الكويت قبل الانتخابات والخروج من حلبة التعطيل

شخصيات كثيرة فضلت عدم خوض الاستحقاق النيابي في الكويت لأن المشهد السياسي وصل إلى درجة كبيرة من التراجع بفعل تقدم الخطاب الشخصي والشعبوي وتراجع الخطاب المتزن.
الاثنين 2023/05/29
حالة ملل لدى الناخبين الكويتيين

امتلأت شوارع الكويت على غير العادة بلافتات إعلانية تحض الناخبين على التصويت بكثافة للانتخابات النيابية المقبلة في 6 حزيران – يونيو 2023، وهذه الإعلانات ليست لمرشحين إنما يبدو أنها نظمت من وزارة الإعلام خصوصا أن ممثلين ومشاهير شاركوا فيها.

ماذا يعني هذا الأمر؟

يعني باختصار أن الحكومة الكويتية لمست برودة شعبية في ما يتعلق بالاستحقاق الانتخابي المقبل خصوصا أن عدد المرشحين هو الأقل منذ سنوات ولذلك تم تنظيم الحملة لدفع الناخبين إلى الإقبال على التصويت إن أرادوا التصحيح والتغيير. تبدو نسبة الإقبال على التصويت في غاية الأهمّية، وتبدو بمثابة أحد التحديات التي تواجه الحكومة التي تريد من المجلس الجديد لعب دور في إعادة الروح إلى الحياة السياسيّة في البلد… والخروج من حلقة التعطيل لأيّ مبادرة تصبّ في خدمة التنمية التي تحتاج إليها الكويت.

لماذا لا توجد حماسة لا في الترشح ولا في الانتخاب كما تظهر مؤشرات المزاج الشعبي؟

◙ المهم في الكويت أن تبقى العملية الديمقراطية حية، سواء تميز الاستحقاق الانتخابي بالبرودة أو بالحرارة، فهو خيار لا عودة عنه

بالنسبة إلى الترشُّح، هناك الكثير من الشخصيات فضلت عدم خوض الاستحقاق النيابي لأن المشهد السياسي الكويتي وصل إلى درجة كبيرة من التراجع بفعل تقدم الخطاب الشخصي والشعبوي وتراجع الخطاب المتزن المحترم لعمل المؤسسات وفصل السلطات. تعيش الكويت حالة فرز مخيفة هي الأولى منذ سنوات. توجد جهات تصبّ الزيت على نار التباينات وتحوّلها إلى صراعات شخصية أكثر منها سياسية. يساعد في ذلك وجود جيوش إلكترونية تدعم هذا الفريق أو ذاك. ولذلك فكل شخص يريد أن يترشح يعيش حالا من الإرهاب والترهيب تدفعه إلى الإعلان أما أنه مع هذا الفريق أو ذاك. وفي حال أراد خوض مسار مستقل وجد نفسه في مرمى الاتهامات والتصنيف فورا.

إضافة إلى ذلك كلّه، هناك مرشحون يعتبرون أن خللا قانونيا ودستوريا قد يتضح بعد الانتخابات يؤدي إلى اكتشاف مثالب كفيلة بإبطال العملية الانتخابية كما حصل مع مجلس 2022، ولذلك يفضّل هؤلاء الانتظار لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور وهل تدخل الكويت في المستقبل القريب مرحلة الاستقرار السياسي، وهي مرحلة في حاجة شديدة إليها.

أما بالنسبة إلى الإقبال على التصويت، فهناك فعلا حالة ملل لدى الناخبين الكويتيين من أداء الحكومة ومجلس الأمة على السواء، وهم يرون أن الخلاقات أخذت منحى شخصيا من قبل مجموعة من المرشحين بدل أن تعرض برامجها الوطنية الشاملة المتضمنة لاقتراحات بقوانين إصلاحية وخرائط طريق للتغيير. على سبيل المثال، ركّزت جهات معيّنة على إسقاط رئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم، وقال أحد المرشحين علنا “هدفنا ليس منع وصول مرزوق الغانم إلى رئاسة المجلس فحسب، بل نريد أيضا إسقاطه في الانتخابات”. حصل ذلك، مع العلم أن غالبية الكويتيين تدرك أن الغانم حصل في الماضي وسيحصل في المستقبل على أعلى الأصوات في دائرته.

كذلك، لم يلمس الناخبون أيّ تغيير عند تصويتهم لشخصيات كانت تمثل المعارضة في مجلس 2022، إذ كان مجلسا معارضا بامتياز رأسه أحمد السعدون وتولى نيابة الرئاسة فيه محمد المطير رأس حربة المعارضة في المجلس الذي سبقه، لكن هذا المجلس تصادم مع الحكومة التي يرأسها الشيخ أحمد النواف ابن أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد. في ضوء هذا التصادم، تغيبت الحكومة عن الجلسات وقدمت استقالتها عند تقديم طلب استجواب.

تعود عدم حماسة الناخبين الكويتيين بشكل أساسي إلى أنهم لا يريدون استمرار إيقاع أداء مجلس الأمة كما هو عليه. يرفض المواطن العادي ما يحصل على أرض الواقع بعدما بات كل نائب “يمشّي” أمور أبناء القبيلة أو الطائفة أو المنطقة وتتدهور العلاقات بينه وبين الحكومة وتتحسّن إذا قبلت وساطته أو رفضتها.

يتطلّع الكويتيون إلى تعهدات غير موجودة من الجميع حتى الآن. يتطلّعون في الواقع إلى حصول تطوير للدستور وتحديث له يلجمان ما أمكن الصراعات بين المجلس والحكومة ويؤديان إلى قيام مسار تنموي منفصل عن الصراعات والخلافات السياسية. لكن مثل هذه الأمور لا تحصل في الكويت. على العكس من ذلك، توجد مشاريع كثيرة تنتظر في ثلاجة التجميد، منذ سنوات عدّة، انفراج العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. هذا الانفراج، كما يقول العقلاء من أهل الكويت، لن يحصل في ظل النهج الذي تسير عليه الأمور منذ سنوات طويلة. إنّه نهج التعطيل المتبادل بين الحكومة والمجلس النيابي.

◙ الحكومة الكويتية لمست برودة شعبية في ما يتعلق بالاستحقاق الانتخابي المقبل خصوصا أن عدد المرشحين هو الأقل منذ سنوات ولذلك تم تنظيم الحملة لدفع الناخبين إلى الإقبال على التصويت

يريد الكويتيون استمرار الحياة الديمقراطية والمعايير الدستورية التي تميزهم في مجال الحريات والتعبير، لكن الحاجة صارت أكثر من ملحّة لقيام إصلاحات تبدأ من تحديث الدستور من أجل حماية عملية التنمية بعدما سبقت دول مجاورة الكويت في ذلك بأشواط. كذلك، يريد الكويتيون بقاء التشريع والرقابة من قبل برلمان قوي لكنهم لا يريدون أن يوقف سؤال برلماني أو استجواب لوزير مشروع بناء جامعة مثلا، أو أن تتغيب الحكومة عن حضور جلسات البرلمان فتتوقف أمور البلاد والعباد. هناك أكثر من طرح في هذا المجال عبر تفعيل اللجان البرلمانية في ما يتعلق بالأسئلة والاستجوابات وعبر إنشاء مجلس شيوخ، مثلا، ينظر في دستورية أيّ خطوة فيما تبقى المشاريع في طريقها إلى الإنجاز.

لكن المهم في الكويت أن تبقى العملية الديمقراطية حية، سواء تميز الاستحقاق الانتخابي بالبرودة أو بالحرارة، فهو خيار لا عودة عنه كما قال ولي عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الذي كان في كل خطاب له يتوجه دائما وبلا حواجز إلى الكويتيين قائلا إنهم هم من يحددون مسارهم ومصيرهم من خلال العودة لهم في كل مرة تدخل الأزمة السياسية نفقا مسدودا.

في أحد الفيديوهات التي تروج لضرورة المشاركة في الانتخابات يقول الفنان الكويتي القدير سعد الفرج ما معناه أن “ما كنا عليه مهمّ والأهم ما سنكون عليه” في عبارة تختصر أن يكون الكويتي، أوّلا وأخيرا، صاحب القرار عبر خياره الحر… على أن يصبّ ذلك في الخروج من حلبة التعطيل المتبادل، وهي حلقة مقفلة تشكل خطورة على مستقبل البلد!

8