القمبري يعزف ألحان الصحراء في شمال أفريقيا

تسمية هذا اللون الموسيقي تختلف في دول المغرب العربي، حيث يسمى في الجزائر "الديوان" وفي المغرب "القناوى" أو (تاقناويت) و”اسطمبالي” في تونس.
الثلاثاء 2021/03/30
الشباب يسافرون بآلة الأجداد إلى المسارح

الموسيقى لا تموت ما دامت الذائقة الفنية للشعوب تتطور وتتنوع، ويهتم جيل الشباب اليوم بموسيقات الشعوب، لذلك ازداد الاهتمام بالآلات الموسيقية القديمة، فآلة القمبري التي استوطنت مجال الصحراء في بلدان شمال أفريقيا أصبحت تعتلي مسارح العالم والمهرجانات بعد أن اعتمدها بعض الفنانين من تونس والجزائر والمغرب في أعمالهم الفنية الجديدة.

الجزائر ـ عندما تسافر إلى جنوب الجزائر، لا تَسْحرك فقط المواقع الأثرية مثل رسومات الطاسيلي أو قصور جانت أو قمة الأسكرام بجبال الهقار، ولكن تأسرك أيضا الموسيقى التي تقوم على آلة عمرها نحو 4 قرون، إنّها القُمبري ملكة آلات موسيقى الصحراء في شمال أفريقيا وعمودها الفقري.

والقُمبري أو الكُمبري (بنطق حرف القاف كالجيم المصرية) آلة موسيقية وترية عريقة، مصنوعة من الخشب، وجلد الإبل أو الماعز، وتأتي على شكل مستطيل وفي بعض الأحيان دائري أو مربع.

ويعتبر القمبري ذو الإيقاع الوتري المخفض، العنصر الأهم في الآلات الموسيقية المستعملة في موسيقى الديوان أو “القناوى” التي تشتهر بها تاغيت وبشار (جنوب غربي الجزائر) ومحافظات أخرى مثل تمنراست وورقلة (جنوب).

ووسط تضارب الآراء حول تاريخها، وصلت موسيقى الديوان إلى دول المغرب العربي، عبر قوافل التجار القادمة من السنغال وغينيا، في حين تقول روايات أنّ مالي كانت موطنها الأصلي، ويعود تاريخها إلى القرنين الـ16 والـ17 ميلادي، حسب باحثين في تاريخ الموسيقى.

وتختلف تسمية هذا اللون الموسيقي في دول المغرب العربي، حيث يسمى في الجزائر “الديوان” وفي المغرب “القناوى” أو (تاقناويت) و”اسطمبالي” في تونس.

ويتشكل القُمبري من مقبض خشبي وثلاثة أوتار أحدها قصير واثنان طويلان، وصندوق خشبي رنان (جزء محفور من جذع الأشجار)، مغلف بجلد مجفف من وبر الإبل أو الماعز، ما يعطي عند الضرب عليه تزامنا مع العزف على الأوتار ألحانا موسيقية رائعة.

ويبلغ طول الصندوق الخشبي 30 سم، وعرضه نحو 15 سم، أمّا المقبض الخشبي فمصنوع من شجر الجوز والصفصاف وطوله يصل إلى متر واحد. كما تصنع عادة أوتار القمبري الثلاثة من أمعاء ذكر الماعز، لاحتوائها على الكثير من الدهون.

Thumbnail

ويُزين القمبري بـ”جلاجل” معدنية من النحاس، في نهاية المقبض، من أجل إصدار صوت عند تحريك الآلة الموسيقية أو العزف على الأوتار، أو عند الضرب على الصندوق الخشبي، فيما يعمد بعض صنّاعه إلى تزيين جلده بالحنّاء وبمختلف الألوان لمنحه شكلا جميلا وعصريا.

قال الدكتور سليم دادة، مؤلف موسيقي جزائري “في الجزائر تستعمل آلة القمبري في العديد من التعابير الموسيقية التقليدية وبالأخص في الجنوب الغربي والصحراء”.

وأضاف دادة، “الأنواع الموسيقية الأهم في توظيف القمبري هي موسيقى الديوان، موسيقى الزاوية البلالية والعيساوة والتيجانية، الحضرة (طرق صوفية). ويستعمل فيها القرقابو (آلة يد بها أقراص معدنية محدبة في الوسط تصدر موسيقى)”.

وفي وصفه للقمبري قال، “عبارة عن عود أفريقي قديم ذو عنق واحد وطويل، به ثلاثة أوتار مصنوعة من أمعاء الحيوانات، وكذلك صندوق صوت مربع أو مستطيل الشكل، مغطى برق سميك وجاف مصنوع من جلد الجمل”.

ويرى العازف والباحث معلّم حمّو واسمه الحقيقي محمد زيدي أنّ “القمبري ظهر بعد الطبل والدف، وهو آلة وترية مصنوعة من مواد أولية كالخشب والجلد والمصران (الأمعاء)”.

واستطرد قائلا، “كما أنّه آلة روحانية لا يشبه الآلات الموسيقية الأخرى، لأنه يسكن الروح وتقوم عليه موسيقى الديوان الروحية”. ووفق الباحث معلّم حمو “موسيقى القمبري تستعمل لعلاج الأمراض النفسية، وهناك سر في نغمة القمبري التي تسكن الروح والوجدان”.

وأشار المتحدث إلى أنّه في السنوات الأخيرة دخلت تغيرات على القمبري مواكبة للتطور في مجال الموسيقى. ولفت، إلى أنّ “هذه الآلة التقليدية بدأت تستعمل مع آلات أخرى مثل القيثارة والبيانو والكمان والموندولين وغيرها”.

ورغم أنها موسيقية تندرج ضمن موسيقى الديوان، إلا أن موسيقى “القناوة” نقلت الآلة إلى العالمية بعد أن اشتهر هذا النوع الموسيقي في أوروبا وأميركا.

وتسعى فرق شبابية في كل من المغرب والجزائر وتونس إلى مزج موسيقى القناوة المغاربية بموسيقات أخرى مع الموسيقى الروك والداب والريغي والجاز والصلصا، وتنقل المستمع بين عوالم النغم المتعددة من القارة الأفريقية وبلدان البحر الأبيض المتوسط مرورا بالهند ووصولا إلى الأندلس وتمد الجسور بين الثقافات.

وتُقام لهذه الموسيقى بطابعها القديم والحديث مهرجانات سنوية في بلدان المغرب العربي بعد أن أصبح لها جمهور من الشباب، وأشهر هذه المهرجانات ذلك الذي ينتظم في الصويرة بالمغرب.

Thumbnail
24