الكويت.. الإصلاح أول الخروج من دوامة الفساد

الإصلاحات الشاملة التي سبق لبعض أبناء النخبة من الكفاءات الوطنية في الكويت أن طالبت بالأخذ بها إنما كانت تهدف إلى إخراج البلاد من دوامة الفساد ودوامة مكافحته التي لم تحقق الكثير.
الاثنين 2022/03/14
بحاجة إلى برنامج وطني شامل للإصلاح

لا أحد ينكر أن للفساد في الكويت تاريخا وأصولا وأسبابا. وتُثبت الوقائع الآن أن محاولات مكافحته تدور في دوامة بلا نهاية. حتى لتبدو البلادُ غارقة في مأساة لا مخرج منها. من ناحية، لأن أهل الفساد هم من بين الذين لا يطالهم طائل. ومن ناحية أخرى، لأن أهل مكافحته في البرلمان يقولون الحق وغايتهم باطل. وهم أنفسهم يدورون على أنفسهم دون اتجاه.

قضية “صندوق الجيش” قدمت، بعد سلسلة طويلة من القضايا الأخرى، مثالا فاقعا على قدرة الفساد على تجاوز كل القيود والمعايير.

هذه القضية التي كشف عنها وزير الدفاع الراحل ناصر الصباح في نوفمبر 2019، وكانت تتعلق بمخالفات أدت إلى نهب ما يعادل 790 مليون دولار، انتهت إلى تبرئة كل المتهمين بها. ولم يعرف أحد حتى الآن إلى أين ذهب المال، ومن الذي أخذه، وكيف تسرب إلى الخارج مبلغٌ بهذا المقدار.

لا يوجد الآن متهم واحد بسرقة هذا المال بين كل الذين كانوا يتولون الإشراف على إدارة ذلك الصندوق. الكل صاروا أبرياء. سوى أن المال ضاع في دهاليز لم تكشف التحقيقات عنها.

القضايا المماثلة كثيرة. إلا أن هذه القضية وسابقاتها، تمضي في سياق مألوف، ومتتابع. وله تسلسل إجرائي بات مملا لكثرة تكراره.

يقوم أحدهم، باستغلال وظيفته كوزير أو مسؤول كبير، بنهب المال وتصريفه بالتعاون مع بضعة متعاونين، يحصل كل منهم على حصته. ثم تفوح الرائحة. ثم يتعرض الوزير إلى المساءلة في البرلمان. ثم تستقيل الحكومة. ثم تجري انتخابات جديدة. ثم ينسى الجميع ما حصل للمال.

الإصلاحات لا تقصد وقف الفساد وحده، ولكن وقف الهدر، وإعادة الاستثمار في الكويت لإعادة بنائها وتخضيرها، وعلى أن تتحول إلى وطن للجميع

وقد تضاف إلى هذه الآلية تفاصيل أخرى، من قبيل العفو، أو من قبيل تأكيد البراءة من الاتهامات، إلا أنها، في نهاية الأمر، آلية تشتغل أفضل مما تشتغل أفضل الماكينات الألمانية. ضع فيها المقدار المطلوب من الزيت، ولسوف تراها تدور إلى الأبد.

وللمعارضة ماكينتها الخاصة، إلا أنها تدور إما بزيت إيراني أو بزيت إخواني. وهي تلاحق الحق، وتقصد به خدمة مشاريع سياسية لا علاقة حتى بالانتماء للكويت. ومن انحيازات قبلية إلى انحيازات طائفية إلى تحالفات شخصية مع ركن آخر من أركان الفساد يسعى للفوز بحصته، فإن القصة كلها تبدو دراما تكرر نفسها من دون انقطاع.

المهم في هذه الدراما، هو أن المال يضيع، ولا يبين له أثر. ولا يكون هناك متهمون. حتى لقد ألف الناس فكرة استقالة الحكومة، ووقف البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة، بوصفها وسائل لكي يتم طمس الحقيقة، وإثارة عاصفة من الغبار من حولها، لا أكثر ولا أقل.

السبب الرئيسي للفساد يعود إلى حسابات تتعلق بالعمر الافتراضي للنفط. فهو قد ينضب في غضون الـ25 عاما المقبلة، مما يغري البعض على أخذ حصته من عائدات النفط مسبقا.

السبب الآخر هو “الطوز”. فالكويت ليست صالحة للعيش طوال أشهر الصيف. ومع الارتفاع المقيت لدرجات الحرارة، فإن البقاء في البلاد مأساة حقيقية. فإذا تواصل التدهور البيئي، فإن الفرار منها هو الحل الأسهل والأمثل للذين يعتبرون بلادهم لا أكثر من برميل نفط. والفرار يتطلب مالا وفيرا في الخارج، واستثمارات تعمل في الخارج أيضا. ما يجعل البلاد وأموالها ضحية لماكينة أخرى تدور في الخارج.

ولكن من هم الوارثون؟

الوارثون هم “المعارضة”، وبعض ممن لم يصل لهم الدور، وقلة قليلة تؤمن بأن الكويت بلد يستحق أن يُعاش وأن تستثمر فيه الأموال وأن تتحسن بيئته بأنماط شتى من الزراعة التي يمكنها أن تحد من الارتفاع المطرد لدرجات الحرارة، وتُوقف ظاهرة الغبار.

أما المعارضة، فبالنظر إلى ارتباطاتها الخارجية، فإنها تنتظر الصفقة الأخيرة لبيع البلاد لمشتر ما.

إيران تعمل بهدوء وتأن وتخطط لما بعد الـ25 عاما المقبلة. لديها طائفة تكبر. ولديها عملاء أقوياء ومراكز نفوذ وعلاقات متشعبة. كما أن لديها عصابات مسلحة، يمكنها أن تخلق ما تشاء من الاضطرابات، بل وقد تستولي على السلطة ساعة تحل الساعة.

هذا الخطر، حتى وإن بدا بعيد الاحتمال، إلا أنه خطر قائم.

الحديث عاد ليطغى حول استقالة الحكومة ووقف البرلمان، بمناسبة مساءلة جديدة لوزير جديد، بالكاد تسلم منصبه، في حكومة لم يمض وقت طويل على وراثتها لحكومة مستقيلة سبقتها

سلسلة التفجيرات التي تم تنفيذها في الثاني عشر من ديسمبر العام 1983، وطالت ست منشآت أجنبية ومطار البلاد وغيرها من المواقع الحيوية، كانت تجربة أولى، لما يمكن أن يحصل، عندما تجد إيران نفسها راغبة بابتلاع الكويت عن طريق عملائها في البلاد.

سوف يكون “الفساد” هو العنوان؛ هو الذريعة. وهل هناك ذريعة أفضل منه؟ وهل هناك سبب يمتد طوله إلى 40 حكومة تلت بعضها نطحا، فنطحا، باتهامات الفساد؟

في ساعة الشؤم تلك، فإن قائمة طويلة من الذين لاحقتهم قضايا الفساد، على مر السنوات، وتم طمسها باستقالات وإعادة انتخابات، سوف تعود لتظهر، لتوفر التبريرات لجريمة سياسية تجمع بين الإرهاب والمظلوميات.

التردد في إجراء الإصلاحات، الذي ترك الباب مفتوحا للمعارضة لكي تنمو حتى صارت تمتلك الأغلبية في البرلمان، وحتى صار بوسعها أن تدفع إلى إقالة الحكومة كلما عنَّ لها مساءلة وزرائها، يمكن للمزيد من التردد أن يجعلها تتطرف أكثر. لتصبح البلاد لقمة سائغة للتوترات وانعدام الاستقرار.

جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الولي الفقيه، حتى وإن ظهرتا كخصمين، إلا أنهما تؤسسان لخطر واحد. كما أنهما تنطلقان من ذريعة واحدة أيضا.

الإصلاحات الشاملة التي سبق لبعض أبناء النخبة من الكفاءات الوطنية أن طالبت بالأخذ بها، إنما كانت تهدف إلى إخراج البلاد من دوامة الفساد ودوامة مكافحته التي لم تحقق الكثير، سوى أنها أقالت حكومات، ثم عادت لتدور في ذات الدورة مرة بعد مرة.

والإصلاحات لا تقصد وقف الفساد وحده، ولكن وقف الهدر، وإعادة الاستثمار في الكويت لإعادة بنائها وتخضيرها، وعلى أن تتحول إلى وطن للجميع. لكل من بقي يؤمن بأن هذه البلاد هي حصته الوحيدة من دون كل البلاد.

الحديث عاد ليطغى حول استقالة الحكومة ووقف البرلمان، بمناسبة مساءلة جديدة لوزير جديد، بالكاد تسلم منصبه، في حكومة لم يمض وقت طويل على وراثتها لحكومة مستقيلة سبقتها.

ليس من المعقول أن تظل ماكينة الفساد تدور وتطحن. ليس من المعقول أن تظل هذه اللعبة المملة، تثير المزيد من الملل.

برنامج وطني شامل للإصلاح، تنهض به حكومة كفاءات وطنية، هو الخطوة الأولى في الطريق لبقاء الكويت في منأى عن المخاطر التي تتربص بها.

8