الفرنسيون يعودون إلى عاداتهم: الدردشة والجلوس في المقاهي

باريس صُمّمت ليرتاد الناس شوارعها وحدائقها.
الخميس 2021/05/20
العودة إلى الحرية بحذر

لم تعرف شوارع باريس الفراغ كما عرفته أثناء القيود التي فرضتها جائحة كورونا، لكن اليوم تنفض مدينة الأنوار والرومانسية عنها الوحشة مع عودة الفرنسيين إلى المقاهي والمطاعم للدردشة، وهم الشعب الذي عرف بأنه أكثر الشعوب التي تمضي وقتها خارج المنزل.

باريس - بالنسبة إلى الفرنسي إيلي أياش بدا العالم أرحب في المدة الأخيرة مقارنة بما كان عليه أثناء الجائحة، فبعد قيود احتواء تفشي فايروس كورونا عاد إلى مقهاه المفضل في باريس لاحتساء قهوة الصباح وتناول “الكرواسون”.

واستأنفت المطاعم والمقاهي الفرنسية تقديم خدماتها للزبائن بعد إغلاق استمر ستة أشهر بقرار من الحكومة في محاولة للحد من انتشار العدوى.

وبعد ستة أشهر من حياة تحكمها قيود الحجر الصحي صار بإمكان الفرنسيين الذهاب إلى المطاعم والمقاهي والحانات من جديد لكن في باحاتها الخارجية فقط، مع فرض استقبال 50 في المئة من قدرتها الاستيعابية وجلوس ستة أشخاص فقط إلى الطاولة نفسها. وفُرض على المطاعم والمقاهي الانتظار حتى التاسع من يونيو لاستقبال الزبائن في قاعاتها الداخلية.

وسُمح مجددا لدور السينما والمسارح والمتاحف الفرنسية باستقبال الجمهور مع إجبارية ارتداء الكمامات، وكذلك سمح لجميع المتاجر باستئناف عملها مع تحديد القدرة الاستيعابية القصوى.

وتمّ تأخير بدء سريان حظر التجوال الليلي ساعتين وأصبح يبدأ عند الساعة التاسعة مساء وينتهي عند السادسة صباحاً.

الشعب الفرنسي يقضي وقتا في الأكل والشرب خارج المنزل أكثر مما يقضيه مواطنو أي دولة متقدمة أخرى

وفي الأيام الأخيرة بدا عمال المقاهي والمطاعم  ينشطون كي يكونوا جاهزين، فنظّفوا الباحات الخارجية ورتّبوها وتمّ تسليمهم صناديق المشروبات والجعة. وقام بعضهم بوضع لوائح حجوزات سرعان ما امتلأت.

تقول أميلي البالغة من العمر 32 عاماً، وهي من سكان باريس، إنها العودة إلى “الحياة، الحياة الحقيقية” وإمكانية الجلوس مع الصديقات والأصدقاء للدردشة واحتساء المشروبات.

واحتسى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس وزرائه جان كاستكس قهوة في شرفة أحد المقاهي صباح الأربعاء قرب قصر الإليزيه للتأكيد على “لحظة من لحظات استعادة الحرية” وفق قول الرئيس الفرنسي مع إعادة فتح المحلات التجارية وشرفات المطاعم.

وقال ماكرون بعد جلوسه في شرفة المقهى أمام كاميرات القنوات الإخبارية في شارع ميرومسنيل قرابة الساعة الثامنة والنصف مع رئيس حكومته إن هذه القهوة “لحظة صغيرة من استعادة الحرية التي هي ثمرة جهودنا الجماعية”.

وأضاف “أريد أن أقول لكم: دعونا نتعود على محاولة العيش معًا في الوقت الحاضر” داعيًا في المقابل إلى “توخي الحذر لننجح جماعيا في السيطرة على الوباء”.

وتابع “إذا تمكنا من تنظيم أنفسنا جماعيا ومواصلة التطعيم وحفاظ المواطنين على الانضباط الجماعي فلا سبب يمنعنا من الاستمرار في المضي قدمًا”، معربا عن ارتياحه لأن “تكون أرقام الوباء موجهة بشكل جيد”.

وكان الوباء العالمي قد أجبر السلطات على إغلاق أماكن الضيافة على مستوى العالم لكن في فرنسا، البلد الذي اخترع الطعام الفاخر، كان للإغلاق وقع أشد.

ويمضي الشعب الفرنسي وقتا في الأكل والشرب أكثر مما يقضيه مواطنو أي دولة متقدمة أخرى وفقا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتناول الطعام بالخارج يعد جزءا من النسيج الاجتماعي.

وقال أياش الذي يعمل في قطاع أسواق المال، وهو جالس في شرفة مقهى “ليه دو ماجو” الذي كان يرتاده الكاتب الأميركي إيرنست هيمنغواي وغيره من الأدباء المشهورين “كاد صبري ينفد (أثناء انتظار) العودة إلى حياتي الطبيعية وإلى ما كنت عليه من قبل”.

وأضاف أنه كان يأتي إلى هذا المقهى كل صباح، وحتى في عطلات نهاية الأسبوع، قبل الإغلاق كجزء من روتينه اليومي ليستجمع أفكاره.

البسة تعلو الوجوه بعد استئناف العمل
الحياة تعود إلى شوارع باريس

لكنه لم يسترجع روتين حياته بشكله المعتاد، فمكانه المفضل كان بداخل المقهى، لكنه ما زال لا يستطيع الجلوس فيه بسبب قيود كوفيد – 19 ويقول إن الطقس في الشرفة بارد قليلا.

واستدرك “لكن الأمور ستعود إلى ما كانت عليه شيئا فشيئا، وأنا سعيد للغاية”.

وتقول جوان ديجين، المؤلفة والمؤرخة في الثقافة الفرنسية، “إن هناك شيئا مؤثرا على نحو خاص في ما يتعلق بفراغ باريس أثناء الإغلاق، لأن قدر هذه المدينة أن تكون مرئية، فقد تم بناء باريس ليكون الناس في شوارعها ومقاهيها ومطاعمها وفضاءاتها العامة عمدا، فهي تتلقى التقدير البصري من هذا المنطلق”.

وتضيف “إذا لم يكن هناك مشاة ينظرون إلى كل شيء، من الحدائق إلى المنازل الرائعة إلى جزيرة إيل سانت لويس، فإن هذه الأشياء تفقد سبب وجودها”.

وتقول إنه خلال فترة الإغلاق كانت هناك مدينتان تم تصويرهما بشكل خاص لكونهما فارغتين وهما البندقية وباريس، فقد تم تصوير البندقية لإظهار كيف تبدو المدينة دون سياح، وتم تصوير باريس لإظهار مدى صعوبة التعرف على المدينة دون أن يستمتع بها الناس.

وعلى الرغم من إقبال الفرنسيين على الجلوس في المقاهي يوم عودتها الأول إلا أن مخاوف العاملين بقطاع السياحة ما زالت قائمة؛ إذ يقول  ألبير آيدان، مدير مطعم “لامي جورج” وسط  باريس، إن “المشكلة تكمن في معرفة ما إذا كان الزبائن سيعودون (…)”، مشيرا إلى أن “معظم الشركات تطلب من موظفيها العمل من منازلهم”.

ويقول الباحث الجغرافي لوك غويزدزينسكي “لن نخرج من هذا الأمر كما كنا تماما”؛ فالكثير من الباريسيين الأغنياء يفكرون بالفعل في الخروج من العاصمة، كما فعل الكثيرون خلال فترة الإغلاق نفسها، والعمل عن بعد من المنازل في الريف.

ويضيف أن ذلك قد يفيد المدن الإقليمية الصغيرة في بلد تهيمن فيه باريس على الاقتصاد الفرنسي، متابعا “باريس مثل طائر العنقاء، وستولد من جديد، فباريس ليست مجرد مركز اقتصادي، بل لديها عالم رومانسي وخيالي، وصورتها كعاصمة الحب والرومانسية لم تتضرر. ولكن بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون هنا فإن القصة مختلفة”.

 
20