العنف ضد المرأة الليبية يقطع أمامها طريق العمل السياسي

باتيلي يؤكد أن كل جهد يُبذل في منع العنف ضد النساء والفتيات يعد خطوة مهمة نحو ليبيا أكثر أمانًا وعدالة وشمولًا.
الخميس 2023/11/30
الليبيات يحدوهنّ أمل المشاركة في الحياة السياسية

طرابلس - تعرف ليبيا هذه الأيام حراكا حقوقيا لمناقشة ملف العنف ضد المرأة الذي لا يزال يتعرض للكثير من التجاهل أو التهميش من قبل المؤسسات الرسمية الساعية إلى طمس القضايا الاجتماعية الأساسية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق النساء أو بتطلعاتهن للمشاركة في الحياة السياسية التي لا تزال في الجانب الأكبر منها خاضعة لسلطة الرجل.

وفيما لا تزال المرأة الليبية تنتظر تشريع قوانين تحميها من كل أشكال العنف المسلطة عليها عبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن وقوفها إلى جانب المدافعين الليبيين عن حقوق المرأة في دعم حملة الـ16 يوما للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات، داعية جميع السلطات الليبية إلى تعزيز بيئة تحترم وتحمي النساء والفتيات في ليبيا بما يتماشى مع التزاماتها الدولية.

وقالت في بيان “ننضم إلى الحملة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة لإنهاء العنف ضد المرأة بحلول عام 2030″، وطلبت من المؤسسات الليبية والجهات السياسية الفاعلة “الانخراط في منع جميع أشكال العنف ضد المرأة”، مشيرة إلى أن الأبحاث الأخيرة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة تشير إلى أن جميع النساء الأعضاء في المجالس المنتخبة تقريبا اللاتي جرى سبر آرائهن، تعرضن لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف السياسي أثناء انتخابهن أو بعده.

وأوضح البيان الموقع من قبل المبعوث الأممي عبدالله باتيلي أن هذه التهديدات جاءت من الجماعات المسلحة وأعضاء المجالس المنتخبة الذكور وأفراد المجتمع المحلي، وشملت التلويح بالاختطاف والاختفاء القسري، والمضايقات عبر الإنترنت، والعنف اللفظي والنفسي.

جميع النساء الأعضاء في المجالس المنتخبة تقريبا تعرضن لشكل واحد من أشكال العنف السياسي أثناء انتخابهن أو بعده

وشجعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا جميع السلطات على العمل من أجل وضع إطار قانوني فعال يتصدى للعنف ضد النساء والفتيات، في المجالين الخاص والعام، حتى يتمكنَّ من المشاركة في العملية الانتخابية كناخبات ومرشحات، وحتى يجري تمثيلهن بشكل حقيقي في جميع مستويات اتخاذ القرار.

وأكد باتيلي أن كل جهد يُبذل في منع العنف ضد النساء والفتيات يعد خطوة مهمة نحو ليبيا أكثر أمانًا وعدالة وشمولًا، مردفا “إننا مازلنا نعيش في ثقافة تهيمن عليها الذكورية، مما يترك النساء عرضة للخطر من خلال حرمانهن من المساواة في الكرامة والحقوق”.

في المقابل يشير مراقبون إلى أن أغلب النشاط الحقوقي المتصل بملف العنف المسلط ضد المرأة تديره وتشرف عليه وتتولى تمويله الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات المجتمع المدني بينما تواصل السلطات الحاكمة في غرب وشرق البلاد البحث في الأسباب الحقيقية للظاهرة ومواجهتها ببرامج قانونية واجتماعية وثقافية وإعلامية قادرة على تغيير بنية العقل الذكوري في البلاد.

ويضيف المراقبون أن العنف ضد المرأة من أهم الأسباب التي تحول دون مشاركتها السياسية الفاعلة، وأن الأمر لا يتعلق بالاغتيال الجسدي كما حدث في عدد من الحالات، وإنما يصل إلى الاغتيال المعنوي عبر حملات التشويه الممنهج والمساس بسمعة المرأة وعرضها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

ودعت خبيرة حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة ريم السالم السلطات في ليبيا إلى اتخاذ خطوات عاجلة لحماية جميع النساء والفتيات في البلاد من تفشي العنف وسوء المعاملة، وإلى تنفيذ تدابير الوقاية بشكل كامل وضمان توفير الحماية والدعم للضحايا.

لا يوجد في ليبيا قانون للعنف الأسري يحدد تدابير لمنع العنف الأسري ومعاقبة المعتدين وحماية الضحايا

وفي ديسمبر الماضي قالت السالم في بيان لها “لقد غادرت ليبيا وأنا أشعر بانزعاج شديد إزاء مستويات العنف واسعة النطاق والممنهجة والخطيرة التي تواجهها النساء والفتيات في ليبيا. إن قتل الإناث أو قتل النساء لأكثر من سبب آخذ في الازدياد، ومثل ذلك أعمال العنف الجسدي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي في المجالين الخاص والعام”.

وأوضحت أن الانسداد السياسي وانعدام الأمن وعدم الاستقرار والتحديات التي يواجهها الحكم وسيادة القانون والأطر القانونية الإشكالية التي لا تتماشى مع التزامات ليبيا الدولية في مجال حقوق الإنسان كانت من بين الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع المروع.

إن هذه الأسباب، بالإضافة إلى انتشار المجموعات المسلحة والأسلحة التي تتسبب في الأعمال الإجرامية المعقدة والعابرة للحدود، قد عززت ظاهرة تفشي الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة؛ فـ”بينما لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به على الصعيد الإنساني وحقوق الإنسان وفي مجال توفير الدعم للنساء والأطفال، بمن فيهم الفتيات، فإن القيود المتزايدة المفروضة على مجال وعمل المجتمع المدني والمنظمات الدولية العاملة على الأرض أمر مثير للقلق بشكل كبير”.

وأطلقت بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية في ليبيا (يوبام) حملة توعوية بشأن العنف ضد المرأة، ونوهت في بيان لها السبت الماضي إلى أن الحملة التي تحمل اسم “16 يوما.. العنف ضد المرأة” تركز على “المنع والحماية” وتهدف إلى تسليط الضوء على أهمية تشجيع اتخاذ تدابير الوقاية والحماية لمكافحة العنف ضد المرأة.

ويحتفل العالم باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والفتاة عبر حملة “اتحدوا” الأممية، وهي عبارة عن 16 يوما من الأنشطة لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة، من 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر، وهو اليوم الذي يُحتفى فيه باليوم العالمي لحقوق الإنسان.

Thumbnail

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد حددت يوم 25 نوفمبر اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة وفقا للقرار (54 ـ 134)، فمن المفترض أن يكون الهدف من ذلك اليوم هو رفع الوعي حول مدى حجم المشكلات التي تتعرض لها المرأة في العالم مثل الاغتصاب والعنف المنزلي وغير ذلك من أشكال العنف المُتعددة.

ويجمع أغلب المراقبين على أن المرأة الليبية تواجه كل أشكال العنف وتتعرض للتهديد اليومي بهدف قطع الطريق أمام تطلعها إلى المشاركة في إدارة الشأن العام، لاسيما أن حقوقها انحصرت كثيرا بعد العام 2011، وتراجع حضورها نتيجة ترهل كيان الدولة واتساع دائرة التطرف الديني والاجتماعي والتمييز الجنسي في ظل المجتمع الذكوري الساعي إلى فرض سيطرة الرجال دون غيرهم على مقاليد السلطة السياسية والاقتصادية.

وفي أول مسح لها خلال أغسطس 2022 توصلت منصة رصد العنف الإلكتروني ضد المرأة في الانتخابات إلى رصد 38 ألف خبر عن العنف ضد المرأة، من بينها 1300 خبر متعلق بالعنف ضد المرأة في العملية السياسية.

وقالت رئيسة وحدة تمكين المرأة في المفوضية الوطنية العليا للانتخابات رباب حلب إن منصة رصد العنف الإلكتروني ضد المرأة في الانتخابات جرى تصميمها من جانب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2019، بغرض رصد وتحديد وتحليل هذا العنف، ومدى إمكانية تدخل المفوضية لحل الإشكاليات التي تواجه المرأة في الانتخابات.

وأضافت أن نتائج الرصد أظهرت أن 65 في المئة من الليبيين يعتبرون مواقع التواصل الاجتماعي مصدرًا من مصادر الأخبار، حيث يزداد لجوء الليبيين إلى الفضاء الإلكتروني، وبالتالي فإن أكثر العنف الموجّه ضد النساء في الانتخابات جاء عن طريق الإنترنت.

وأوضحت أن العنف الإلكتروني طال النساء وحال دون ترشحهن للانتخابات، خاصة العنف في مواقع التواصل نظرًا لعدم توفير فضاء آمن يمكن للناس التعبير عن آرائهم من خلاله، وباتت المرأة الليبية لا تستطيع التعبير عن أفكارها أو طرْح أسئلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن أغلب العنف الموجه ضد المرأة يتمثل في التشكيك في قدرتها أو كفاءتها، والغرض منه التأثير النفسي على المرأة وإضعاف مشاركتها في العملية السياسية بشكل عام، من خلال استهداف العائلات والمجتمع وتهديدها بالقتل أو الخطف أو التحرش الجنسي، وهو ما يؤثر في مشاركة المرأة في العملية الانتخابية.

Thumbnail

وكانت المفوضية العليا للانتخابات أنشأت منصة لـرصد العنف الإلكتروني ضد المرأة، بعد أن تبين أنه “كلما زادت نسبة مشاركة النساء في الانتخابات زاد العنف الانتخابي”، وهو ما أعطى مؤشرا على أهمية وجود منصة قوية لرصد العنف الإلكتروني والمخالفات الانتخابية، تسهم في وضع إستراتيجية لمعالجته والحد منه، وتقديم توصيات تنبه لضرورة صياغة قوانين تكون رادعًا لكل من يتعدّى على حق المرأة في المشاركة في العملية الانتخابية.

وفي 25 يونيو 2014 اغتال مسلحون ملثمون الحقوقية والمناضلة والسياسية ونائبة رئيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني وأحد مؤسسي “منبر المرأة الليبية من أجل السلام”، وذلك بُعَيْد إدلائها بصوتها في الانتخابات البرلمانية في بنغازي، ومنذ ذلك الحين لم يجرِ تقديم أحد إلى العدالة بتهمة قتلها.

وفي 17 يوليو من العام ذاته تم اغتيال عضو المؤتمر الوطني العام فريحة البركاوي من خلال إطلاق النار عليها من قبل مسلح في إحدى محطات الوقود بمدينة درنة. وفي فبراير 2015 أعلن مصدر أمني أن الناشطة الليبية انتصار الحصائري، عضو “حركة تنوير الثقافية والاجتماعية”، اغتيلت رميا بالرصاص وعثر على جثتها وجثة قريبة لها في صندوق سيارتها في طرابلس بعد أن شاركت في عدد من التحركات الاحتجاجية ضد الميليشيات.

وفي أغسطس 2019 تم اختطاف عضو مجلس النواب سهام سرقيوة ونقلها إلى مكان مجهول حيث لا يزال مصيرها غامضا إلى حد الآن، وفي نوفمبر 2020 أعلن عن اغتيال الناشطة السياسية والحقوقية حنان البرعصي التي عرفت بجرأتها وانتقاداتها الصريحة والحادة للانتهاكات المرتكبة على يد الميليشيات المنتشرة في بنغازي، فضلا عن دعمها لقضايا المرأة وحديثها المستمر عن الاعتداءات التي تتعرض لها النساء شرقي ليبيا.

وبحسب تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش لا يوجد في ليبيا قانون للعنف الأسري يحدد تدابير لمنع العنف الأسري ومعاقبة المعتدين وحماية الضحايا. ويسمح قانون العقوبات بتخفيف عقوبة الرجل الذي يقتل أو يصيب زوجته أو قريبة أخرى لأنه اشتبه في أنّها تقيم علاقات جنسية خارج إطار الزواج. كما يسمح أيضا للمغتصبين بالإفلات من المحاكمة إذا تزوجوا من ضحاياهم.

ويشير المراقبون إلى أن عددا كبيرا من النساء الليبيات واجهن عراقيل اجتماعية وتعرضن لمختلف أشكال العنف والتهديد والمضايقة من أجل التخلي عن مواقعهن أو عن طموحاتهن السياسية، آخرهن وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش التي جرى تحميلها مسؤولية الحكومة بخصوص خطوات التطبيع مع إسرائيل المتخذة من قبل عبدالحميد الدبيبة.

15