الكتابة كفعل اقتصادي

السبت 2016/09/03

على العكس من بقية المناطق يعتقد الكثيرون في العالم العربي أن الانتشار وتحقيق أفضل المبيعات بالنسبة إلى الكتاب ليسا معيارين حقيقيين للجودة. وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار قدرة القارئ الغربي على الفرز وتحديد الأدب الجيّد عن غيره، وهي قضية نسبية في جميع الأحوال، فإن الأمر يعتمد بالضرورة على مدى وعي القارئ العربي والتأثيرات التي تدفعه إلى العزوف عن اقتناء الكتاب، مثل هذه الإشكالية تدفعنا إلى تأمل علاقة التأليف عموما والأدب على وجه الخصوص، بحجم الوعي الجمعي والأنظمة الاقتصادية المتبعة في البلدان. وبالنسبة إلى الغرب يتفاعل الأدب مثلا مع معطيات عدة وفق عملية معقدة ربما لا يكون للكاتب نفسه أي دور حيوي فيها، بقدر دور النشر وآليات التوزيع، لكنه يخضع لها في المحصلة بشكل لا واع.

تتعامل الآلية الاقتصادية في الغرب عموما مع الأدب والثقافة بشكل خاص كسلعة معروضة للجمهور، مستندة بذلك ومراهنة على وعي هذا الجمهور الذي يتمتع في الغالب بالقدرة على تمييز النتاج الجيد مع بعض الإيحاءات التي يمارسها النقد والمتابعات في الصحافة، لكن في جميع الأحوال لا يمكن مقارنة حجم القرّاء العرب وذائقتهم ومستوى وعيهم بنظرائهم في الغرب. فقد تلعب عوامل عدة في انتشار كتاب ما من عدمه خارج نطاق الجودة لا يتسع المجال هنا للحديث عنها، لكن ما هي تأثيرات تلك العملية المعقّدة على الكاتب العربي نفسه؟ وكيف يتعامل مع هذا الواقع الصعب؟ وهل يضع مثل تلك المؤشرات في حسبانه عندما يشرع في عملية الكتابة؟

في الواقع لا يخضع أغلب الكتاب لتلك المعايير ولا يعيرون أدنى أهتمام لها، أقصد ذائقة القارئ ومستوى وعيه والظروف الاقتصادية والنفسية التي تتحكم بمزاجه، منطلقين بذلك من شرط حرية الكتابة كما يحلو لهم وبالطريقة التي يجدونها مناسبة لأسلوبهم ورؤيتهم الخاصّة، وبالتالي تحدث قطيعة من نوع ما بينهم والقرّاء، ويبدأ البعض باتهام القرّاء بالضحالة وانعدام الذائقة والسطحية، بينما يتهم الكثير من القرّاء مثل هؤلاء الكتّاب بالتعقيد والتعالي والانفصال عن الواقع والتأثر بالتجارب الغربية التي لا تشبه بأيّ حال من الأحوال طبيعة المجتمعات العربية، وقد تنتج، كحصيلة لتلك الإشكالية المستعصية، حالة من العزوف عن القراءة والابتعاد عن الكتاب وانحسار رقعة القرّاء واقتصارها على النخبة.

ويعرب الكثير من القرّاء عن عدم ثقتهم أو ميلهم للكتاب العربي نتيجة ما يعتقدونه تعقيدا في أساليب الكتابة وتجريبيتها المبالغ فيها، ويلجأ الكثير منهم للأدب المترجم كتعويض ومسعى لسدّ حاجتهم إلى القراءة. وطالما كانت عملية الكتابة أو النتاج الإبداعي عموما تستند إلى شرطين هما الكاتب المنتج والمتلقي المُستقبِل لهذا النتاج، فإن أيّ خلل في هذه المنظومة قد يؤدي إلى اختلالها كلّيا، ناهيك عن انعدام البعد الاقتصادي للعملية برمتها. إنّه الفرق نفسه بين الاحتراف والهواية، وطالما اشتكى الكاتب من عدم جدوى الكتابة اقتصاديا وعجزها عن تحقيق الاكتفاء الذاتي له كي يتفرغ للكتابة، كما أن اختفاء هذا المعيار، أقصد معيار الرواج وتحقيق المبيعات، سيؤدي لا محالة إلى الخلط وانعدام المعايير المتحكمة بمستوى الجودة، وفي الغرب قلّما يصادف المرء كاتبا جائعا، أو عاجزا عن توفير متطلبات عيشه، ذلك لأن صفة الكاتب عندهم لا يمكن إطلاقها إلّا على المؤلف “الناجح” الذي تحقق كتبه المبيعات الجيّدة.

بالتأكيد هناك دائما الهواة الذين يدخلون عالم الكتابة والأدب من باب التسرية والتعبير عن الذات، ولهؤلاء مصادر دخل معينة خارج إطار الكتابة، لكن الحديث هنا عن الجانب الاحترافي للكتابة واختلاط المفاهيم الإبداعية بالاقتصادية في عالمنا العربي.

كاتب من العراق

16