العملات الرقمية توفر لعصابات المافيا تعاملات مالية آمنة عبر القارات

البيتكوين ومونيرو العملتان المفضلتان في العمليات غير المشروعة.
الأحد 2021/09/05
العملات الرقمية تتيح السرية التامة

تهتم المنظمات الإجرامية والمافيات باستخدام الأدوات التكنولوجية في أنشطتها المالية، وبشكل خاص العملات الرقمية إذ لا تتضمن تدخل الجهات المالية المنظمة أو اتباع التوجيهات الحكومية، ويمكن للمافيا أن تغسل الأموال أو أن تدفع المستحقات المالية التي عليها دون أن تلفت الأنظار.

روما - لا تستطيع عصابات الجريمة المنظمة أن تتخلف قيد أنملة عن التطورات العصرية، خاصة في ما يتعلق بجمع الأموال.

ومن هنا فإن ظهور العملات المشفرة لم تعد قضية تثير اهتمام الأشخاص المهتمين بالتكنولوجيا والمسائل المالية، ولكنها تثير أيضا اهتمام أولئك الذين يسعون إلى إما الحفاظ على الشبكات الإجرامية أو تفكيكها.

فعلى سبيل المثال أخذت شبكة المافيا الإيطالية، تتحول بشكل متزايد إلى العملات الرقمية في عملياتها غير المشروعة.

وقال مسؤول في وحدة الشرطة الإيطالية المسؤولة عن مواجهة المافيا والمعروفة باسم (دي.آي.أيه)، إن “جميع المنظمات الإجرامية حتى تلك المماثلة للمافيا، مهتمة باستخدام هذه الأدوات التكنولوجية في أنشطتها المالية”، وطلب هذا المسؤول عدم الكشف عن هويته لأسباب تتعلق بسلامته.

وتعد البيتكوين أشهر العملات المشفرة وهي رقمية بالكامل، مما يعني أنه لا يمكن الحصول على فاتورة أو عملات مادية من خلال التعاملات بها، وبدلا من ذلك يتم إجراء التعاملات المالية عن طريقها من خلال رموز مشفرة مكونة من أرقام وحروف، وهي بشكل عام لا مركزية حيث تتم التعاملات بين المستخدمين مباشرة دون تدخل أطراف ثالثة وسيطة كالبنوك.

ويعني ذلك أن التعاملات لا تتضمن تدخل الجهات المالية المنظمة أو اتباع التوجيهات الحكومية، ويستعمل المستخدمون تطبيقا تكنولوجيا يعرف باسم بلوك تشين أي سلسلة الكتل، وهو نوع من قاعدة البيانات المعقدة، بهدف التأكد من عدم إنتاج نسخ مكررة من عملات البيتكوين.

جميع المنظمات الإجرامية حتى المماثلة للمافيا مهتمة باستخدام الأدوات التكنولوجية في أنشطتها المالية

وأوضح مسؤول الشرطة الإيطالية من مكتبه الكائن في ضواحي روما، أن هذه النوعية من الاستخدامات تروق للمافيا، وهي السبب الذي دفعها إلى الدخول في مجال الأموال الرقمية، خاصة وأن هذا المجال يكفل السرعة والأمان وأيضا السرية، وهي كلها عوامل تعطي ميزات للأنشطة غير المشروعة.

وهذه السرية تجعل من المتعذر الكشف عن هوية أي شخص يقوم بأي عملية مالية باستخدام العملات المشفرة، ولا ترغب الشرطة في الكشف عن البيانات المتعلقة بحجم العمليات التجارية التي تجرى باستخدام هذه العملات، أو عن طبيعة التحريات الجارية أو الأضرار التي حدثت، نتيجة الأنشطة غير المشروعة باستخدام العملات المشفرة.

وعلى سبيل المثال نجد أن عصابة “ندرانجيتا” وهي أحد فروع المافيا وقاعدتها إقليم كالابريا بالجنوب الإيطالي، تستخدم العملات المشفرة في تعاملاتها المالية مع عصابات أميركا اللاتينية، وذلك وفقا لأحدث تقرير قدمته إدارة الشرطة المعنية بمواجهة المافيا للبرلمان الإيطالي، ويتركز التقرير على النصف الأول من عام 2020.

وتركز هذه العصابة أساسا على تجارة الكوكايين، واستخدمت العملات الرقمية لتسهيل المعاملات مع شبكات تجارة المخدرات في كولومبيا.

Thumbnail

وهذا التقرير حافل بالكثير من المعلومات. وجاء فيه أنه “يبدو أن المافيا حولت اهتمامها إلى الجريمة الإلكترونية، وإلى إمكانات ممارسة نشاطها في الشبكة العنكبوتية السوداء من الإنترنت حيث يختفي المجرمون، وحيث يتعذر مراقبة أي من هذين الجانبين، وذلك من أجل تحويل كميات كبيرة من الموارد المالية إلى أغراض غير مشروعة تماما”.

وعن طريق تحويل الأموال التي تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية إلى عملات مشفرة، ثم استخدامها في مواقع غير مشروعة من شبكة الإنترنت مثل المنطقة السوداء فيها، ويمكن للمافيا أن تغسل الأموال أو أن تدفع المستحقات المالية التي عليها دون أن تلفت الأنظار.

ومع ذلك حققت الشرطة الإيطالية بعض النجاحات، برغم عدم وجود هوية للمتعاملين واتساع نطاق الإنترنت. ففي نهاية شهر أبريل الماضي ألقت الشرطة القبض على أكثر من 20 شخصا من عصابة “آزي” الإجرامية النيجرية التي مارست أنشطة الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات، وتم توجيه الاتهام لهم باستخدام البيتكوين لشراء بطاقات ائتمانية مزيفة من مواقع إلكترونية، ثم استخدامها في شراء المزيد من السلع.

وفي حالة أخرى وقعت في أغسطس 2019، ألقت الشرطة القبض على أربعة أوكرانيين بمدينة لوكا بإقليم توسكاني بوسط إيطاليا، وتم توجيه الاتهام لهم بعضوية منظمة تستخدم المنطقة السوداء من الإنترنت لشراء المخدرات، مثل الكوكايين ومخدر إل.أس.دي والمارخوانا من ألمانيا وهولندا باستخدام البيتكوين.

مجال الأموال الرقمية يكفل السرعة والأمان وأيضا السرية وهي كلها عوامل تعطي ميزات للأنشطة غير المشروعة

وذكر تقرير الشرطة الإيطالية أنه تقرر تدعيم عدد الوحدات القادرة على إجراء التحريات على شبكة الإنترنت، بالمزيد من التعاون مع شرطة جرائم المال بالبلاد إضافة إلى قوات الشرطة الوطنية. وأفاد مسؤول بجهاز الشرطة الوطنية الإيطالية “كارابينيري”، لصحيفة لا ريبابليكا في يونيو الماضي، أنه من بين الأهداف المزمع تحقيقها كفالة أن تجمع جهات التحري أدلة بوسائل قانونية، وكفالة ألا تتعرض البيانات للتدخل أو التلاعب. وهذه هي الطريقة الوحيدة للتأكد من أن المحكمة ستأخذ بالأدلة.

كما اكتسبت الشرطة الألمانية خبرات في التعامل مع العملات المشفرة.

وقال بيان صادر عن الهيئة الرئيسية للجمارك في ألمانيا، إن “استخدام العملات المشفرة لسداد أموال على الإنترنت في إطار عمليات إجرامية، مثل تلك المتعلقة بالتهرب من الرسوم الجمركية، شهد زيادة ملحوظة”.

وأوضح القائمون على جمع التحريات أن البيتكوين وعملة أخرى تسمى “مونيرو” هما العملتان اللتان يفضلهما المستخدمون.

وأضاف المسؤولون في هيئة الجمارك الألمانية أنهم لاحظوا أن العملات المشفرة تستخدم في عمليات إجرامية، تشمل البحث عن طرق لفرض السرية على شراء وشحن سلع محظور تداولها.

وهذه العملات تسمح للمجرمين بإخفاء هوياتهم وأماكنهم، حيث أن عمليات السداد تتم بين شخص وآخر مباشرة، وليس من خلال أي مصرف يمكنه بطبيعة الحال أن يخطر السلطات بأي تعاملات مشبوهة، لكنها تتضمن ثغرات تساعد في الكشف عن تلك الجرائم.

وفي مارس 2021، وافقت هيئة محلفين اتحادية على لائحة اتهام ضد الرئيس التنفيذي لشركة “سكاي غلوبال” ومقرها في كندا، حيث يتهم المحققون الشركة بتوفير أجهزة إلكترونية مشفرة مصممة خصيصا لعمليات الاحتيال المالي والإفلات من القانون.

وتزعم لائحة الاتهام أن سكاي غلوبال سهلت لشبكات إجرامية توزيع المخدرات في عدد من دول العالم وعمليات غسيل أموال. ويُزعم أن الشركة قدمت خدمات من بينها تقنية الحذف عن بعد للاتصالات أو الملفات التي يمكن استخدامها دليلا على الأنشطة غير القانونية.

17