الفقر يضاعف من تجنيد الأطفال في الفصائل السورية الموالية لتركيا

حلب (سوريا) - تعطي أحدث المؤشرات دليلا آخر عن مدى استغلال الميليشيات السورية، التي تدعمها تركيا، لحالة الفقر وغياب الرقابة بين النازحين في المناطق التي تسيطر عليها بهدف تجنيد الأطفال في صفوفها والزج بهم في معاركها التي لا تنتهي ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مناطق شمال شرق البلاد، وأيضا ضد قوات نظام الرئيس بشار الأسد.
ورغم اعتماد مجلس الأمن في شهر يوليو 2018 قرارا بشأن الأطفال والصراعات المسلحة، أدان فيه كافة انتهاكات القانون الدولي بما فيها تجنيد الأطفال من قبل أطراف النزاعات المسلحة وقتلهم وتشويههم واغتصابهم، إلا أن الوضع على الأرض في سوريا يبدو مختلفا بسبب غياب وسائل تراقب مثل هذه الأعمال والانتهاكات بحق الطفولة.
ومنذ بداية النزاع في 2011 تعرض الأطفال السوريون لأخطار لا حصر لها رغم الحماية التي منحها القانون الدولي لهم. وتشير تقديرات أممية وأخرى صادرة عن منظمات حقوقية دولية إلى أنه تم تجنيد الآلاف منهم على يد نظام الأسد وتنظيم داعش المتطرف وباقي الفصائل المتشددة، التي تعمل تحت إمرة الجيش التركي، لكن لا توجد إحصائيات دقيقة حولهم.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير نشره على منصته الإلكترونية الاثنين كيف أن فصائل مسلحة تتقدمها “درع الفرات” و”غصن الزيتون” المدعومة من أنقرة في مناطق ريف حلب الشمالي جندت أعدادا كبيرة من الأطفال، لم يحددهم بدقة، تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 18 عاما.
ويشرح المرصد طريقة قبول هؤلاء الأطفال في صفوف الفصائل وإخضاعهم لدورات عسكرية، ومن ثم توزيعهم على المقرات والحواجز بشكل غير مدروس في كثير من الأحيان، مستغلين حالة الخصاصة التي تعيشها أسرهم وأغلبهم من النازحين، مما يعرض حياة هذه الفئة إلى المخاطر كونهم لا يعون نتائج المواجهات الحربية في ساحات القتال مقابل بعض المال.
ورغم عدم وجود قرار يلزم الأطفال بالانضمام للمقاتلين، إلا أنه وفي الوقت ذاته لا توجد قرارات وقوانين تمنع ذلك، ولكن ما تشهده سوريا من أزمة معيشية وتفكك أُسري بشكل كبير بسبب ويلات الحرب والنزوح، فتح الباب أمام الكثير من الأطفال للانضمام إلى الفصائل المسلحة خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها.
ويرى مراقبون ومتابعون لما يحدث في سوريا أن انخراط الفصائل الموالية لتركيا في تجنيد الأطفال له ما يبرره، فالأمور في منطقة الشمال السوري تتسارع بشكل يتجاوزها، وتخشى أن يكون هناك توجه دولي لسحب البساط من تحت أقدامها، خاصة بعد التغيرات التي طرأت على الساحة الدولية في الآونة الأخيرة.
وبحسب المرصد، يشكل الأطفال الذين يتم تجنيدهم من الميليشيات السورية المدعومة من أنقرة نسبة تتراوح ما بين 10 إلى 12 في المئة وذلك بحسب كل فصيل. ومن أكثر الفصائل التي يتواجد بين صفوفها أطفال هم “فرقة الحمزات” وفرقة “السلطان مراد” و”تجمع أحرار الشرقية”.
ومع أنه لا توجد أرقام دقيقة يمكن الحصول عليها عن أعداد هؤلاء الأطفال لأنه من الصعب القيام بذلك في ظل وجود تكتم أمني على مثل هذه القضايا، لكن لا يكاد يخلو حاجز من الحواجز من وجود عنصر أو اثنين تحت السن القانوني، أي 18 عاما.
أبرز الفصائل التي تجند الأطفال
- درع الفرات
- غصن الزيتون
- فرقة الحمزات
- فرقة السلطان مراد
- تجمع أحرار الشرقية
ويمثل ملف تجنيد الأطفال مشكلة متفاقمة لمنظمات حقوقية دولية تعمل على إنهاء المأساة المتواصلة في بلدان عديدة تشهد نزاعات مساحة، وقد كانت دول عربية في السنوات الأخيرة من الأكثر تجنيدا للأطفال نتيجة للفوضى التي حدثت فيها.
وليس ذلك فقط، بل يعتبر الكثير من الخبراء أن جائحة كورونا وتداعياتها الخطيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي فاقمت من ظاهرة تجنيد الأطفال في مناطق النزاع. حيث تسبب الفقر نتيجة الوباء في تضخيم أعداد الأطفال الجنود، الذين يتورطون في أعمال دموية وقتال يرتقي إلى مستوى جرائم حرب في العديد من البلدان.
وفي فبراير الماضي، توقعت الأمم المتحدة في أحدث تقرير بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة تجنيد الأطفال، الدفع بالمزيد من الأطفال للانضمام إلى الجماعات المسلحة في مناطق النزاع بسبب وباء كورونا وتداعياته القاسية على مختلف مناحي الحياة.
وتعد ظاهرة تجنيد الأطفال في الحروب قديمة، ومع توسع دائرة النزاعات يسجل الضحايا من الأطفال أرقاما مفجعة في مناطق الصراع، وتزداد المأساة الإنسانية حينما يودع الأطفال الطفولة ويرتدون الزي العسكري في الجبهات.
وخلال العشرية الماضية، تزايدت معدلات تجنيد الأطفال في العديد من الدول العربية بتصاعد حدة الصراعات، ورغم عدم وجود احصائيات دقيقة وشاملة إلا أن تقارير أصدرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) تؤكد على أن كافة أطراف النزاع في دول الصراعات وخاصة في ليبيا واليمن والعراق وسوريا، تقوم بتجنيد الأطفال.
ويشير خبراء إلى أن المواصفات الخاصة التي تميز الأطفال عن الراشدين تشكل حالة جذب للسعي نحو تجنيدهم وذلك لسهولة استخدامهم والتحكم بهم وتوجيههم وإدارتهم في المعارك، وسرعتهم في تعلّم مهارات القتال، والاندفاع والمجازفة الناتجة عن عدم تقدير العواقب.
وفي المحصلة تجعل من هؤلاء الأطفال ضحية سهلة ومخزونا استراتيجيا بشريا لتعويض نقص الجنود الراشدين، الذي يسببه طول أمد الصراع، ويتم من خلالهم ضمان استمرار رؤية وأفكار هذه التنظيمات وتثبيت ثقافة الحرب لأجيال قادمة ما يشكل تحديا في صياغة مستقبل بعيد عن الحروب.