العضو الأنثوي الذي ليس واحدا

المنطق الأنثوي سيكون تعدديا تقابليا، ولن يكون في خط مستقيم، بل دائري، أي أنه لن يقف عند المنطوق به، لكن سيأخذ بعين الاعتبار غير المنطوق به، على غرار نظريات النقد ما بعد التفكيكية.
الخميس 2018/09/20
المرأة ظلمت وتم التعامل معها بدونية قصوى

"الأسطورة العلمية" هو الاسم الذي أطلقته الفيلسوفة وعالمة النفس البلجيكية لوس ايريغاراي على عملية التخصيب البشري بين الذكر والأنثى، وهي تسمية تحمل متناقضين: الأسطورة بما تعنيه من خيال ووهم، والعلم بما يدل عليه من حقائق وثوابت.

إلا أن العالمة البلجيكية تجد أن التوصيفات العلمية للأعضاء التناسلية للرجل والمرأة، وكذلك عملية التخصيب بينهما قد ظلمت المرأة وتعاملت معها بدونية قصوى.

 فالرجل لديه حيوانات منوية كثيرة ونشطة، تتسابق بقوة واندفاع باتجاه البويضة، التي هي واحدة ليست أكثر، وتوجد بحالة خمول وانتظار. في كتابها “هذا العضو الذي ليس واحدا” تؤكد لوس ايريغواي، على أن الشيء الوحيد القادر على إيجاد التوازن الجندري يكمن في مزيد البحث وتسليط الضوء على الفوارق بين الجنسين وليس العكس. ترى العالمة والفيلسوفة البلجيكية أن العلم والفلسفة تعاملا مع العضو الذكري بوصفه شيئا واحدا، واضحا ومستقيما، وهو في حالة توجه كامل نحو الهدف، أي أنه قادر على إعداد نفسه، وظائفيا لبلوغ الغاية.

في مقابل العضو الأنثوي الذي لم يحظ بالاهتمام نفسه على مر العصور، وفي الحالات القليلة التي حدث فيها ذلك، تم تناوله في إطار علاقته بالعضو الذكرى وليس بوصفه مستقلا عنه. البظر هو عضو ذكري غير مكتمل، أي أنه لم يبلغ درجة الوضوح والاستقامة والتوحد التي بلغها العضو الذكري، فضلا عن أنه لا يملك الاستعداد الوظيفي للتوجه نحو الهدف، فتحول إلى حالة الخمول والاستقبال. الأمر نفسه ينطبق على الفرج، الذي هو، مثله مثل البويضة، غرفة استقبال للذكر.

وتعتقد الفيلسوفة البلجيكية أن المرأة تحتاج للتحرر من الفلسفة الغربية التي سجنتها في هذا التفسير النمطي، وظائفيا وفلسفيا، لتتمكن من كسر القيود المفروضة عليها، بدءا من فرويد، الذي فسر كل سلوكها وانعكاساتها الشرطية في ضوء ما أسماه “عقدة القضيب” وتطلع المرأة إلى بلوغ “الذكورية” المسلوبة منها من قبل الطبيعة، إلى لاكان الذي ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وحصر مفهوم المرأة في “الأمومة” التي تحرك كل أفعالها وردود أفعالها، وسلبها المتعة والروح.

المرأة من وجهة نظر ايريغواي، عرفت دائما على ضوء علاقتها بالرجل، وكان الأجدر أن تعرف ضمن وجود مستقل لا يفترض وجود الجنس الآخر في المقابل.

 وتقول الفيلسوفة، للتدليل على ذلك، إن الرجل يحتاج إلى أداة خارجية من أجل إشباع نفسه، يده مثلا أو اللغة، في حين لا تحتاج المرأة لذلك، فعضوها التناسلي مصمم على شكل شفتين متقابلتين في حالة تقبيل مستمر. وتذهب إلى حد اعتبار أن العضو الأنثوي، الأكثر من واحد، عضو ناطق بمنطق أنثوي متكامل، وهو نفس المنطق الذي يحب أن تتحلى به المرأة في التعاطي مع كينونتها.

 ماذا يحدث لو أن هذين الشفتين بدأتا بالتكلم؟ ترى الفيلسوفة أن الفكر التي سيصدر عنهما سيكون مغايرا تماما للفكر القائم الآن والذي تميزه الأحادية والغائية، وهو نفسه ما يميز الفلسفة والمنهج الفكري إلى حد الآن.

المنطق الأنثوي سيكون تعدديا تقابليا، ولن يكون في خط مستقيم، بل دائري، أي أنه لن يقف عند المنطوق به، لكن سيأخذ بعين الاعتبار غير المنطوق به، على غرار نظريات النقد ما بعد التفكيكية. وتستنتج الفيلسوفة أن العضو “الذي ليس واحدا” سيؤدي إلى منطق “ليس واحدا” أي إلى التعددية الفكرية.

 ورغم ما بذلته الفيلسوفة من جهد في التدليل على نظريتها الفلسفية وبناء منطقها المعارض للفلسفة الغربية التي تناولت مسألة المرأة، إلا أنني شخصيا أميل إلى اعتبار كتابها “هذا العضو الذي ليس واحدا” كتابا شعريا بامتياز لما تضمنه من سياقات جمالية ودلالية ولغة جديدة تسعى للحسم مع لغة الفلسفات السابقة.

21