الفن موقفا وجمالا

الثلاثاء 2017/07/04

ها نحن نتحدث مرة أخرى عن الفن بوصفه موقفاً، ولا يحسبن أحد أننا نعود إلى فكرة الالتزام في الفن التي طرحتها الأيديولوجيا الشيوعية في لحظة من لحظات التاريخ المعاصر، وخشية من أن تقع الشبهة بقولنا الراهن حول الفن آثرنا استخدام كلمة موقف بدلاً من كلمة الالتزام.

ماذا يعني الفن موقفاً، أو قل ما معنى الموقف؟

الموقف هو نظرة إلى الحياة من حيث معناها وقيمتها، وإذ نقول الحياة فإنما نعني الموقف من الإنسان من حيث واقعه ومصيره وسعادته ومتعته وسموه. لا أريد أن أوسع نظرتي الشاملة للفن عموماً بل سأحصر اهتمامي بالأغنية العربية بوصفها أحد أهم صعد الفن التي تشكل الذوق الجمالي الذي ينعكس ولا شك على البنية النفسية والسلوك المرتبط بهذا الحس الجمالي.

فالأغنية موقفاً لا تعني أبداً ما يسمى بالأغنية الوطنية ذات الصيغة التحريضية ، فهذا النمط من الأغاني نمط مرحلي مؤقت، وذو ارتباط بالمناسبات الكفاحية. فهناك العشرات من الأغاني الوطنية التي غنتها أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم في المرحلة الكفاحية الناصرية. لكن من النادر أن تجد شخصاً من الأجيال الجديد يعود إليها ليسمعها، لكنه يعود إلى تلك الأغاني المرتبطة بالحب والجمال والطرب.

ومَن مِن الجيل الراهن سمع بلودي شامية ودلال الشمالي السوريتين اللتين غنتا للبعث بعد انقلاب 8 آذار وقس على ذلك.

ولقد شهدت الأغنية العربية كارثة مدمرة للذوق الفني مرتبطة بانحطاط الدكتاتوريات العربية. وكالعادة فإن مصر التي نهضت بالموسيقى العربية والأغنية على امتداد قرن من الزمان هي المكان الذي شهد انحطاط الأغنية والموسيقى مع ما يسمى بظاهرة الأغنية الشبابية حيث انحدرت الكلمة والنغمة والصوت وانتقل هذا الانحطاط الكارثي إلى لبنان الذي لو استثنيت منه الظاهرة الرحبانية لما وجدت شيئاً ذا بال.

والحق أن السبب المباشر الذي دفعني إلى الكتابة حول هذا الموضوع ليس انتمائي إلى موسيقى وأغاني فيروز وموسيقى الرحابنة وأم كلثوم وملحنيها العظام وعبدالوهاب وعبدالحليم وفريد الأطرش ونجاة وصباح فخري ومحمد منير وما شابه ذلك بل ما لفت نظري ظهور الفنانة السورية ريم رافع التي تشدو بأجمل الألحان والكلمات وبصوت عذب في هذا الخراب. وتعيد غناء الفلكلور الشامي الأصيل بما ينطوي عليه من حب وحنين وشجن وفرح.

وبعد فإنه إذا توافر النص العميق بموضوعه الإنساني والصوت الشجي بأدائه الخلاب والموسيقى الخالية من النشاز حصلنا على الأغنية لا بوصفها قيمة جمالية فحسب وإنما أيضا باعتبارها قيمة جمالية – أخلاقية تربوية تخلق شعوراً بالتسامي وتمنحنا إحساسا حميميّا بالحياة، وحصلنا على الفن الموقف.

كاتب فلسطيني مقيم في الإمارات

14