليه اسم “عيون السمك”، وقد تكلم المؤرخ (بلينى) على (تايلوس) وكيف أنها كانت تشتهر باللؤلؤ، وقد عرض مهرجان تراثي أقيم في البحرين سنة 1992 لؤلؤة قدّر عمرها بثلاثة آلاف سنة.
ويشرح إبراهيم خليفة مطر، أحد أبرز تجار اللؤلؤ الطبيعي في البحرين وأقدمهم لـ”العرب”، “على مر عقود من الزمن كانت لتجارة اللؤلؤ أهمية كبرى ضمن مختلف المهن والأعمال التجارية في الخليج العربي عامة والبحرين خاصة ولكنه
انحسر بنحو محسوس بعد عزوف الكثير من الغواصين عن هذه المهنة إثر اكتشاف النفط”.
وفي الوقت الحاضر، باتت هذه المهنة مقتصرة على الهواة بعد أن كانت حكرا على الغواصين المحترفين المتفرغين لهذا العمل، وفقد اللؤلؤ بريقه بعد خلو الساحة منه وانتشار اللؤلؤ المستزرع، الذي غزا الأسواق.
ولما كانت البحرين الدولة الأولى التي تشرّع قانونا يقضي بعدم تداول اللؤلؤ المستزرع على أراضيها، فقد اتخذت إدارة الثروة السمكية في البحرين منذ العام 2011 قرارا بإصدار رخص لهواة الغوص بحثا عن اللؤلؤ بشرط أن يمتلك الهاوي قاربا ليتمكن من مزاولة هوايته.
ويقول مطر إن هواية تجارة اللؤلؤ أصبحت نبضا يلامس النشاط الاقتصادي في البلاد ويعود بالنفع والتأثير الكبير على حياة بعض الأسر فيمسي دخلا إضافيا لها، أما اجتماعيا فيتشارك أفراد الأسرة إناثا وذكورا في عملية فلق (فتح) المحار واستخراج اللؤلؤ ومن ثم بيعه إلى أحد تجار اللؤلؤ.
ويشير إلى أن “أهم المميزات التي أسهمت في جعل الخليج غنيا باللؤلؤ الذي يتميز بالجودة العالية واعتباره بيئة خصبة لتكوّن الشعب المرجانية وتشكيل مغاصات اللؤلؤ هي ضحالة المياه وشدة ملوحتها، وضعف التيارات البحرية وندرتها باستثناء المدة بين مايو وسبتمبر، وظاهرة المد والجزر، فضلا عن ارتفاع درجة الحرارة”.
وفي العام 1975 ظهرت في الكويت دانة (لؤلؤة كبيرة) جميلة تزن أكثر من 38 جوا بما يعادل 7.7 قيراط. وهذه الدانة تأسس عليها عقد مكون من 79 لؤلؤة، من اللون والبريق نفسيهما، إذ يعدّ لون هذه الدانات من أندر الألوان وأنفسها، وهو اللون الأبيض المشرب بحمرة حتى أن العديد من تجار اللؤلؤ ربما لم يشاهدوا هذا اللون واستغرق جمع هذا العقد قرابة 14 سنة إذ اكتمل سنة 1989.
ويقول باعة اللؤلؤ إن أسعاره تعتمد على جودة حبة اللؤلؤ وشكلها، فكلما كانت هذه الحبة أكثر كروية وأكبر حجما، وكانت درجة التجاعيد والبثور والشقوق فيها أقل وتحمل درجة لمعان أكبر، اختلف تسعيرها بين الارتفاع والانخفاض.
ويبيّن عبدالشهيد الصائغ، وهو صاحب محل مجوهرات لا يستعمل غير اللؤلؤ في مجوهراته، أن استخراج اللؤلؤ انحسر بنحو كلي، على وجه التقريب، وكان لؤلؤ البحرين يهاجر إلى الهند عن طريق التجارة ويشتريه المهراجات، وقد بدأ الآن هجرته المعاكسة من الهند إلى البحرين عن طريق التجارة أيضا.
ويتوقع عبدالحميد المناعي عودة ازدهار استخراج اللؤلؤ وتجارته لعافيتهما في البحرين بعد أن بدأ شباب يهوون هذه المهنة بالغوص بحثا عنه، إذ وجدوا هذه الهواية مربحة وفيها (رزق) كثير، خاصة وأن اللؤلؤ المستزرع لم يدخل إلى البحرين. وأشار إلى أن المملكة تمتلك أفضل مختبر لفحص اللؤلؤ في العالم وهي شركة “دانات” التي تعطي الشهادة للؤلؤ.
ومن الطريف أن يستطب الناس باللؤلؤ ويأكلونه، فمن مسحوقه يستخرج دواء للعيون وكان مهراجات الهند يرشّونه على طعامهم ويأكلونه.
ويقول ناصر الجشي (83 سنة) “كان الناس في الماضي يستطبون باللؤلؤ من بعض الأمراض وقد استعملوه في علاج الأمراض الجلدية لميسوري الحال، فلمسحوق اللؤلؤ مع بعض المستخلصات الحيوانية والنباتية قابلية شفائية للصدفية والإكزيما والأمراض الجلدية المستعصية”.
وأوضح أن مسحوقه استعمل أيضا في تراكيب بعض أدوية أمراض القلب أو لتصفية الدم من السموم السحرية، كما استعمل في تراكيب تجميلية لإزالة الآثار مستعصية الإزالة في الجلد عامة وفي الوجه وفي عملية السنفرة وتبييض البشرة وإعادة الشباب وإزالة التجاعيد.
وأضاف أن النساء كبيرات السن ينصحن الأمهات حديثات الولادة بتعليق قطعة حلي تحوي اللؤلؤ على كتف الطفل الوليد في أول أيامه لتفادي الطفح الجلدي أو الشري الذي يصيبه نتيجة تغيّر المحيط البيئي للطفل.