"القمة العالمية للحكومات" ترسم مستقبلا ورديا للبشرية

دبي - انطلقت أعمال القمة العالمية للحكومات 2025، الثلاثاء، في دبي بمشاركة 30 رئيس دولة وحكومة بجانب 140 وفدا حكوميا، و400 وزير بجانب 6 آلاف مشارك، تحت شعار “استشراف حكومات المستقبل”، وتحوّلت القمة التي أصبحت مناسبة سنوية إلى أكبر فضاء لطرح قضايا، واستلهام أفضل التجارب في مجال التنمية المتوازنة والمستدامة والعادلة.

وعلي عكس هذا النوع من التظاهرات والمناسبات الدولية التي تركز على السلبيات والمخاوف، رسمت القمة مستقبلا ورديا، وأكدت أن الذكاء الاصطناعي سيخلق فرصا للنمو والعمل أكثر مما سيتسبب به من فقدان للوظائف.

وتوقع رئيس مؤسسة “القمة العالمية للحكومات”، محمد بن عبد الله القرقاوي، أن يعمل أكثر من 20 مليار روبوت على خدمة البشر في 2050.

وقال القرقاوي، وهو أيضا وزير شؤون مجلس الوزراء الإماراتي، في كلمته الافتتاحية إن “الـ25 عاماً الماضية برغم أنها كانت عاصفة بأحداثها، فقد كانت أيضاً مدهشة بتغيراتها وتحولاتها.”

وأضاف: “زاد سكان العالم إلى 8.2 مليار نسمة اليوم، وتضاعف حجم الاقتصاد من 34 تريليون دولار إلى 115 تريليون دولار عام 2024، ونمت التجارة الدولية من 7 تريليون إلى 33 تريليون دولار عام 2024.”

ولفت إلى أن “العالم انتقل هذه الفترة من هيمنة الشركات الصناعية والتقليدية مثل النفط والصناعات الثقيلة والخدمات المالية إلى صدارة الشركات التكنولوجية والمنصات الرقمية.”

وتابع القرقاوي قائلا: “في العام 2000 كانت الحروب التكنولوجية والروبوتات العسكرية في أفلام الخيال العلمي فقط، واليوم نشهد الحروب بالدرونز (الطائرات المسيرة) والروبوتات والذكاء الاصطناعي، وكان العالم يخاف من الحروب النووية فقط، واليوم العالم يخاف من الحروب النووية والسيبرانية والبيولوجية.”

ولفت إلى أن “العام 2050، سيشهد أيضاً تغيرات كبرى في شكل التعليم، وبفضل تقنيات تعزيز القدرات، ستتغير إمكانات البشر عقلياً وجسدياً، وسيعيش الإنسان لمدة أطول وستتضاعف إنتاجيته بمعدلات غير مسبوقة، وسيتمكن الإنسان من حل مشكلات شبه مستحيلة اليوم في البيئة والطب والفضاء، وستتمكن البشرية من التنقل بسرعة قياسية.”

النظرة المتفائلة التي حفلت بها الكلمة الافتتاحية للقرقاوي، انعكست أيضا حوار مع سوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة “غوغل وألفابيت” خلال جلسة ضمن اليوم الثاني من أعمال القمة، حاوره فيها عمر بن سلطان العلماء، وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد، نائب رئيس القمة العالمية للحكومات بالإمارات.

على عكس ما يشاع، أكد بيتشاي: “إن الذكاء الاصطناعي سيخلق فرص عمل جديدة كما فعل ظهور شبكة الإنترنت سابقا.” مضيفا أن الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة لن تلغي الوظائف، بل ستعيد تشكيلها، داعيا الحكومات للاستثمار في تدريب القوى العاملة وتأهيلها لمواكبة هذا التحول.

وتحدث بيتشاي عن التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أن الابتكارات الحديثة مثل ديب سيك تعكس الطبيعة العالمية لهذا التطور، وأكد أن الذكاء الاصطناعي أصبح متاحا بشكل متزايد للجميع، ما سيؤثر بعمق على مختلف المجالات.

وأشار إلى أن غوغل استجابت لهذه التغيرات بإطلاق ميزة AI Overviews، التي حسنت تجربة البحث بشكل ملحوظ، موضحا أن محرك البحث غوغل يستقبل يوميا أكثر من 8.5 مليار عملية بحث، وهو رقم يتجاوز عدد سكان العالم، كما أن غوغل مسؤولة عن 49 في المئة من إجمالي حركة الإنترنت العالمية، ما يضعها في موقع ريادي في تقديم المعلومات.

وفيما يتعلق بتأثير المنافسين، مثل ChatGPT ومنصات الذكاء الاصطناعي الأخرى، أكد بيتشاي أن سوق المعلومات يتوسع باستمرار، وأن تطورات الذكاء الاصطناعي ستخلق فرصا جديدة للجميع والمنافسة فيه ليست ذات محصلة صفرية.

وفي حديثه عن “الحوسبة الكمومية”، أوضح بيتشاي أن غوغل تمكنت من إجراء عملية حسابية خلال خمس دقائق فقط، وهي عملية كان من الممكن أن تستغرق أكثر من 10 ملايين سنة باستخدام أحد أقوى الحواسيب العملاقة التقليدية، وشبه هذه اللحظة بمرحلة الذكاء الاصطناعي في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.

تطرق بيتشاي إلى التقدم الكبير الذي أحرزته Waymo الشركة التابعة لغوغل المتخصصة في المركبات ذاتية القيادة، حيث قطعت مركباتها أكثر من 33 مليون ميل، وسجلت انخفاضا بنسبة 78 في المئة في الحوادث مقارنة بالسائقين البشر، وأشار إلى أن Waymo نفذت أكثر من 4 ملايين رحلة ركاب العام الماضي، وتقوم حاليا بتشغيل 150 ألف رحلة مدفوعة أسبوعيا في الولايات المتحدة.

وأكد أن الشركة تستهدف التوسع إلى 10 مدن جديدة بحلول عام 2025، مع أول اختبار دولي في اليابان، كما أعرب عن رغبته في التعاون مع الإمارات لتوسيع نطاق هذه التكنولوجيا، مشيرا إلى استعداد غوغل للشراكة مع الحكومات التي تتبنى الابتكار.

وبحثت القمة أبرز التوجهات المستقبلية في العمل الحكومي والقطاعات الحيوية، منها جلسة “الحكومات في عصر الذكاء الاصطناعي.”

وتراهن الإمارات على التكنولوجيا كجزء من مساعيها لتنويع اقتصادها بعيدا عن الوقود الأحفوري. وتخطط لإطلاق نماذج ذكاء اصطناعي جديدة مستوحاة من ديب سيك، بحسب ما ذكره الأمين العام لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة فيصل البناي، واصفا ظهور النموذج الصيني بأنه “خبر رائع.” مضيفا: “إنها أخبار رائعة. لأنها تثبت شيئا واحدا: هذه اللعبة في بدايتها.”

وكانت الإمارات قد أطلقت في العام 2023 نظام فالكون، وهو نموذج لغوي مفتوح سُمي تيمّنا بطائر الصقر والذي قورن بشكل إيجابي مع رواد هذه الصناعة بما في ذلك “تشات جي.بي.تي.”

وقال البناي إن “ما حدث مع ديب سيك كان دليلا آخر على أن الفرق الصغيرة والفرق الرشيقة والدول الرشيقة يمكنها التحرك بسرعة ويمكنها إحداث تأثير.”

وأضاف: “لذا، أعتقد أننا نتعلم مما أظهروه. نحن نتعلم، وسنقوم أيضا بإطلاق نماذج أخرى في هذا الصدد.”

وتابع: “أعتقد أن ديب سيك يعطي شعورا جادا بالتشجيع بأنك تستطيع أن تطمح إلى الأعلى في هذه اللعبة، لأنها لا تزال في بدايتها.”