القاهرة تنظر بشكل مختلف إلى شطب الجماعة الإسلامية من قوائم الإرهاب

جاء قرار شطب الجماعة الإسلامية في مصر من قوائم الإرهاب الأميركية ليكشف التوافق الحاصل بين مصر والولايات المتحدة، حيث غيرت القاهرة بدورها من تعاملها مع القواعد الشبابية للتنظيم محاولة احتواءها وإبعادها عن التشدد ومنطق التكفير، في حين تبدو خطوة واشنطن شهادة لنجاح مصر في حربها على الإرهاب.
القاهرة - عكس عدم إصدار القاهرة لبيان مندّد بشطب الخارجية الأميركية لخمسة تنظيمات من قوائم الإرهاب، من ضمنها الجماعة الإسلامية المصرية، وجود توافق على هذا التوجه بما يخدم استراتيجية مكافحة الإرهاب.
واقتصرت ردود الفعل الرافضة التي تدين الخطوة على بعض الإعلاميين والكتاب الذين اتهموا واشنطن بالاستمرار في محاباة تنظيمات الإسلام السياسي على حساب المصلحة المصرية، وهي ردود لا تعبر في المجمل عن وجهة النظر الرسمية في القاهرة.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت الجمعة شطب أربعة تنظيمات من لائحة الإرهاب بجانب الجماعة الإسلامية، وهي: حركة إيتا التي نشطت لفترة طويلة في إسبانيا وفرنسا، والمجموعة اليهودية المتطرفة “كهانا حي” المرتبطة بالحاخام مائير كاهانا، والمنظمة الجهادية الفلسطينية المعروفة بـ”مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس”، و”أوم شينريكيو” (أوم الحقيقة المطلقة) وهي طائفة يابانية نفذ أعضاؤها الاعتداء الدامي بغاز السارين في مترو طوكيو عام 1995.

أحمد سلطان: القرار الأميركي يثني على نجاح القاهرة في محاربة الإرهاب
وتعد الجماعة الإسلامية في مصر مسؤولة عن عمليات عنف واغتيالات وقعت خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي قبل أن يُطلق قادتها مبادرة لوقف العنف مكنتهم من إخراج عناصر الجماعة من السجون وتأسيس حزب سياسي يدعى “البناء والتنمية” بعد ثورة يناير 2011.
ويقول مراقبون إن الخطوة الأميركية شهادة على نجاح مصر في ملف مكافحة الإرهاب، وهو ما أكد عليه بيان الخارجية الأميركية الذي أقر بنجاح مصر في استبعاد التهديد الإرهابي من قبل هذه المجموعة التي لم تعد ضالعة في الإرهاب ولم تعد لديها القدرات أو النية للقيام بذلك.
وقال الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أحمد سلطان لـ”العرب” إن إعادة النظر المنتظمة التي ينص عليها القانون الأميركي لتحديد ما إذا كانت جماعة ما لا تزال تمارس الإرهاب من عدمه لإبقائها أو شطبها يتم من خلال التنسيق مع الأجهزة الأمنية في الدول المعنية للتأكد أولًا من أن هذه المنظمات لا تملك أذرعًا مسلحة.
وأضاف أن القرار يثني ضمنيًا على نجاح التوجهات المصرية التي هزمت على الأرض تنظيمات عديدة تلاقت مصالحها وحملت السلاح بعد عزل الإخوان عن السلطة، لافتا إلى أن “القرار شكلي والجماعة تظل محظورة على قوائم الإرهاب الدولية، وعلى قائمة وزارة الخزانة الأميركية، وغير مستفيدة من أصولها المجمدة”.
ورغم وجود اختلاف في طريقة التعاطي مع جماعات الإسلام السياسي بين واشنطن والقاهرة والتقديرات العامة بشأنها، إلا أن الأولى يهمها التعاون والتنسيق مع الدول المعنية بملف مكافحة الإرهاب خاصة تلك التي أثبتت نجاحات في هذا الصدد، وأبرزها مصر.
وتحرص الولايات المتحدة على تعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي مع الدول المهمة والمتداخلة بقوة مع ملف الإرهاب، وبينها مصر، بهدف تكريس واقع يحرم الجماعات الجهادية العابرة للحدود من حرية الحركة.
وتصب خطط تفكيك الروابط التي توطدت بين المنظمات الجهادية وفصائل الإسلام السياسي وبين الجماعات الدولية والمحلية خلال مرحلة الفوضى التي شهدتها المنطقة بعد العام 2011 في تقويض نشاط بقايا تلك المنظمات التي لا تزال تعمل ولا يقتصر خطابها التحريضي على الداخل العربي ويطال دولا غربية عدة.
ولا ترغب واشنطن في جلب المزيد من الانتقادات ضدها من دول الشرق الأوسط، خاصة من ضحايا هجمات هذه المنظمات وذويهم بعد ما جرى من انعكاسات سلبية لرعاية واحتضان مشروع الإخوان في السلطة خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما والتجربة المريرة في أفغانستان.
ويبدو أن هناك ميزانًا أكثر دقة توزن به مثل هذه القرارات قبل إصدارها يضع في الاعتبار مصالح الدول المعنية التي تعد طرفًا رئيسيًا في المعادلة، حيث تؤثر الإجراءات في هذا المجال بشكل مباشر عليها.
وتستطيع القاهرة توظيف خطوة كهذه لصالحها في إطار معاودة مواصلة احتواء هذا التيار بعد مروره بتجارب في السنوات الماضية أثبتت خطأ اختيارات القادة الذين هيمنوا على قرار الجماعة الإسلامية ووظفوها لخدمة أهداف جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة ومصالح قوى إقليمية.
وثبت لدى الجيل الأصغر سنًا والعناصر التي تمّت استثارة حماستها الدينية مجددًا استغلالًا لنجاح الانتفاضة ضد نظام الرئيس المصري الراحل حسني مبارك أن قادتهم لا يمكنهم إدارة دولة.
وأدت قرارات هؤلاء القادة الخاصة بالتحالف مع جماعة الإخوان في أثناء وبعد عزلها عن السلطة والتنسيق الإقليمي مع القاعدة والتنصل من كثير من تعهدات مبادرة وقف العنف إلى وقوع الجماعة في أزمة معقدة.
وتشتّتت الجماعة بين قادة هاربين ومسجونين وأدرجت قضائيًا ضمن الكيانات الإرهابية، وهو ما أيدته محكمة النقض كأعلى هيئة قضائية بمصر في مارس 2021 وقبلها الحكم بحل حزب الجماعة في مايو 2020.
وأدى ما أثبتته الأجهزة الأمنية ووثقته أوراق وتحقيقات القضايا التي أدين فيها عناصر وقادة بالجماعة بشأن مواصلة اعتناق تكفير الحاكم وشرعية الخروج عليه، إلى عودة التنظيم مجددًا كملف أمني والقيام بمراقبة صارمة لأعضاء الجماعة داخل مصر.
وعانى كوادر الجماعة وأسرهم من تبعات العودة إلى العنف ضد الجيش والشرطة وتبني خطاب التحريض ضد الدولة تضامنًا مع الإخوان بعد أن أعلنت الجماعة الإسلامية عن توبتها، بينما القادة ومن وصفهم أحد القضاة بأمراء الدم الذين ساقوا الكوادر إلى هذا المصير يعيشون خارج مصر بعيدًا عن الخطر.
بيان الخارجية الأميركية أقرّ بنجاح مصر في استبعاد التهديد الإرهابي من قبل الجماعة الإسلامية التي لم تعد ضالعة في الإرهاب ولم تعد لديها القدرات أو النية للقيام بذلك
وتدفع المعطيات الخاصة بالجماعة الإسلامية وما جرى من تراجع لمشروع الإخوان في السلطة وتقليص قطر وتركيا لدعمهما وامتلاك القاهرة القدرة على طرح الحقائق الكاشفة من خلال الإعلام والدراما، إلى تجريب سياسة الاحتواء خاصة مع الشباب الأصغر سنًا، ومن لم يتورطوا في عنف والتزموا بتعهدات مبادرة وقف العنف والمراجعات الفكرية.
ويؤكد أسلوب التعامل المصري مع الجماعات ذات الماضي الجهادي توخي الحذر وعدم فتح أبواب العودة إلى العنف وإزالة الحواجز بين شبابها والدولة، بهدف إزالة أسوار الكراهية والعداء التي بنتها قوى وكيانات أكبر، مثل تنظيم الإخوان وقوى خارجية بهدف توظيفها كأدوات.
وتحرص القاهرة على أن تقود شباب التيار الإسلامي (بشكل غير مباشر) من خلال رسائل سياسية متباينة ومنح الفرصة تلو الأخرى ليتخلص هؤلاء من التكفير والعنف فكرًا وممارسة، وهو ما يحرم الإخوان من خزان بشري ضخم يضم طيفا واسعا من الإسلام السياسي، ولا يقتصر على أعضاء جماعة اعتادت شحنه وتحريضه ضد الدولة ومؤسساتها.
ويفيد تماهي القاهرة مع إجراء الخارجية الأميركية في حرمان قادة الجماعة الإسلامية الهاربين والمدانين في قضايا إرهاب من استغلاله لصالحهم بإجراء مقارنات بين الغرب الذي يزيل الإسلاميين من قوائم الإرهاب والعرب الذين يتعلمون الدروس، وفق ما قاله طارق الزمر القيادي في الجماعة على حسابه في تويتر.
وتترك الأجهزة المصرية مساحة أمام شباب هذا التيار وغيرهم من العناصر صغيرة السن بالفصائل الشبيهة لتأمل الدروس والتعلم من التجارب والوقوف على ما تسبب فيه قادة التنظيمات من كوارث، وعدم الانجرار وراء تحريض من الخارج لا يصب إلا في مصلحة قادة باتت معركتهم مع النظام صفرية بالنظر إلى القضايا المدانين بسببها.
وتجد القاهرة في تحييد العدد الأكبر من عناصر وشباب الجماعات ضروريا في هذه المرحلة الحرجة التي تعاني فيها البلاد من تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا على الاقتصاد، ما يمنح جماعة الإخوان فرصًا في خلق جاذبية لخطاب التحريض الذي تتبناه وسط الإسلاميين.
ولا تمنع الانتكاسة الحقيقية التي تواجهها جماعة الإخوان وفصائل الإسلام السياسي والجهادي، ومن ضمنها الجماعة الإسلامية، تخطيطهم الدؤوب وطويل النفس للتأقلم مع المتغيرات واستغلال الفرص واللعب على عامل الوقت واعتياد الغالبية من المصريين على النسيان.