العودة البطيئة للجماهير المصرية: مخاوف أمنية أم خطة رياضية

القاهرة – تتحسب الجهات المسؤولة عن إدارة الرياضة المصرية في قراراتها المرتبطة بعودة الجماهير إلى الملاعب مرة أخرى بعد عشر سنوات من وقوع حادث ملعب بورسعيد الذي راح ضحيته 72 مشجعا، ما ينعكس على سماحها بحضور جماهيري كامل في مباريات منتخب الفراعنة وتستجيب لضغوط الأندية في زيادة أعداد مشجعيها في البطولات القارية، ولا تسمح سوى بحضور أعداد قليلة لمباريات الدوري العام ذرا للرماد في العيون.
وأقرت رابطة الأندية المحترفة لكرة القدم المصرية التابعة لاتحاد الكرة أخيرا زيادة طفيفة في أعداد جماهير الدوري لتصل إلى خمسة آلاف مشجع بعد قرار سابق مع انطلاق بطولة الدوري الحالية بإعلانها عن مشاركة ألفي مشجع في كل مباراة، وسط توقعات بإمكانية زيادة أعداد المشجعين على نحو أكبر مع انطلاقة دوري الموسم المقبل، لكن من دون أن تصل إلى القيمة الاستيعابية الكاملة للملاعب المصرية.
وتنقسم الرؤى حول دلالات العودة البطيئة للجمهور، وهناك قناعة لدى البعض بأن الهواجس الأمنية من حدوث عمليات شغب من جانب مشجعي الفرق المحلية، على رأسها الأهلي والزمالك صحابي الشعبية الكبيرة، وإمكانية توظيف الحضور في الملاعب لإعادة ترتيب أوراق روابط المشجعين (الأولتراس) المصنفة خطيرة مرة أخرى، ما يشكل سببا رئيسيا نحو التمهل في اتخاذ قرارات العودة الكاملة والسير في خطوات بطيئة ومحسوبة في التعامل مع الحضور التدريجي للجمهور.
ويقول البعض من النقاد الرياضيين إن المشكلة لا تتعلق بصعوبات على مستوى التأمين بعد أن أثبتت الحكومة قدرتها على تنظيم بطولة كأس الأمم الأفريقية قبل ثلاث سنوات وسمحت بحضور جماهيري كامل في مبارياتها، ودائما ما تكون مباريات المنتخب المصري كاملة العدد، بالتالي فالأزمة تكمن في مخاوف من استعادة التوظيف الخاطئ لروابط “الأولتراس” يغذيها احتقان جماهيري بين القطبين الكبيرين، الأهلي والزمالك.
وتترجم خطوات الجهات المسؤولة عن تنظيم مباريات كرة القدم فلسفة رياضية تعمل على تطبيقها وتقوم على إتاحة الملاعب أمام الجمهور عبر إجراءات تنظيمية وأمنية من خلال “بطاقة المشجعين” والإعلاء من قيمة المنتخبات الوطنية بدلا من الوضع السائد منذ سنوات وأضحى فيه التعصب للأندية يفوق المنتخب الوطني، وتكريس فكرة توظيف المدرج للتشجيع فقط بعيدا عن السياسة التي حضرت بقوة مع اندلاع ثورة يناير في العام 2011.
زيادة مقررة
قال رئيس رابطة النقاد الرياضيين بمصر حسن خلف الله إن العاملين في القطاع الرياضي يشجعون كل زيادة مقررة في أعداد الجمهور وإن كانت طفيفة، بما يسهم في عودة الروح للبطولات المحلية التي تأثرت سلبا بالغياب الجماهيري، ومن المأمول أن تأخذ الأعداد في التزايد لتصل إلى طبيعتها السابقة مع اتخاذ الإجراءات التأمينية والتنظيمية الصارمة، بما لا يؤدي إلى حدوث انتكاسات جديدة. وسمحت السلطات المصرية عام 2015 بعودة المشجعين إلى الملاعب، لكن قبل بداية أول مباراة بحضور الجماهير بين نادي الزمالك وإنبي وقعت مأساة أخرى، إذ تسببت حركة الحشود حول الجهاز الأمني المتواجد عند مدخل ملعب الثلاثين من يونيو في مقتل 20 مشجعا، بعدها تقرر إقامة المباريات دون جماهير مع السماح بحضور عدد محدود من كل فريق في مباريات الدوري قبل انتشار وباء كورونا.
وأضاف خلف الله في تصريح لـ”العرب” أن الجهات المنظمة للمباريات تضع في حسبانها حساسية مباريات الدوري المحلي المصحوبة باحتقان دائم بين الجمهور، في حين أنها تشجع على حضور أعداد أكبر في المباريات التي تحمل طابعا قوميا مثلما الحال بالنسبة إلى مباريات الفرق المصرية والمنتخب في البطولات الأفريقية وتصفيات كأس العالم، وتعول على توجيه الاهتمام نحو تلك المنافسات كبوابة لوأد التعصب.
تجاوز السلبيات
وأشار إلى أن الرياضة المصرية تجاوزت إلى حد كبير التأثيرات السلبية لروابط “الأولتراس”، لكن مازالت بعض الخلايا الخفية تعمل على التقليل من شأن سلوكيات الجمهور في مباريات المنتخب الوطني وتروج أن التشجيع الحقيقي من خلالها فقط، لكن لا تشكل خطرا بعد أن تعاملت الأجهزة الأمنية معها بشكل جيد السنوات الماضية. وتكمن الأزمة الحقيقية أمام متخذي قرار عودة الجمهور في أن بيئة التعصب لم تغب عن المجتمع الرياضي حتى مع غياب الجمهور إلى المدرجات، وانتقلت بالتبعية إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تشكلت عبرها روابط أخرى بديلة غير مرئية أو فاعلة على الأرض مثل روابط “الأولتراس”.
سبعة فرق في الدوري الممتاز تحظى بشعبية جماهيرية كبيرة، من ثمانية عشر فريقا، يتزعمها الأهلي والزمالك
وتبقى هناك مخاوف من إمكانية ترجمة المعارك الإلكترونية إلى فعل حقيقي على الأرض، وفي الوقت ذاته فإن الجهات الحكومية لم تكن حاسمة في مسألة حصار التعصب والتعامل بالقانون مع مثيريه سواء من المسؤولين أو الإعلام أو المشجعين.
ويعد الحضور الجماهيري في المدرجات سلاحا ذا حدين، لأنه يعبر عن أجواء الهدوء والاستقرار وتسهم عودته إلى طبيعتها في تشجيع مناخ الاستثمار الرياضي الذي أخذ في التصاعد السنوات الماضية وأدى أخيرا إلى جذب راعي الليغا الإسبانية، شركة “سي.إيه سبورتس” للعمل بشكل رسمي في السوق المصرية. وفي حال ظهرت بوادر جديدة تؤشر على إمكانية استغلال المدرجات لأهداف سياسية فإن ذلك سوف يشكل انتكاسة أمنية واستثمارية، ما يفرض التريث في اتخاذ قرار العودة الكاملة، ودائما ما توجد تقييمات لسلوكيات الجماهير في مباريات الدوري.
وقررت رابطة الأندية المحترفة لكرة القدم المصرية في نوفمبر الماضي حرمان 349 مشجعا من جماهير الأهلي من حضور مباراتين بعد أن رصدت ترديدهم أغاني وأهازيج خاصة بالفريق أثناء عزف السلام الوطني في مباراة بالدوري المحلي كان طرفها الآخر فريق غزل المحلة، وهددت الرابطة بحرمانهم من حضور باقي مباريات الدوري حتى نهاية الموسم حال تكرار الواقعة.
يتفق البعض من النقاد على أن إقرار مجموعة من الحوافز الحكومية للاستثمار الرياضي والاتجاه نحو إتاحة الفرصة أمام الأندية التابعة لهيئات وشركات خاصة لا يقود إلى وجود إرادة سياسية داعمة لعودة الجمهور إلى البطولات المحلية بشكل سريع، خاصة مع تراجع عدد الأندية الجماهيرية في ترتيب الدوري المحلي، وغياب أدوات الضغط التي استمرت السنوات الماضية للعودة الكاملة مجددا.
وتحظى سبعة فرق في الدوري الممتاز بشعبية جماهيرية كبيرة، من ثمانية عشر فريقا، وهي: الأهلي والزمالك والإسماعيلي والمصري والاتحاد السكندري وسموحة وغزل المحلة، بينما تنتمي الفرق الأخرى إلى شركات وأندية خاصة وبنوك، وسط توقعات بإمكانية تقلص هذا الرقم مع النتائج الإيجابية التي تحققها أندية الشركات في دوري الدرجة الثانية وتراجع بعض الأندية الجماهيرية بشكل كبير.